خبر صفقة التبادل ومناكفاتها .. أمجد عرار

الساعة 07:45 ص|16 أكتوبر 2011

صفقة التبادل ومناكفاتها  .. أمجد عرار

من الطبيعي أن تنتقد السلطة الفلسطينية كل ما تقوم به "غريمتها" حركة "حماس"، والعكس صحيح تماماً، لا بل من غير الطبيعي أن يمر موقف أو سلوك لأي منهما من دون اعتراض أو انتقاد أو تنديد من الآخر. هذا يحصل أيضاً في شأن صفقة مبادلة الجندي "الإسرائيلي" غلعاد شاليت بأكثر من ألف أسير فلسطيني، في وقت يخوض هؤلاء إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ أكثر من أسبوعين. 

 

على نحو عام، لا يمكن أن تمر صفقة تبادل أسرى بلا انتقادات وخيبات أمل، بعضها مبرر أو مفهوم، والبعض الآخر لا لون له ولا طعم ولا رائحة، ويصدر على سبيل المناكفة التي لا علاقة لها بمعاناة الأسرى ومعنى كل دقيقة يقضونها في السجن. ليس أمراً مستبعداً أن تشوب أي صفقة أو عملية تفاوضية أخطاء أو عيوب، وهنا يكون النقد البناء ضرورياً وواجباً وطنياً، لكن ليس النقد الهدام وتصيّد الأخطاء.

 

بعض المنتقدين لا يأخذون بالاعتبار، أو يتعمّدون تجاهل، أن الصفقة نتاج لصراع تفاوضي بين طرفين كل له أوراقه ومصدر قوته، وبالتالي فالمسألة ليست ناتجة عن إرادة مطلقة لأي من الطرفين، بل محصلة كسر الأذرع التفاوضية. فلو استطاعت "إسرائيل" أن تستعيد "شاليتها" من دون أي مقابل لما فرّطت بهوايتها المفضّلة في الإبقاء على معاناة الأسرى حتى موتهم، ولو تمكنت "حماس" من إقفال أبواب سجون الاحتلال خلف آخر أسير فلسطيني، لما توانت عن ذلك، ولو من باب حرمان خصومها من انتقادها أو المزايدة عليها.

 

على الجميع ألا ينسى أن قضية الأسرى أسمى وأكثر إنسانية من أن تتحوّل إلى مادة للمزايدة والمناكفات، سيما وأن سوابق حصلت وكانت تحمل مآسي تفاوضية، بل إن توقيع اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة وعودة القيادة إلى الداخل مع بقاء آلاف الأسرى في السجون، كانت سابقة السوابق القاسية. وحتى في صفقات التبادل، نتذكّر كيف أن قيادة منظمة التحرير خضعت سنة 1983 للتعنّت "الإسرائيلي" وخفّضت عدد الأسرى الذين طالبت بهم مقابل ثمانية جنود "إسرائيليين" أسرتهم خلال العدوان "الإسرائيلي" على لبنان في 1982، من 1200 أسير إلى 150 أسيراً، ما أدى إلى خلاف فلسطيني داخلي دفع أحد الفصائل لإخراج جنديين من الأسرى "الإسرائيليين" من الصفقة باعتبار أن عملية أسرهما تمت على أيدي مقاتليه. وعندما تمت الصفقة "خصم" الجانب "الإسرائيلي" خمسة وثلاثين أسيراً من المئة والخمسين.

 

نتذكّر أيضاً قضية حصار كنيسة المهد في بيت لحم، وتلك الصفقة البائسة التي تم بموجبها إبعاد عشرات الفلسطينيين إلى قطاع غزة وعدد من البلدان الأوروبية وما زالوا يكابدون من أجل العودة إلى وطنهم.

 

إذا كانت المناكفة بين قوى واقعة تحت الاحتلال، أوضح تعبير عن الممارسة السياسية المريضة، فإنها حين تتعلّق بالأسرى، تصبح وباء قاتلاً، فهذه مسألة لا علاقة لها بالمزايدات السياسية والمناكفات العبثية. يكفي أن هؤلاء الأسرى احتملوا فوق معاناة الأسر مرارة رؤية الأشقاء يتبادلون سفك الدماء، ويكفيهم تحمل بؤس حالنا، وصمودهم أمام جيش التشاؤم الذي يجتاح كل جبهاتنا في زمن عربي يزداد صعوبة وغموضاً.

 

مرة أخرى يحدونا الأمل أن تجعل القوى الفلسطينية من خلافاتها هدفاً قائماً بحد ذاته، وإلا تكون بدلاً من الداعم والسند، خنجراً في ظهر قضية القضايا.. الأسرى.