خبر تغيَّر الحاكم وليس الحكم – بقلم: فهمي هويدي

الساعة 06:07 م|24 أكتوبر 2011

تغيَّر الحاكم وليس الحكم – بقلم: فهمي هويدي

 

 

أثناء اجتماع لمجلس السلام والأمن في جامعة تل أبيب، قال مئير دجان رئيس الموساد السابق إن الحكم في مصر لم يتغير، وإن الذي تغير هو الحاكم فقط.

 

وتطرق إلى المستقبل في مصر وما يشاع عن احتمالات وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة قائلا:

 

إن الشارع المصري يموج بالحركة حقا لكن الإخوان لن يصعدوا إلى سدة الحكم، لأن خطوة من ذلك القبيل من شأنها أن تجلب لمصر مصاعب شديدة في السياسة الداخلية، فضلا عن أن المجلس العسكري لن يسمح بذلك.

 

 

هذا الكلام مقتطف من تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» في 4/10 تضمن خلاصة للآراء التي أبداها رئيس الموساد السابق في ذلك اللقاء، وقال فيها إن الخطر العسكري الذي يهدد إسرائيل في المستوى الأدنى من التاريخ، وإنها في وضع استراتيجي جيد،

 

وتنبأ بأن الرئيس بشار الأسد سيواصل أعمال القمع العنيفة في سوريا.

 

كما أبدى إعجابه بالذكاء السياسي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان،

 

ودعا إلى استبعاد الخيار العسكري في التعامل مع إيران في الوقت الراهن.

 

 

السمة العامة لما تنشره الصحف الإسرائيلية من تعليقات على ما يجري في العالم العربي، أنها تنظر إليه باستعلاء وازدراء شديدين.

 

وما وقعت عليه منها على الأقل يكاد يجمع على أن العالم العربي ليس مهيأ للديمقراطية وأن المسلمين يؤمنون بحكم الفرد الذي هو جزء من عقيدتهم. وهذا الإيمان يشترك فيه المتدينون والعلمانيون.

 

 

 

ففي المقال الافتتاحي لصحيفة يديعوت أحرونوت (14/9) كتب آمنون شاموش يقول محذرا مما سماه «الوهم الغربي والإسرائيلي» بأن العالم العربي متجه صوب الديمقراطية، مدللا على ذلك بأنه:

 

في أكثر البلدان المسلمة، ومنها العربية، يوجد وكان وسيكون نظم حكم فردية برلمانية، تختلف عن الديمقراطيات المعروفة في العالم،

 

وفي رأيه أنه ليس صحيحا أن هناك ربيعا عربيا، لأن ما تشهده هو مجرد ثورة عربية. وحتى إذا رفعت الثورة شعار الديمقراطية، فإنها ستنتهي بعد سنين من الاضطراب إلى حكم فرد يرتب من جانبه انتخابات «حرة» تأتي ببرلمان يناسب الحاكم. وإذا لم يتحقق ذلك فإنه سيفضي لإجراء انتخابات جديدة «ديمقراطية» أيضا تحقق للحاكم مراده.

 

 

الفكرة ذاتها عبر عنها آري شبيط في مقال نشرته هآرتس في 15/9. حين قال إن الربيع العربي ليس سوى كارثة عربية، حيث نتيجته أن حياة مئات الملايين من العرب ستصبح أصعب مما كانت. حيث سيكون هناك فقر أكثر وجريمة أكبر وخوف أشد في الشوارع وقدر أكبر من قمع النساء ومطاردة الأقليات وكراهية الغرب.

 

 

خلاصة الكلام أنه لا أمل في العالم العربي، الذي يرى أمثال هؤلاء الكتاب الإسرائيليين أن التعاسة قدره المحتوم. وأن الاستبداد كامن في ماضيه وحاضره بل ومستقبله أيضا، وهي رؤية لا تعبر عن الاستعلاء والازدراء فحسب، وإنما هي تميل إلى تصوير العالم العربي كما يتمنونه، الذي تظل إسرائيل فيه شعب الله المميز والمختار. إضافة إلى أنها تقرأ الإسلام والمسلمين بأعين المستشرقين الذين روجوا لفكرة الاستبداد الشرقي والحاكم الذي ينطق بأمر الله وحكمه.

 

 

يلفت النظر في هذا المنطق أن أصحابه لم يلقوا بالاً للملايين التي خرجت في أنحاء العالم العربي، وقدمت الكثير من التضحيات، في التعبير عن شوقها للحرية والديمقراطية. كأن الناس كانوا ضد أشخاص الحكام فقط وليسوا ضد الاستبداد والطغيان. وإذا صح أن الأنظمة لم تتغير كثيرا في مصر وتونس مثلا، فمن الخطأ اعتبار ذلك وضعا نهائيا، لأن الطابع السلمي الذي اتسمت به الثورتان استدعى إقامة فترة انتقالية تمهد للتقدم صوب النظام الديمقراطي المنشود. وهذا ما لا تريده إسرائيل ولا تتمناه، لأن أي نظام وطني حقيقي في العالم العربي خصوصا في مصر لابد أن يكون مشتبكا مع الغطرسة والعربدة الإسرائيليتين.

 

 

لا أعرف مصدر الثقة التي تحدث بها رئيس الموساد السابق عن التعبير الحاصل في مصر، وكونه طال الحاكم فقط ولم يشمل الحكم، ثم قوله إن المجلس العسكري لن يسمح للإخوان بكذا أو كذا، الأمر الذي أعاد إلى ذهني التساؤل عن طبيعة ومضمون التعهدات التي قدمها الرئيسان السابقان السادات ومبارك لطمأنة إسرائيل في الحاضر والمستقبل.

 

وهو تساؤل سيظل معلقا على جدران مصر حتى يقيِّض لنا الله من يكشف لنا عن إجابته، لكي نفهم حقيقة القيود التي تكبلنا وتجعل الإسرائيليين يتحدثون عن مستقبلنا بهذه العجرفة والصفاقة.