خبر دولة في هوس شليط -هآرتس

الساعة 10:50 ص|16 أكتوبر 2011

دولة في هوس شليط -هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: يُبدي المجتمع الاسرائيلي الاهتمام بجندي واحد هو جلعاد شليط لاظهار مبلغ انسانيته وتحضره وقيمه السامية لكنه في الوقت نفسه لا يهتم بمصير شعبين نازفين هما الشعب الاسرائيلي والشعب الفلسطيني - المصدر).

        انشغلوا في نهاية الاسبوع ايضا بماء حلاقة ذقن جلعاد شليط. وأبلغت محللة قيادة في جدية غريبة الأمة المهتاجة، أن خبراء علم النفس في الجيش الاسرائيلي أوصوا أبناء عائلة شليط بأن يُعدوا له محفظة فيها ماء الحلاقة الذي كان معتادا عليه لتخفيف العودة عليه. وفي مدخل مشرب في تل ابيب خفق في ذلك الوقت الاعلان الالكتروني "تلقف أبسلوت وفنلانديا بثمن حملة تسويقية... أهلا وسهلا في بيتك يا جلعاد شليط".

        سيعود شليط بعد غد الى بيته كما هو مأمول ومرجو؛ لن يعود الى الدولة، سيعود الى تمثيلية تتحدث فيها العاطفة فقط الى الأبد. يجب ان نأمل ان يعود سليم النفس لكن من المؤكد انه لن يعود الى مجتمع صحيح بل سيعود الى مجتمع مختل نفسيا. بدأ هذا الاختلال النفسي الوطني حول مصيره منذ يوم أسره وهو الآن يبلغ ذروته. أعد الجيش الاسرائيلي من قبل ذلك عددا من طرز البزات العسكرية كما أُبلغ، لحال اذا كان هذا الولد الوطني هزيلا جدا – فالأساس أن يُعرض كما ينبغي في بزته العسكرية كما يستحق بطل حرب.

        أصبحت صحيفة الدولة (سابقا) تُعد حملة للدفع قُدما بمبيعات تحت غطاء "أتريدون الكتابة لجلعاد؟"؛ وسترتجف بريح الخريف لآخر مرة آلاف الأشرطة الصفراء التي رُفعت تحت كل شجرة غضة وكل مرآة سيارة. ستربت اسرائيل مرة اخرى على كتفها في تمسك وورع: التكافل، والأخوة والتضامن – لا يوجد مثلنا؛ كتب عميد (احتياط) في نهاية الاسبوع: "هذا بالضبط هو الفرق بيننا وبينهم" (ما هو الفرق بالضبط، ليس واضحا)؛ وقال جنرال (احتياط): "لحماس قلب من حجر" (وكأن من يتمسكون بعشرة آلاف أسير فلسطيني بعضهم سياسي وبعضهم بلا محاكمة وبعضهم لم يحظوا بزيارات عائلاتهم منذ سنين – هو ذو قلب من الذهب).

        لم يبق في اسرائيل في السنين الخمس الاخيرة شخص واحد غير مكترث بمصير شليط – هكذا يجب أن يكون وبهذا ينبغي أن نفخر. ان هذا التأنيس لجندي واحد ذي وجه (شاحب)، ووالدين (نبيلين) وجد (خائف)، بل تحويله الى "ولد"، اشارة الى مجتمع انساني. بل يمكن ان نقبل على نحو ما ايضا هوس المجتمع في اسرائيل الذي يتحول عن وضع متطرف الى وضع آخر بطرفة عين. ان الجنديين اللذين قُتلا مع شليط هما جنديان مجهولان، وأصبح شليط بطلا أيقونيا؛ وتحول اسحق رابين بين عشية وضحاها من رئيس حكومة مندد به الى قدّيس؛ ونُسي من القلوب جنود غائبون ولم يصبح أسرى الماضي الآخرون قط رموزا وطنية وصار شليط وحده الى ما صار اليه، خمس سنين دون نشرة أخبار واحدة تقريبا لم تذكر وجوده ودون مقابلة صحفية واحدة لم تذكر أسره. كان ثم كما يبدو شيء في شليط ووالديه استهوى القلب الوطني. ولا سوء في هذا ايضا.

        تبدأ المشكلة مع التيجان الداحضة التي نتوج بها أنفسنا ومع النفاق والخواء والعمى التي تميزنا. أصبحت حملة اطلاق سراح شليط التي لم تغب عنها الاشارات المنفرة مثل الاعمال لمنع زيارات الأسرى الفلسطينيين، أصبحت حملة الدولة، وصمام بخار نظهر بواسطته المشاركة المدنية المهتمة – الجوفاء الفارغة كما فعل "شباب الشموع" الذين ولولوا عبثا لمقتل رابين وصوتوا لنتنياهو.

        من ذا لا يعارض الارهاب ومن ذا لم يكن يؤيد الافراج عن شليط. لكن ذلك المجتمع المولول لم يسأل نفسه لحظة، بصدق وشجاعة لماذا أُسر شليط. ولم يقل لنفسه لحظة بشجاعة وصدق، انه اذا استمر على نهجه فسيوجد الكثير من أشباه جلعاد شليط موتى أو أسرى. وقد صوت في الانتخابات مرة بعد اخرى لحكومات مركز ويمين من تلك التي تعد بأن شليط لن يكون الأخير. وقد لف نفسه بأشرطة صفراء وأيد جميع الأعلام السوداء، ولم يقل أحد له ايضا بشجاعة وصدق: شليط هو الثمن المحتوم لدولة تختار العيش على سيفها الى الأبد. ولم يسأل أحد ايضا: لماذا يجوز اجراء تفاوض مع حماس في مصير جندي واحد ولا يجوز فعل ذلك في مصير شعبين نازفين.

        بدل ذلك يلف المجتمع الاسرائيلي نفسه الآن برداء تزكية من مدائح الذات قائلا: كم نهتم بمصير جندي واحد، فماذا عن مصير جنود كثيرين وجيش كامل وشعب كامل؟.