خبر من السجن الصغير إلى الكبير .عبدالله السويجي

الساعة 09:49 ص|24 أكتوبر 2011

من السجن الصغير إلى الكبير .عبدالله السويجي

 

 

 

لا شك أن عملية تبادل الأسرى التي تمت خلال الأسبوع الماضي بين حركة حماس والكيان الصهيوني هي عملية مطلوبة، كونها تعيد الآباء المسجونين والأمهات المسجونات إلى أسرهم، كما تعيد الأبناء إلى أهاليهم لينعموا ببعض الحرية بعيداً عن جدران السجن القاتلة.

 

إن دولة الكيان الصهيوني هي الأكثر في العالم بناء للمعتقلات، وقد تحلم أن تضع الشعب الفلسطيني كله في سجن كبير أو سجون انفرادية، كي تضمن الطمأنينة والسلام، ولا تتوانى عن اعتقال الأمهات، حيث قامت باعتقال خمسة آلاف أم منذ عام 1967، كما لا تتردد في اعتقال القُصّر، حيث يوجد في سجون الاحتلال 27 قاصراً ذكراً و9 قاصرات إناث، واعتقل جيش الكيان الصهيوني 786 قاصراً تراوح أعمارهم بين 14 عاماً و18 عاماً من الجنسين على مدى العقد الماضي، واعتقلت منذ العام 2000 نحو 2000 طفل تراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، فضلاً عن وجود أكثر من خمسة آلاف فلسطيني لا يزالون في سجون الاحتلال، خلاف من أدرجت أسماؤهم في عملية التبادل، وهناك أسرى عرب لا يزالون في سجون الدولة العنصرية، منهم 46 أسيراً سورياً، و43 أسيراً لبنانياً، و29 أسيراً أردنياً، و11 أسيراً مصرياً، و8 أسرى من السودان والعراق والجزائر وليبيا، والخوف ليس من الأسر ذاته، وإنما من التجارب الطبية التي يمارسها الكيان على الأسرى، ووسائل التعذيب، وتجنيد البعض منهم للعمل لمصلحته بالإكراه.

 

وعلى الرغم من أن تحرير الأسرى أمر مهم للغاية بل مطلوب إنسانياً ووطنياً فإنهم يخرجون من سجنهم الصغير إلى سجنهم الكبير، فالجيش الصهيوني قادر على الدخول إلى أي منطقة فلسطينية، ولا سيّما في الضفة الغربية، واعتقال من يشاء في أي وقت يشاء، ولكن المقاومة أو الفلسطينيين لا يستطيعون أسر جندي إسرائيلي في أي وقت، وهنا تكمن المفارقة. ويوم الخميس الماضي، تناقلت وسائل الإعلام خبراً عن قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتقال ستة فلسطينيين في الضفة الغربية، وذكرت مصادر عسكرية إسرائيلية أن قوات إسرائيلية اعتقلت ظهر الأربعاء شابة فلسطينية بدعوى محاولتها طعن مستوطن يهودي في مجمع مستوطنات "جوش عتصيون" جنوب بيت لحم. كما اعتقلت 4 فلسطينيين بدعوى أنهم "مطلوبون"، وصادرت عشرات الطلقات النارية خلال مداهمات في أنحاء الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه اعتقلت قوات إسرائيلية الفلسطيني أحمد خضر أبو هاشم (44 عاماً) في بلدة بيت أمر، شمال الخليل، يحدث هذا بعد أيام قليلة من عملية تبادل الأسرى، علماً أن الكيان الصهيوني لايزال يحتجز تسع أسيرات ضمن نحو 5 آلاف فلسطيني في سجونها. وأعلنت حركة "حماس" و"إسرائيل" أن صفقة تبادل الأسرى تشمل جميع الفلسطينيات المحتجزات في سجون الاحتلال "الإسرائيلي" وعددهن 27 أسيرة تم الإفراج عنهن. إلا أن مصادر فلسطينية مختصة أكدت أن العدد الحقيقي هو 36 أسيرة.

 

وفي الواقع، إن أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية لا تزال سجناً كبيراً للفلسطينيين، نظراً لاستباحة جيش الاحتلال الأراضي الفلسطينية بشكل يومي، ولبنائها الجدار العنصري العازل الذي قضم الأراضي الفلسطينية وصادر آلاف الدونمات من المزارعين والفلاحين الفلسطينيين، وسيبقى سجناً كبيراً حتى تمارس السلطة السيادة الكاملة على أراضيها ومعابرها، إذ لا يمكن أن يبقى الكيان الصهيوني متحكماً بنقاط العبور، وبسلطة إصدار التصاريح للدخول إلى الأراضي الفلسطينية، وتفتيش القادمين والمغادرين، إن هذا الأمر ينتقص من السيادة الحقيقية التي يجب أن تتوافر.

 

وهنالك أمر آخر، هو أن الأراضي الفلسطينية ستبقى سجناً للفلسطينيين طالما بقي قطاع غزة والضفة الغربية تحت سلطتين مختلفتين، وما يدعو إلى الحزن، أن تنجح عملية تبادل الأسرى بين حركة حماس والكيان الصهيوني، وتفشل بين حركتي فتح وحماس، وتبقى عملية المصالحة متعثرة بين الحركتين، الأمر الذي سينعكس سلباً على الوحدة الوطنية. كما أن المحزن أيضاً، أن تقوم حركة حماس وليس السلطة الفلسطينية بالتفاوض مع الكيان الصهيوني، وهو أمر يخلق معادلة غريبة على الأرض، ويغيّر قواعد الصراع. وفي الواقع، تسعى الدولة الصهيونية إلى أن تزيد من الفجوة القائمة بين حركتي حماس وفتح أي (السلطة)، للإبقاء على الوضع الراهن، وهذا ليس تكهناً، فقد رفض قادة الكيان الصهيوني عملية المصالحة بين الضفة والقطاع، كما رفضتها أمريكا ممثلة بتصريح الرئيس باراك أوباما، فكيف يرفض الكيان والولايات المتحدة المصالحة الفلسطينية بذريعة أن حركة حماس حركة إرهابية، وكيف يتفاوضون معها، وإن لم يكن التفاوض مباشراً، لأن التفاوض لا يختلف، إن كان مباشراً أو غير مباشر؟ وهذا يعني أن هناك قنوات اتصال بين الطرفين، فهل هذه الخطوة تضعف السلطة الممثلة بالرئيس محمود عباس؟ وهل بدأ الكيان بزلزلة الأرض تحت قدميه لأنه أصر على الذهاب إلى الأمم المتحدة، وسيكون مصيره مثل سلفه الراحل ياسر عرفات الذي تعرض للقتل بالسم حين رفض التوقيع على التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، ومن بينها حق العودة؟

 

أسئلة يطرحها المحللون الذين تمتد رؤيتهم إلى ما أبعد من عملية التبادل، فهذه النوايا الصهيونية لا تتعلق بالجندي المفرج عنه "شاليت"، وإنما بأمور أكبر وأعمق وأخطر، إذ من المعروف أن الكيان الصهيوني يهادن من جهة، ويضرب في جهة أخرى، والبعض يتوقع حرباً في جهة ما، إن كانت في لبنان أو إيران أو سوريا أو أي مكان آخر، ولا سيّما أن نبرة التهديد الأمريكي لإيران عادت إلى الارتفاع، وربما يريد الكيان من وراء هذا التبادل أن يهدئ جبهة حماس التي اتهمت في وقت من الأوقات أنها تتلقى أوامر من إيران، إضافة إلى الدعم المادي واللوجستي.

 

لقد عاد بعض الأسرى الفلسطينيين إلى بيوتهم، لكن بيوتهم تحت مرمى البندقية الصهيونية، وقطعان المستوطنين الذين لا يترددون لحظة في استباحة الأراضي الفلسطينية، وهكذا، فإن الحرية تبقى ناقصة، مادام أن بعض الأسرى قد تم نفيهم خارج فلسطين، وأنهم عرضة للاعتقال ثانية.

 

الحرية ليست في تغيير المكان، وليست في تبديل وجوه السجانين، وليست في لمّ جمع العائلات، الحرية أن تمارس السيادة على المكان بكل أبعاده، البيت والمدرسة والشارع وكل تفاصيل الوطن، أن يكون بمقدورك الدفاع عن مكانك، لا أن تنام وأنت تعرف أن سقفك غير محصّن، وسور بيتك ضعيف جداً، وانتزاعك سهل من أهلك.

 

على القيادة الفلسطينية أن تقف بحزم أمام استباحة جنود الاحتلال لأراضيها، وأن تتخذ الخطوات اللازمة، محلياً وعربياً ودولياً، كي تمنع الممارسات الصهيونية التعسفية، وبالأخص، اعتقال الأطفال القُصّر والنساء والفتيات، وهذا أضعف الإيمان.

 

صحيفة الخليج الإماراتية