خبر الصباح الأول.. هآرتس

الساعة 12:36 م|19 أكتوبر 2011

بقلم: آري شبيط

(المضمون: يجب ان تعاود اسرائيل قيمها وروحها التي كانت لها قبل قضية شليط فليس من المعقول ان تطلق اسرائيل من السجن عددا كبيرا من الأسرى مقابل أسير اسرائيلي واحد - المصدر).

هذا الصباح بالنسبة لجلعاد شليط هو الصباح الأول، الصباح الاول للحرية، والصباح الاول للسلامة العقلية، والصباح الاول للحب والدفء. والصباح الاول لما بعد الأسر، والصباح الاول لما بعد العزلة، والصباح الاول لما بعد الكابوس. بعد 1940 يوما و1940 ليلة في بئر مظلمة، يستيقظ جلعاد هذا الصباح على نور عظيم. الأم والأب والأخ والأخت. ومتسبيه هيلا والجليل الأعلى واسرائيل، سماء زرقاء كبيرة من الحرية ممتدة فوق رأسه آخر الامر.

لكن هذا الصباح بالنسبة لدولة اسرائيل ايضا هو صباح مهم. فهو الصباح الاول بعد الجنون. والصباح الاول بعد النذالة والصباح الاول بعد فقدان الاتزان العقلي. بعد 1940 يوما و1940 ليلة سيطر علينا فيها الهوس، نستيقظ هذا الصباح لنرى الواقع ونفتح أعيننا وندلكها بأيدينا ونرى من نحن وماذا حدث لنا.

هذا الصباح، حينما يستيقظ جلعاد في سريره، يمكن ان نقول الحقيقة وهي أننا جُننا. جُننا ببساطة في الـ 64 شهرا الاخيرة. فبسبب مشاعر الذنب العميقة الصادقة التي شعرنا بها جميعا نحو فتى واحد وعائلة واحدة كففنا عن العمل بصورة متزنة. وبسبب تشويه الوعي الذي أصابنا في عصر القناة الثانية، أدخلنا أنفسنا في هوس عاطفي. وبلغنا وضعا أصبحنا فيه مستعدين للتضحية بمئات لا نعرف وجوههم وأسماءهم، مقابل الواحد الذي أصبح وجهه واسمه جزءا من حياتنا. بلغنا الى وضع أصبحنا ندبر فيه امورنا الوطنية كأولاد – بلا حكمة وبلا اخلاق وبلا مسؤولية ناضجة.

يحسن ان نتذكر ان يوني نتنياهو كانت له عائلة ايضا. أم وأب وأخوان. وكان ليوني نتنياهو ايضا بيت وكان حب وكانت حياة كاملة. لكن دولة اسرائيل قررت ان تُعرض حياته للخطر لانقاذ حياة مواطنيها وكي لا تستسلم للارهاب. ان دولة اسرائيل ضحت به من اجل الخير العام للشعب اليهودي.

لم يكن يوني بهذا شاذا ولا منقطع النظير. ففي الـ 75 سنة الاخيرة أرسلنا آلافا الى الموت وأرسلنا مئات الى الأسر للدفاع عن الحياة. لم نركز عدسات التصوير على كل أب ثاكل وكل أم ثكلى. ولم تذرف دموعنا أمام كل فتى حزم حقيبته وخرج للحرب. ولم ننهر نفسيا أمام حياة شابة اقتطفت. فهمنا وتذكرنا الامر القاسي الذي يصاحب حياتنا هنا. وهكذا انتصرنا في 1948 وفي 1956 وفي 1967. وهكذا بقينا في 1973 وبعد 1973. كانت ملحمة يوني نصيبنا قبل يوني وبعد يوني. وقد بنى السور الحديدي الامني الذي نستطيع بفضله فقط ان نعيش هنا حياة شبه طبيعية.

ان الخطر الكبير الكامن فيما حدث هنا في السنين الاخيرة هو ان تُستبدل ملحمة جلعاد بملحمة يوني. ليست عائلة شليط مذنبة في هذا. ومن المؤكد ان الفتى جلعاد غير مذنب في هذا. لكنه حدث حول العائلة النبيلة وابنها رقص أشباح لم يسبق له مثيل. وحل الانهيار العاطفي محل الاتزان المنضبط. وحل النقاش التفصيلي محل النقاش العام. وضاعت معايير وضاعت قوانين وحُطمت أدوات. وبهذا أصبح التسويغ الموضوعي في نهاية المطاف لصفقة شليط تسويغا مقلوبا. وكان يجب انهاء الجنون. وكان يجب اخراج الأمة من الهوس. وكان يجب حسم برنامج القناة الثانية الذي لا ينتهي. لكن الآن، في الصباح التالي يجب ان نُبين انه لن يوجد بعد الآن برنامج غث كهذا عندنا. ولن توجد صفقة شليط اخرى ولن يوجد جنون شليط آخر، منذ الآن فصاعدا ستتصرف اسرائيل مثل استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. ومنذ الآن فصاعدا ستصبح اسرائيل مرة اخرى ما كانته ذات مرة.

ان قرار شليط هو القرار القيادي الأشد حدة الذي اتخذه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حتى اليوم. والآن يواجه قرارا أصعب: يجب على نتنياهو ان يُجيز في الحكومة والكنيست والجمهور توصيات لجنة شمغار. ويجب على نتنياهو أن يوقف التكافل بيننا على أساس عقلاني واخلاقي وعام وشامل. ويجب على نتنياهو ان يعيدنا من ملحمة جلعاد الى ملحمة يوني. يجب علينا كي نستطيع الثبات للخسائر الباهظة في الحروب القادمة، أن نعود الى سلامة العقل. الآن واليوم، وهذا الصباح هو الصباح الأول.