خبر جلعاد شليط بطل برغم أنفه... هآرتس

الساعة 12:36 م|19 أكتوبر 2011

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: أنهت عودة شليط اسبوعا من الاضطراب الوطني الصعب لكن يبدو ان الصفقة في الأمد البعيد ستفضي الى زيادة الخطر الشخصي على الاسرائيليين - المصدر).

انتهت قضية جلعاد شليط أمس في يوم طويل، مشحون بالتوتر، والاهتزاز العاطفي، عاد الجندي المخطوف في نهايته الى بيت عائلته في متسبيه هيلا في الجليل. وبقرار سابق، طُبق بحرص، أُبعدت وسائل الاعلام قدر المستطاع عن شليط. ان ما رآه المواطنون في بيوتهم كان سلسلة صور فيديو قصيرة جدا، ومغربلة جيدا عن طريق اجهزة الحماية التي لفه الجيش الاسرائيلي بها خوفا على خصوصيته وخصوصية عائلته.

هذه هي الصور التي سيتم تذكرها من الثامن عشر من تشرين الاول 2011: الصورة الاولى من معبر رفح، حينما كان كثيرون من مشاهدي التلفاز في اسرائيل يتنهدون قلقين أمام هزال جلعاد الملاحظ كثيرا؛ و"المقابلة الصحفية" – التي تتردد بين التحقيق والتنكيل – التي أجراها التلفاز المصري؛ والتحية العسكرية (بالبزة العسكرية) لرئيس الحكومة ورئيس هيئة الاركان وبعدها الاحتضان القصير مع والده؛ ومنظر جلعاد كما التقطته عدسات "زوم" المصورين في السيارة التجارية التي نقلته الى بيته، واضعا يده على قلبه؛ وفي النهاية – صورة الجندي المبتسم، ينزل على درج الدخول الى بيته.

اجتاز شليط الحدود من غزة الى مصر، عن طريق رفح، بين التاسعة والنصف صباحا والحادية عشرة صباحا – في العاشرة و22 دقيقة رآه الاسرائيليون أول مرة، يقوده رجال أمن مصريون في حين كان احمد الجعبري رئيس الذراع العسكرية لحماس في القطاع يصحبه من الخلف. ومن هناك نقله المصريون الى اسرائيل عن طريق معبر كيرم شلوم. وأُخذ الى قاعدة عسكرية "حقيقية" قريبة، ليستحم ويبدل القميص الغزي الذي لبسه ويلبس بدله بزة جديدة للجيش الاسرائيلي عليها رتبة المساعد التي اكتسبها زمن أسره، وليتكلم مكالمة قصيرة بالهاتف مع والديه. وأقلع بعد وقت قصير من ذلك الى قاعدة سلاح الجو في تل نوف، للقاء مع رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان، ومع عائلته في الأساس.

ان الجندي العائد الذي شعر بعدم الارتياح زمن الرحلة الجوية، كان على قدر كاف من التيقظ للنزول على قدميه من المروحية وليتلقى احتضانا من بنيامين نتنياهو واهود باراك وبني غانتس، وليشد نفسه لأداء التحية العسكرية لرئيس هيئة الاركان وليسمع من غانتس قوله: "جلعاد، كل الاحترام لك، كُن قويا وسيكون الامر على ما يرام". آنذاك صورته عدسات تصوير متحدث الجيش الاسرائيلي ومكتب الصحافة الحكومي يحظى باحتضان والده نوعام شليط ايضا الذي حثه قائلا "تعال الى أمك". ولم يُسمح لعدسات التصوير الرسمية بأن تُخلد اللقاء مع أمه أفيفا.

خرج المسؤولون الكبار الذين تركوا العائلة وشأنها، الى الصحفيين الذين ينتظرون في مكان اعلامي منظم خارج باب القاعدة. وقد كان هذا تنظيما، كما يجوز لنا ان نفترض، فرضه ديوان رئيس الحكومة ووزير الدفاع على الجيش. كان غانتس يفضل التخلي عن المراسم تماما لكنه جُر اليها بتوجيه من أعلى وأدى نصيبه كما طُلب منه.

كسب نتنياهو مكسبه باستحقاق. فقرار اطلاق سراح 1027 أسيرا منهم 280 قاتلا، مقابل شليط هو قرار شجاع، يعلم رئيس الحكومة انه يتوقع ان يدفع عنه ثمنا في المستقبل ايضا. وكانت المراسم الاعلامية التي لا داعي لها شيئا ما التي تمت بعد ذلك متوقعة وغير ممتنعة تقريبا وكانت في الحقيقة قصيرة ومنضبطة نسبيا ايضا. نشك في أنه كان ينجح رئيس حكومة آخر، في فترة كثيرة القنوات في ان يضبط نفسه لو كان مكانه.

قال نتنياهو ما كان يجب ان يقوله ("التكافل ليس شعارا فقط"، و"أصررنا على مطالبنا"، و"لم اشأ ان يكون مصير جلعاد كمصير رون أراد")، وأضاف شيئا من الانفعالية ("شعب اسرائيل حي!")، لكن صعب عليه ان يتخلى عن الترويج لنفسه ("قبل سنتين ونصف، حينما انتخبت لمنصبي..." وبالطبع "الزعامة" ومرة "الزعامة").

وباراك كعادته اتخذ موقفا تحليليا ساخرا شيئا ما ("جلعاد يبدو على ما يرام تماما ويظهر تحكما بالنفس يمكن ان يصبح قدوة حتى لعدد من مستطلعي عودته"). وبقي غانتس موضوعيا، يحرص على ان يوحي بأن ليس الحديث عن مهرجان بالنسبة اليه، قال رئيس هيئة الاركان انه أُغلقت الدائرة لكنه أوضح قائلا: "لم تنته تحديات الأمن". ومع نهاية الكلام حظي مبعوث التفاوض دافيد ميدان بتربيت على الكتف من نتنياهو واحتضان شجاع من باراك.

تأخرت عودة جلعاد الى البيت شيئا ما، لأن الاطباء فكروا في إدخاله الى المستشفى لفحوصات اخرى، لكن بعد الظهر أقلعت مروحية اخرى كي تأخذ الجندي وعائلته هذه المرة الى متسبيه هيلا. وفي الساعة الخامسة و6 دقائق مساء بالضبط دخل جلعاد بيته ملوحا تلويحا قصيرا بيده للجمهور الكبير المتأثر الذي اجتمع حوله. بعد ذلك بساعة أو أكثر قليلا خرج الأب نوعام الى الصحفيين. "نشعر بأننا نُجرب ولادة إبن من جديد"، قال وشكر لرئيس الحكومة وللجيش الاسرائيلي ولاعضاء مقر العمل من اجل جلعاد.

حدّث جلعاد شليط أبناء عائلته بأنه سُمح له في السنتين وثمانية الاشهر الاخيرة من الأسر بالاستماع للمذياع بل شاهد احيانا بث التلفاز بالعربية. من المؤكد ان هذه الحقيقة فاجأت أمس اسرائيليين كثيرين. قال نوعام شليط ان ابنه "يجر معه جروحا طفيفة، بسبب عدم علاج ملائم في الأسر". والحديث في الأساس عن جرح أصابه وقت الاختطاف في يده اليسرى التي لوحظ أمس أنه كان يصعب عليه تحريكها. ويعاني جلعاد ايضا تأثيرات عدم التعرض لنور الشمس وتغذية فاسدة كما يبدو. وأضاف نوعام ان ابنه قال ان المعاملة والظروف في الأسر كانت صعبة في البداية لكنها تحسنت في السنين الاخيرة.

في الأفلام التي بُثت أمس خلال النهار بدا شليط ضعيفا يصعب عليه المشي (في المقابلة الصحفية المصرية صعب عليه احيانا ان يتنفس كما ينبغي)، وبدا هزيلا الى درجة مرعبة في الأساس. سيستمر في الايام القريبة بيقين الجدل في الظروف التي احتُجز فيها في سنوات الأسر. وقد أعلنت حماس أنها تنوي ان تنشر فيلما يبرهن على ان المنظمة عاملت أسيرها بحسب أحكام الاسلام.

لنقل بحذر ما يلي: على مر السنين قابلت في سجون اسرائيلية أكثر من عشرة مخربين فلسطينيين من حماس وفتح تمت إدانتهم بعمليات قاتلة. وقد بدوا جميعا بلا شذوذ أصح جسما، وأكثر ثقة بأنفسهم مما بدا المختطف الاسرائيلي أمس، وقد بدا شليط ايضا أكثر هزالا وضعفا مما بدا في فيلم الفيديو الذي بثته حماس من السجن قبل نحو من سنتين. ويثار سؤال كم من الوقت بعد كان يثبت في الأسر في هذه الظروف.

في التقارير الأولية عرّف الجيش الاسرائيلي وضع شليط بأنه "جيد". بعد ذلك وبتوجيه من الاطباء، صُحح التعريف ليصبح "مُرضيا". لكن في تلك المقابلة الصحفية المغضبة مع التلفاز المصري كانت تكمن ايضا بشرى ايجابية وهي ان شليط بدا صافي الذهن مشحوذ العقل وأجاب بنجاح على اسئلة مركبة متلاعبة.

حينما سألته مُجرية اللقاء، في غير قليل من اظهار البراءة، هل سيعمل الآن من اجل الأسرى الفلسطينيين الذين بقوا في السجن أجاب: "اجل، اذا كفوا عن محاربتنا" (لم يُجهد المصريون أنفسهم لترجمة هذا الجزء من جوابه). أما خبراء الجيش الاسرائيلي ووالداه على التحقيق فمنحهم ظهوره أنباء طيبة حتى قبل أن يلقوه من قريب. وحينما التقى شليط المبعوث ميدان ايضا في معبر كيرم شلوم، أظهر العلم والتركيز. "أنت الذي حللت محل حغاي هداس"، قال لميدان. وقال للضباط بعد ذلك: "علمت أن وضعي سيفاجئكم مفاجأة حسنة لأنني سمعت في الأخبار وكنت ما أزال في الأسر أنكم قلقون لسلامتي".

ان عودة شليط أغلقت اسبوعا وهناك من سيقولون خمس سنين وكسور السنة، من الاضطراب الوطني الصعب الشاذ حتى بالنسبة للهوس الذي يميز الحياة هنا على نحو عام. وأمس نحّت نشوة عودة المختطف حيا المخاوف جانبا للحظة. لكنه يبدو في أمد أبعد ان الصفقة ستفضي الى زيادة ما في الخطر على الأمن الشخصي للاسرائيليين. فمن المؤكد ان فريقا من المحررين سيعاودون الارهاب ويستغلون المعلومات المطورة التي جمعوها في السجون في اسرائيل.

في المقابل حتى لو كان يصعب علينا ان نظل في سكون أمام الابتسامات التي استقبلت بها أحلام تميمي في القاهرة، وهي المخربة التي قادت منتحرا الى قتل 15 مواطنا في مطعم "سبارو" في القدس، فان اطلاق الأسرى ما يزال بعيدا عن ان يكون مشكلة في المستوى الوطني. فاسرائيل تجابه أصلا جملة من الأخطار الامنية حولها. وتشخيص رئيس "الشباك" يورام كوهين المهني وفحواه ان الحديث عن تهديد يمكن "احتواؤه" يستحق الثقة به في هذه الاثناء.

يتعلق سؤال آخر بتحسن مكانة حماس في الساحة الفلسطينية وعودتها لتصبح جهة سياسية معلنة ونشيطة في الضفة الغربية بعد اربع سنوات قمع عنيف على يد السلطة. وفي الأمد البعيد، اذا لم تنجح اسرائيل في انشاء وضع راهن مستقر في مواجهة حماس في القطاع فسيكون الامر مقلقا ايضا.

قد تكون الصفقة تصور استمرار حماس في تثبيت نفسها. وقد برز ذلك بالظهور المدني أمس لأحمد الجعبري، رئيس اركان المنظمة الذي من المؤكد انه يتم تصويره الآن باعتباره الرجل الأقوى في القطاع حتى على حساب القيادة الخارجية في دمشق. وفي جهد لكف جماح حماس، اكتسبت اسرائيل شريكا آخر هو الاستخبارات المصرية حتى في النسخة بعد مبارك. وهذه قناة اتصال سيتم الحفاظ عليها لا لاتصالات السلام لكن لقضايا انسانية ولابعاد الحرب، بيقين. ان تعزيز مكانة الاستخبارات في مصر نفسها باعتبارها هي التي أدت الى اطلاق سراح ألف من الأخوة الفلسطينيين هو هدف اسرائيلي ايضا.

كان هذا يوما مرهقا انتهى الى تعبير عن فرح أصيل ومؤثر رُفعت فيه أعلام اسرائيل مع شعور حقيقي بالفخر والتكافل. وأصبح يوجد هنا نهاية جيدة على الأقل للقصة التي غشيها ظل مهدد وقتا ما. قبل اسبوعين فقط قبل ان تأتي أجزاء المعلومات الأولية عما بدا تقدما في القاهرة كان يصعب أن نتخيل جلعاد يعود في يوم ما بسلام الى والديه.

ان جلعاد شليط، وهو بطل قومي برغم أنفه، دخل الآن مسارا طويلا شديد الطلبات من التأهيل. يجب ان نأمل ان تفي وسائل الاعلام بوعدها وأن تتركه يخطو في هذا المسار مع أبناء عائلته من غير مصاحبة تفتيشية ملاصقة. أمس في واحدة من قاعات البث التي لا تحصى للقنوات، استضيف نسيم شاليم (سالم) لحظات بصفة محلل، وقد أُطلق في صفقة جبريل في 1985، وبدا شاليم عند عودته مثل جزء من إناء محطم الى جانب رفيقيه اللذين هما أصح منه جسما، يوسي غروف وحازي شاي. وأمس، حتى عندما تحدث عن جروح الأسر، رأينا شخصا حسن الكلام عارفا مشاركا. يبدو ان لجلعاد شليط ولعائلته سببا جيدا للتفاؤل وهذا مؤكد أمام القوة النفسية المدهشة التي أظهرها الجندي في اللحظات المعدودة التي تعرض فيها لعيون الجمهور أمس.