خبر موت بطعم مرير.. معاريف

الساعة 12:01 م|21 أكتوبر 2011

بقلم: نداف ايال

(المضمون: في قصر الرئاسة في دمشق لا بد شاهدوا صور جثة القذافي. طغاة الشرق الاوسط يطاح بهم، يحاكمون او يصفون الواحد تلو الاخر. لبشار الاسد ايضا لا يوجد الى أين المفر. واذا ما انتصرت الثورة السورية، فسيمر يوم طويل على جثته أيضا -  المصدر).

يوم طويل مر على جثة معمر القذافي. تقارير أولية عن موت في المعركة استبدل بواقع مثير: صور حاكم خائف ونازف يجر ويتعرض للضرب من رجال مسلحين، وبعد ذلك النهاية المتوقعة – جثة شبه عارية ملقاة في سيارة تندر. الفيلم القصير الذي بث المرة تلو الاخرى في أرجاء العالم أثبت، دون ريب، بان الطعم السيء الذي ميزه في حياته انتقل بالوراثة الى أعدائه الأمر. صور اطلاق النار في الهواء واحتفالات النشوة حول سيارة التندر حيث جثة الطاغية كانت سابقة اخرى لموجة الثورات في العالم العربي. منذ الستينيات والسبعينيات لم يعرض موت عنيف بهذا القدر لحاكم في أعقاب ثورة أو انقلاب. حسني مبارك يقدم الى المحاكمة، الرئيس التونسي بن علي فر، وفي سوريا المعركة لا تزال جارية. ولكن ما بدأ في ليبيا كثورة سرعان ما تطور، برعاية العطش لدماء أبناء عائلة القذافي، الى حرب أهلية شاملة. في مثل هذه الحرب يتم القتال حتى الموت واذا كان ممكنا تسحل جثة الطاغية في الشوارع. محاولة وحشية لنزع السحر الاسود لحكمه. ليبيا القبلية والصحراوية ما كانت مرشحة لمنح القذافي موت عادل رسمي.

طغيان القذافي كان الاكثر غرابة وتميزا في العالم العربي. والغرابة الاساس لحاكم ليبيا لم تكن مسألة هامشية بعد تعبيرا أعلى عن دكتاتوريته. كان هذا سبيله لان يجسد التحقير التام للمسلّمات العربية او الغربية والثقة التامة بقدرته على الحكم بكل ثمن. تدخله العميق في النشاط الارهابي – من الـ أي.آر.ايه في ايرلندا الشمالية، عبر تفجير طائرة بان إم، وحتى المساعدة السخية للارهاب الفلسطيني – يشذ في حماسته عما هو دارج حتى في العالم العربي. فترة العزلة الطويلة التي عاشها انتهت برعاية ادارة بوش في واشنطن وحكومة بلير في لندن، ودحرت عائلات قتلى لوكربي.

القذافي تحلل من برنامجه النووي الاولي ومن تلك اللحظة حظي بمديح من الغرب. عندما وصل الى روما سمح له برلسكوني – أحد مؤيديه الكبار – ان يقيم خيمة في وسط المدينة (الحاكم الليبي لم يشعر بالراحة في المناطق). في باريس أيضا غرس القذافي خيمته، بل وربط الى جانبها جمل. هذا التسامح، من لندن حتى روما كان بالطبع يرتبط باحتياطات النفط والغاز الهائلة في ليبيا. عبدالباسط المجرحي، الليبي الوحيد الذي ادين بالضلوع في تفجير طائرة بان إم، افرج عنه من سجنه في سكوتلندا. بعد وقت قصير من ذلك تلقى البريطانيون عقدا بالمليارات لتطوير حقول الغاز.

ولكن بدون الغرب ما كان الثوار لينجحوا. وللدقة: نيكولا ساركوزي وبراك اوباما هما اللذان قررا الحملة العسكرية الواسعة لاسناد المعارضة الليبية. القذافي كان في طريقه الى تصفية معاقل الثوار، ولكن عندها جاءت الهجمات الجوية للناتو. المصلحة الغربية واضحة تماما: مثلما في مصر، يتطلع الغرب الى ان يموضع نفسه كمؤيد للثورة وليس للطاغية. اعمال القذافي جعلته منبوذا في الرأي العام الغربي. في ضوء قرب ليبيا من اوروبا واحتياطاتها من الطاقة، فان تصفيته كانت مصلحة عليا. ليبيا كفيلة بان تدخل الى فترة طويلة من الصراع القبلي الوحشي، ولكن في بروكسل وواشنطن يأملون في نفوذ غربي على المدى القصير على الاقل. اسعار النفط هبطت منذ أمس.

في قصر الرئاسة في دمشق لا بد شاهدوا صور جثة القذافي. طغاة الشرق الاوسط يطاح بهم، يحاكمون او يصفون الواحد تلو الاخر. لبشار الاسد ايضا لا يوجد الى أين المفر. واذا ما انتصرت الثورة السورية، فسيمر يوم طويل على جثته أيضا.