خبر الصباح التالي.. يديعوت

الساعة 12:38 م|19 أكتوبر 2011

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: يرى الكاتب ان المجتمع الاسرائيلي تبنى قيما جديدة تختلف عن القيم التي كانت سائدة فيما سبق ومنها انه جعل الجنود الاسرائيليين فوق كل شيء وهم الذين يجب ان يدافعوا عن المواطنين – المصدر).

يستيقظ الاسرائيليون اليوم على الصباح التالي. ان الساعات التي قضوها أمس أمام التلفاز جعلتهم يتأثرون حتى البكاء. خفقت قلوبهم للاسرائيلي الشاب الذي انتقل أمام أعينهم من الظلام الى نور عظيم، ومن طريق نهايتها الاختفاء أو الموت الى خلاص كامل. شاهدوا معجزة، وولادة من جديد وتجربة شعورية تكاد تكون دينية. أجابت الصور على كل ما هو مهم في أعين الاسرائيليين: حب العائلة، وحب الجنود وحب الوطن. وأنا أُخمن أنهم استيقظوا في هذا الصباح في أكثرهم مع شعور طيب. لم يحبوا الجندي العائد الى حضن عائلته فقط بل أنفسهم ايضا. ان الحب شيء ايجابي وكذلك حب الذات. والسؤال الى أين نمضي به.

اختار اهود باراك في خطبته القصيرة في تل نوف ان يقول ان جلعاد شليط تبين أنه أكثر حكمة من الصحفيين الذين يستطلعون أحواله. ومن المؤسف انه لم يُتم جملته: فقد تبين ان جلعاد شليط أكثر حكمة ايضا من الساسة الذين جاءوا لاستقباله.

تصرف جلعاد بحكمة في صمته وتصرف بحكمة في كلامه. ان أجوبته في المقابلة القسرية التي أجراها مع التلفاز المصري قد صيغت بلا عيب فيها برغم الحرج وبرغم التعب وبرغم حضور آسريه في الغرفة، وبرغم الخوف الذي من المؤكد أنه كان كامنا فيه من ان تؤخر اجابات صادقة جدا مسار التحرير.

خسر وزنا في الأسر لكنه لم يخسر شيئا من تقديره للامور. وصفه أبناء عائلته واصدقاؤه بأنه خجول وانطوائي. وقد ثبت لنا أمس مبلغ كون حيائه رائعا ومبلغ كونه مؤثرا في القلب. وكأن الأسر قد جمد الزمان: فقد وقع في الأسر إذ كان في العشرين من عمره وبقي بجسمه وسلوكه فتى كابن العشرين.

يجب ان نأمل ان يكون نصيبه من العذاب قد انقضى. انه يستطيع ان يحصر اهتمامه الآن في التأهيل والعودة الى مسار حياة عادية بعيدا عن الأضواء. كان مئات آلاف الاسرائيليين يودون لمسه والتقاط الصور معه والتهنئة والمباركة بعودته. ويحلم مئات الصحفيين بمقابلة صحفية حصرية ثانية للتلفاز المصري فقط. ويحسن ان يضبطوا أعصابهم.

تستطيع عائلة شليط ان تغلق البسطة: ولا يستطيع جهاز الأمن. قيل الكثير في الايام الاخيرة عن ثمن الصفقة وعدد المخربين الذين يعودون الى الميدان ونوعهم، والاضرار باجهزة أمن السلطة الفلسطينية والتعاون مع اسرائيل، والدرس الذي تعلمه للشارع الفلسطيني، والزخم الكبير الذي تمنحه لحماس في الضفة والخطوط الحمراء التي اجتازتها باطلاق سراح قتلة كبار ومواطني اسرائيل. وبرغم كل هذه التكاليف، كانت الصفقة عادلة في الظروف التي نشأت.

بدل وعظ الجمهور مواعظ فارغة عن الاخلاق اليهودية الرائعة كان يجب على رئيس الحكومة ووزير الدفاع ان يقولا الحقيقة للشعب أمس وهي ان الردع الاسرائيلي أُصيب. ان مهمتنا التالية هي اعادة بنائه. واذا لم يكونا هما فليكن رئيس الاركان فالردع جزء من عمله.

إعوج شيء ما أساسي في طريقة رؤية الشارع الاسرائيلي لجنود الجيش الاسرائيلي. وقد بدأ هذا برسائل منظمة "اربع أمهات"، التي نشأت على أثر كارثة المروحيات وربما قبلها. وقد كان طلب المنظمة الخروج من لبنان عدلا وكان التعليل مرفوضا: فقد قالت في واقع الامر ان حياة الجنود أقدس من حياة المواطنين وان حياة الجنود تقف فوق كل شيء فهم أبناء، ولا يجوز تعريضهم لخطر. وهكذا أصبحت الخدمة القتالية في الجيش تمثيلية في تلفاز.

ليس الحديث عن قضية نظرية: فقد أفضى قلب القيم الى بعض الأخطاء التي وقعت في حرب لبنان الثانية وضاءل جدا انجازات عملية "الرصاص المصبوب". لم يكن الامتحان الأعلى في العمليتين هو شل العدو أو حماية الجبهة الداخلية بل مضاءلة عدد الخسائر في الجيش الاسرائيلي. والمهمة – وكان هذا هو التوقع الذي أثاره الشارع وبلغ الى الكرياه في تل ابيب – يمكن ان يتم تأخيرها، لكن الشيء الأساسي هو ان تعود قواتنا الى البيت بسلام. هكذا ينتصرون في السياسة لا في الحرب.

ان الحملة الدعائية من اجل جلعاد شليط زادت هذا المزاج العام عمقا ولم يكن هذا هو القصد لكن هكذا كانت النتيجة. ان امتحان المجتمع الاسرائيلي في الصباح التالي هو ان يتخلص من الاتجاه المدلل وان يعاود نظام قيم صحيحا.

كان نتنياهو يستطيع ان يجابه التحدي: فهذه هي القيم التي دعا اليها في الماضي والخطابة التي تبناها. وهو يستطيع لكنه لا يريد. خشيت عشية مجيء شليط ان يسيطر على الحادثة في تل نوف من اجل صورة تأتيه بأصوات انتخابية. واخطأت فلم تكن صورة واحدة بل صور كثيرة. فنتنياهو قرب الكبش، ونتنياهو يحتضن، ونتنياهو يقود شليط الى والديه، ونتنياهو يغطي بجسمه على اللقاء العائلي. ويبدو ان الجيش الاسرائيلي اخطأ حينما منح جلعاد شليط رتبة مساعد. كان يجب عليه ان يمنحها لنتنياهو.