خبر ماذا عن تحرير بقية الأسرى؟ .. عوني فرسخ

الساعة 09:49 ص|24 أكتوبر 2011

ماذا عن تحرير بقية الأسرى؟ .. عوني فرسخ

أخيراً وبعد مخاض مفاوضات نوعية أجراها ممثلو حماس بنجاح يذكر لهم، وأسهم فيها وسطاء مصريون بجهود حميدة تؤشر لبداية استعادة مصر دورها القومي، نفذ الشق الأول من عملية تبادل الأسرى لقاء إطلاق سراح الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليت، بحيث غدا 450 أسيراً و27 أسيرة أحراراً طلقاء. والمرجح أن يتم تنفيذ الشق الثاني من العملية ويظفر بالحرية 550 أسيراً آخر.

 

والحديث متواتر عن عزم الحكومة المصرية إبرام صفقة تبادل بين 81 أسيراً مصرياً والجاسوس "الإسرائيلي" الذي ألقي القبض عليه في ميدان التحرير بعد محاكمته. والسؤال الذي يفرض ذاته بعد هذا النجاح في عملية تحرير ما يجاوز ألف أسير وأسيرة، وماذا عما يجاوز الستة آلاف أسير الباقين المضربين عن الطعام لسوء أوضاعهم منذ أكثر من ثلاثة أسابيع؟

 

هل سيظل هؤلاء الأبطال قابعين في معتقلات وسجون وزنازين الاحتلال يقاسون أبشع صنوف العذاب على أيدي غلاة العنصريين الصهاينة من السجانين والمحققين، حتى يقيّض الله لأحد فصائل المقاومة أسر أحد جنود الاحتلال، أو يقع أحد آلاف الجواسيس الصهاينة المتغلغلين في المجتمعات العربية بيد أجهزة الأمن في أحد أقطار المواجهة؟ ولما كان أي من الأمرين لا يمكن المراهنة عليه، فإن ما يستدعي التساؤل عمن هو المسؤول تاريخياً عن تواصل معاناة هذه النخبة من أنبل وأشرف أبناء الأمة العربية، وهل في الواقع الراهن ما يمكن توظيفه وطنياً فلسطينياً وقومياً عربياً لفك أسرهم وإعادتهم إلى أسرهم وذويهم الذين طال تطلعهم للقاء أحبائهم؟

 

وفي الإجابة أذكّر القارئ الكريم بداية أنه ليس بين نخبة الأسرى من لم يضحّ بحاضره ومستقبله، وصفاء عيش أسرته، بانخراطه في العمل المقاوم. وجميعهم ومن غير استثناء يعتبرون وطنياً وقومياً وإنسانياً "مقاتلي حرية"، مارسوا نضالاً مشروعاً في القانون الدولي بمقاومتهم الاحتلال الغاصب لأرض وطنهم. وهي المقاومة المشروعة بالوسائل الممكنة والمتاحة كلها، بما في ذلك الكفاح المسلح. وإن كان بينهم من هو متهم من قبل العدو ورعاته على جانبي الأطلسي بأن يديه ملطختان بالدماء، فإنها تهمة مشرفة من وجهة النظر الوطنية والإنسانية.

 

ثم إن هذه النخبة المتميزة من شرفاء الأمة العربية وأحرارها، وإن هم ينتمون لفصائل المقاومة الفلسطينية، مناضلون قوميون بامتياز، باعتبارهم صادقي الالتزام بالقضية الفلسطينية التي لما تزل تعدّ القضية المركزية للأمة العربية. وهم والحال كذلك وإن كانت أرض فلسطين ومحيطها العربي مسرح إبداعهم المقاوم، إلا أنهم في الواقع العملي نابوا عن شعوب الأمة العربية ما بين المحيط والخليج، بتصديهم البطولي لعدوها القومي. ذلك لأن مشروع الاستعمار الاستيطاني العنصري إنما استهدف الأمة العربية من بوابتها الفلسطينية. بإقامة تجمع بشري غريب، ومعادٍ للعرب جميعاً، ليفصل بين جناحي الوطن العربي ليمنع وحدته ويعيق تقدم شعوبه واستعادتها دورها التاريخي في الحضارة الإنسانية. ما يعني أن الممانعة والمقاومة في فلسطين ومحيطها العربي ليست وطنية فحسب، وإنما هي قومية أيضاً، بل وإنسانية من حيث إنها ممانعة ومقاومة لأخر مشروعات الاستعمار الاستيطاني العنصري التي صدّرها المستعمرون الأوروبيون لما وراء البحار.

 

وإذا كانت السلطة الوطنية الفلسطينية وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية مسؤولة عن اجتراح وسيلة تحرير من تبقى من الأسرى، باعتبار ذلك في مقدمة مهامها الوطنية. فإن كون الصراع الذي فرض على شعب فلسطين أن يخوضه قومي وليس قطرياً فحسب، يغدو منطقياً القول إن المسؤولية التاريخية عن تحرير بقية الأسرى قومية أيضاً، تسأل عنها النخب الفكرية والسياسية العربية عامة، وصناع القرارات القطرية ومستشاروهم وإعلاميوهم بصفة خاصة. وإذا كانت "إسرائيل" واصلت على مدى السنوات الخمس التي أمضاها شاليت في الأسر جهودها دولياً وإقليمياً لفك أسره، من دون إهمال العمل الاستخباراتي لتحريره، فكيف الحال وأسرى الأمة العربية يجاوزون الستة آلاف، وبينهم كثيرون أمضوا في الأسر أضعاف سنوات شاليت الخمس؟

 

ثم إن شباب وصبايا الربيع العربي، وقد تعاظم لديهم إدراك الترابط العضوي بين طموحهم للديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبين صراع الوجود الذي فرض على أمتهم في مواجهة التحالف الإمبريالي الصهيوني، مطالبون بأن يجعلوا من قضية الأسرى وتحريرهم في مقدمة مطالبهم الوطنية، بحيث يمارسون ضغطاً متناهياً على صناع القرار الرسمي للنهوض بمسؤوليتهم القومية على هذا المحور.

 

وإذ نطالب بتحرك عربي عام للعمل على تحرير من تبقى في أسر العدو نذكّر الجميع، قادة فصائل مقاومة، وصناع قرارات قطرية، بأن الواقع العربي والإقليمي والدولي هو اليوم في مصلحة عملية تحرير الأسرى المنشودة. فميزان القدرات والأدوار لم يعد مختلاً لمصلحة التحالف الأمريكي - الصهيوني كما كان غداة توقيع نظام السادات معاهدة صلحه مع "إسرائيل"، ولا كما كان عليه حين أبرمت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو، ولا حتى غداة صدور مبادرة القمة العربية عام 2000 والهرولة للتطبيع مع العدو.

 

ذلك لأن كلاً من الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني يعيشان مأزقاً متصاعد الخطورة. فإدارة أوباما تواجه تحديات تفاقم الأزمة المالية وتعاظم الحراك الشعبي في الشوارع الأمريكية المطالب بالعدالة الاجتماعية والمندد باستغلال تحالف السلطة والرأسمالية المتوحشة. فيما يواجه الكيان خطر فقدان شرعية وجوده، كما حذر شلومو غازيت، رئيس شعبة استخباراته العسكرية السابق، فضلاً عن تنامي رفض شعوب العالم لممارساته العنصرية. والفرصة بالتالي متاحة لحراك شعبي ورسمي عربي ضاغط لتحرير الأسرى، متفاعل مع انتفاضة الساخطين في الشوارع الأوروبية والأمريكية.

 

ويقيناً أن اشتراط إطلاق سراح أبطال المقاومة يرجح عند جماهير شعب فلسطين وأمته العربية على المطالبة العبثية بوقف الاستيطان في الضفة المحتلة، إذ الاحتلال هو الأصل والاستيطان من بعض فروعه. ثم إن تواصل اعتقال مقاتلي الحرية العرب الستة آلاف يتناقض تناقضاً تاماً مع الالتزام بمعاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة واتفاق أوسلو وما تفرع عنه من اتفاقيات. ناهيك عن التناقض الفاضح بين بقاء أي مقاوم في أسر العدو المحتل والتنسيق الأمني معه. وهذا هو التحدي الذي يفرضه بقاء ستة آلاف مقاوم رهن المحبسين: محبس العنصرية الصهيونية والتواطؤ الدولي، ومحبس العاجزين عن قراءة مستجدات واقع الصراع والارتقاء لمستوى أداء المقاومة وشباب الربيع العربي، ملهم الشعوب الأمريكية والأوروبية للتغيير.