خبر الصفقة الرائعة وسؤال الوحدة الصعب..!.. أكرم عطا الله

الساعة 12:13 م|16 أكتوبر 2011

الصفقة الرائعة وسؤال الوحدة الصعب..!.. أكرم عطا الله

بصرف النظر عن الملاحظات الثلاث التي تطرح على صفقة تبادل الأسرى، فإنها تسجل لحظة من لحظات التاريخ الفلسطيني الذي يشهد معركة انتصار للإرادة الفلسطينية والتي جعلت دولة إسرائيل تجثو على ركبتيها بهزيمة مثلتها حالة الاستسلام، حين اتخذ القرار في الحكومة الإسرائيلية وكان لسانها رجل الشاباك يورام كوهين يختصر بانكسار قائلاً "ليس لدينا خيار آخر" .

هي الصفقة الأولى التي تتم في الداخل الفلسطيني، فقد اعتبرت إسرائيل سابقاً أن هذا أحد الخطوط الحمراء وأحد ركائز الأمن القومي ولن تسمح بمفاوضات على أسر جندي في الداخل؛ لأن ذلك سيشجع المنظمات على تكرار العملية، انكسر أحد خطوطها وفتحت شهية الفصائل لأسر جنود إسرائيليين وهي المهمة التي يعد لها بالتأكيد أحد ما أو عدة منظمات باعتبار ذلك هو الوسيلة الوحيدة لإطلاق سراح الأسرى، تخشى إسرائيل أن ينشأ انطباع لدى الفلسطينيين كما قال بعض كتابها من أنها دولة لا تستجيب إلا للقوة.. أليست كذلك ؟ فهي لم تثبت عكس ذلك، يبدو أن الإرادة الفلسطينية تلقت دفعة دعم هائلة بإتمام الصفقة التي يبدو أن نجاحها أسس لنظرية جديدة في صراع الإرادة الطويل، كان أستاذها القائد العام للجان المقاومة الشعبية جمال أبو سمهدانة الذي اغتالته إسرائيل قبل أسبوعين من العملية بعد أن أشرف على حفر ذلك النفق ووضع اللمسات الأخيرة على عمليته، كانت لديها معلومات بأنه يعد لشيء كبير فاغتالته دون أن تعرف أن هذا الشيء سيركع الرجل الذي ساقته أقدار التطرف ليرئس حكومة إسرائيل وهو الذي اعتبر نفسه منظر مكافحة "الإرهاب"، ووقف ضد كل صفقات التبادل وأفرد فصلاً في كتابه "مكان بين الأمم" ضد صفقة أحمد جبريل عام 85 وها هو نفسه يتخذ قرار الهزيمة مرغماً.

في ذروة اللحظة على الشعب أن يتذكّر بإجلال شهداء عملية أسر الجندي وهم محمد فراونة من جيش الإسلام، وحامد الرنتيسي أحد عناصر لجان المقاومة والذين لم تشمل صفقة التبادل عودة جثامينهم التي أخذت على عاتقها أن تدفع ثمن تحرير الأسرى بكبرياء يساوي عظمة اللحظة. وكان من الممكن التفاوض على تلك الجثامين التي تشكل رمزاً للإرادة الوطنية ولفعل الكف الذي "لاطش" المخرز.

كيف تمت الصفقة بعد خمس سنوات وأكثر وبعد أن أحجمت حكومة أولمرت عن المفاوضات لمدة عامين رفضت خلالها الحديث عن أية مقايضة وحين أدرك أولمرت بعد عامين أن لا مجال لاستعادة جنديه الأسير وبعد أن بدأ أسره يحدث تآكلاً في معنويات الجنود الذين يشهدون عجز دولتهم عن استعادته، كلف ممثله الأول عوفر ديكل التفاوضَ مع مصر واضعاً خطوطه الحمراء والتي انكسرت أيضاً وهي لا إفراج عن مواطني إسرائيل تضمنت الصفقة ستة منهم، ولا من سكان القدس سيتحرر في الصفقة أسرى من القدس ولا أي من الرموز هذا ربما الشرط الوحيد وهو كبير أيضاً أضعف الصفقة حين تمترست إسرائيل خلف أسماء مروان البرغوثي وسعدات وعبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد.

الترويكا الأمنية القديمة وقفت بشدة ضد صفقة التبادل ممثلة برئيس المخابرات يوفال ديسكين ومنير داجان رئيس الموساد رئيس الأركان القوي السابق غابي أشكنازي، وكان للترويكا الجديدة الدور الأكبر في إتمام الصفقة، فقد وقف يورام كوهين رئيس الشاباك بقوة إلى جانب نتنياهو وقد كان لمداخلاتهما المطولة هو ورئيس الأركان بني غانتس الدور الأكبر في تمكين رئيس الوزراء الإسرائيلي من الحصول على أغلبية ربما لم تتوافر سابقاً بهذا الإجماع في اجتماع الحكومة الذي انعقد لإقرار الصفقة.

بعد صفقة التبادل الأخيرة مع حزب الله واكتشاف إسرائيل كيف تلاعب بها الحزب وابتلعت صفعة حين سلمها جثث الجنديين الداد ريغف وغولد فاسر شكل وزير الدفاع باراك لجنة برئاسة القاضي المتقاعد مئير شمغار سميت على اسمه لوضع معايير للتبادل القادم ووضعت لجنة شمغار توصياتها "جثث مقابل جثث، وجنود مقابل أسرى على أصابع اليدين، انكسر هذا أيضاً فهي لا تستطيع الصمود في صراع الإرادات ويتحدثون عن وضع معايير جديدة ستنكسر أيضاً مع التبادل القادم والذي يحاول رئيس الأركان غانتس طمأنة حكومته بأنه لن يكون هناك أسر جندي جديد ليرد عليه أحد كتاب الأعمدة في إسرائيل متندراً بالقول يحتاج رئيس الأركان إلى قوة بلاغة وفصاحة هائلة للحفاظ على كرسيه مع "الاختطاف القادم" والذي أصبح جزءاً من منظومة الفكر السياسي للأحزاب الفلسطينية بعد نجاح هذه الصفقة.

هذا أسبوع الاحتفاء بالعملية وأبطالها من الشهداء وأولهم أبو سمهدانة وأسبوع الاحتفاء بحركة حماس التي تمكنت في هذه الظروف المعقدة والصعبة من التفاوض وإتمام الصفقة رغم نواقصها الثلاثة الممثلة بعدم عودة جثامين شهداء العملية، والتنازل عن الرموز الكبيرة، والإبعاد، إلا أن الصفقة حققت قدراً كبيراً مما يمكن أن تحققه وإن كان بالإمكان أكثر.

وللإجابة عن سؤال كيف تمت الصفقة، يجيب رجل الموساد والمكلف من قبل نتنياهو متابعة ملف شاليت دافيد ميدان قائلاً "رويداً .. رويداً بدا أن حماس مستعدة للمرونة وأرسلت إشارة بذلك، فقرر تنفيذ قفزة كبيرة للأمام وطلب من رجل الاتصال أن يأتي إليه بوثيقة مكتوبة من حماس تعرض فيها صيغة منطقية للصفقة .. وهكذا بدأ جبل الجليد بالذوبان حين وصلت الوثيقة "محطمة التوازن" كما قال في نهاية تموز "هكذا اقتربت الأطراف وتمت الصفقة التي سجلت الانتصار الفلسطيني الرائع والتي تحسب لحماس دورها الكبير في إطلاق سراح من علقوا لعقود داخل السجن وبعد أن يئس الجميع من إطلاق سراحهم.

التفاصيل التي أدلى بها ديفيد ميدان ربما تفتح شهية كل المراقبين لانتظار مفاجأة مهمة إذا ما أبدت حركة حماس مرونة مشابهة تجاه شقيقتها فتح لعقد صفقة مصالحة ليست أقل أهمية عن صفقة الأسرى الرائعة، حتى تكتمل الفرحة التي تنتشر الآن في الشوارع والمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وهي تزين نفسها لاستقبال أبطالها، حركة حماس أكثر ثقة بنفسها بعد تحرير الأسرى هكذا عبرت كلمة رئيس مكتبها السياسي الثلاثاء الماضي وقام بعدها بالاتصال بالرئيس عباس لوضعه بالتفاصيل ولأن الحركة في حالة نشوة وطنية لن يقللها تنازل صغير من أجل صفقة الوحدة التي باتت ضرورة ملحة، وأغلب الظن أن حركة حماس لن تنتظر السؤال الصعب "كيف تمكنت من التوصل لصفقته من خلال حل وسط مع إسرائيل في حين تعجز عن التوصل لحل أوسط مع الأشقاء؟

الظروف أكثر مهيأة ويبدو أن نجاح حماس في تحرير الأسرى سيمهد لوحدة الوطن، لقد بدأ جبل الجليد بين الأشقاء بالذوبان أيضاً وهناك خط في المنتصف ينتظر خطوة من حماس وخطوة من فتح!.