خبر «كلفة» شاليط؟! * عريب الرنتاوي

الساعة 07:41 ص|16 أكتوبر 2011

«كلفة» شاليط؟! * عريب الرنتاوي

 

 

 

 

 

تحدث إسماعيل هنيّة رئيس الحكومة في غزة عن الأثمان الباهظة التي تكبدّها أهل غزة ومناضلوها في الطريق لاتمام صفقة تبادل الأسرى، كلفة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، كانت باهظةً حقاً، وعندما يأتي الوقت، لوضع العملية برمتها في ميزان الربح والخسارة -إن جاء وقت كهذا- فإنه يتعين علينا أن ندرج ما ألمح إليه الأخ «أبو العبد»، ولم يصرح به، لا ان نكتفي بمقارنة الأرقام والأسماء الأخيرة لكشوف التبادل، وما رافقها من شروط وشروط مقابلة، مع النسخ الاولى منها، فهذه تلخص جانباً واحداً من «المفاوضات غير المباشرة» بين الجانبين، المفاوضات الحقيقية جرت بالنار والدم، على أرض الميدان، ميدان القطاع بطوله وعرضه، وطوال سنوات أسر الجندي الإسرائيلي.

 

لسنا هنا نريد أن نفسد فرحة الفلسطينيين بإنجاز صفقة التبادل، نحن ندرك أن اللحظة مشحونة بالعواطف والمشاعر الجيّاشة، ونحن نعيش هذه اللحظة بتفاصيلها كذلك، ولكن لا بأس من فسحة إضافية للعقل والتفكير وإعمال الحساب في الوقت ذاته، لقد ترددت مطوّلاً في طرح السؤال على الإخوة في حماس: لو أن عقارب الساعة عادت للوراء، لما قبل الخامس والعشرين من حزيران 2006، هل كنتم ستتخذون قرار أسر شاليط؟، هل سيكون لديكم الاستعداد لدفع الأثمان الباهظة ذاتها، من كيسكم أولاً، فلا أحد «يزايدن» عليكم في هذا الميدان، فأنتم الذين دفعتم أفدح الأثمان لقاء أسر شاليط، والأهم، لقاء الاحتفاظ به طوال هذه السنوات، في واحدة من أهم إنجازاتكم الأمنية، خصوصاً بعد أن تكالبت أجهزة مخابرات دولية وإقليمية بحثاً عن الرجل، وبتواطؤ مكشوف، من قبل شخصيات أمنية فلسطينية ساقطة، لا داعي لإزعاج القراء بذكر أسمائها.

 

لكن الشعب الفلسطيني، في غزة على وجه الخصوص، كان شريكاً في الغرم والغنم على حد سواء، كان شريكاً في التضحية والفداء ودفع الأثمان، ومن حقه أن يعرف إجابة عن هذا السؤال، من حقه أن ينبري أحدٌ من قادة حماس، لشرح معادلة الربح والخسارة في قضية شاليط.

 

لسنا هنا بصدد مناقشة المسألة من زاوية مبدئية، لا خلاف بين اثنين من الفلسطينيين، على حق المقاومين الفلسطينيين في اختطاف جنود ومبادلتهم، فما بالك حين يكون الجندي محارباً على خطوط النار مع القطاع المحاصر، وكل ما قيل في الأدبيات الغربية من توصيفات لعملية حماس وشركائها، نفاق لا يصمد طويلاً أمام فلسفة الشرعية الدولية ونصوص مواثيقها، لكننا نعالج المسألة من زاوية الربح والخسارة، ومدى صلاحية هذا الشكل أو ذلك من أشكال النضال، وكلفته على الشعب والمقاومة والفصائل، وقدرة الشعب على الاحتمال والتحمل، وأخيراً جدوى الخطوة من المنظور الأوسع والأرحب للقضية الفلسطينية.

 

لو أردنا أن نحسب «كلفة شاليط» على الشعب الفلسطيني، وتحديداً في قطاع غزة، سنجد أننا فقدنا مئات الأرواح من مدنيين ومقاتلين، سنجد أضعاف هؤلاء، من الأسرى والمعتقلين والموقوفين الإدرايين، من بينهم أكثر من ستين نائبا ووزيرا وقياديا في حركة حماس ذاتها، أي أن الذين دخلوا السجون الإسرائيلية جراء شاليط، هم أكثر بلا جدال، من الذين أفرج عنهم، نظير إطلاق سراحه، سنجد فصولاً مريرة من الحصار والتجويع والترهيب والتنكيل.

 

قد يقول قائل، ومن قال أن إسرائيل ما كانت لتفعل ما فعلت، باختطاف شاليط أو من دونه، في ظني، ومن دون أن يجد المرء نفسه في موقع المدافع عن الشيطان، بأنه لم يكن لإسرائيل أن تفعل ما فعلت، هكذا من دون مبرر أو ذريعة، وقد يقال أيضاً، أن إسرائيل لا تحتاج لذرائع وحجج لشن العدوان على الشعب الفلسطيني، ولكننا نقول أن العدوان سيكون أكثر قسوة وهمجية، وأقل كلفة على المعتدي، حين تتوفر له «الحجج» و»الذرائع»، وهذا ما حصل على أية حال.

 

يبقى السؤال، وماذا نفعل بوجود كل هؤلاء الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، هل نتركهم للترك والنسيان، أما جوابنا عن هذا التساؤل فهو، وهل يعقل أن نترك قضية بهذا الحجم، بانتظار أسر جندي أو اثنين، مرة كل عقد أو عقدين من الزمان، هل يعقل أن تكون كلفة كل أسير محرر، بصرف النظر عمّا تبقى من محكوميته أو حتى عن مصيره اللاحق (الإبعاد مثلا)، عدد مضاعف من الشهداء والأسرى الجدد؟.

 

من واجب الأسرى والمعتقلين علينا، أن تكون لدينا استراتيجية وطنية للتعامل مع ملفهم، فهي قضية وطنية بامتياز، وتستوجب التوافق حول سبل معالجتها و»أشكال النضال» في سبيل تحريرهم، ومن بينها بالطبع، أو في مقدمة هذه الأشكال بالأحرى، قضية اختطاف جنود إسرائيليين وأسرهم، لإتمام صفقات من هذا النوع.

 

إن قضية الأسرى بحاجة لفعل نضالي فلسطيني دؤوب، غير موسمي، وغير خاضع للصدف، كم مرة فشلت محاولات اختطاف جنود، كم جنديا اختطفنا منذ اندلاع العمل الوطني الفلسطيني المقاوم، في المقابل، كم من فلسطيني دخل السجون وخرج منها أو بقي فيها، الاستراتيجية التي نقترح، تتمثل في إقرار خطة عمل يومية، على مدار السنة، سياسية وجماهيرية وإعلامية وحقوقية، خطة تجرم إسرائيل وتذهب بها إلى جميع المحاكم الدولية، خطة تعظم التضامن الدولي مع قضية الأسرى، خطة تعرف بالأسرى كأسماء وأشخاص وعائلات، لا كأرقام يجري ترديدها في كل مرة تندلع فيها معركة «الأمعاء الخاوية»، خطة كهذه لا يجوز الاستهانة بما يمكن أن تحدثه من أثر، خطة كهذه سيكون بمقدور الشعب الفلسطيني أن يحتمل أوزارها ونتائجها وتداعياتها.

 

قد لا تصغي إسرائيل لكل ما تقترحه الخطة من أشكال نضالية وتحركات، لكنها ستذعن في نهاية المطاف، إن وجدت أن كلفة الاحتفاظ بهؤلاء تفوق كلفة تحريرهم، ولكن ليدلني أحدٌ على الكيفية التي سنحرر بها أزيد من ستة آلاف فلسطيني، سيبقون في السجون بعد إتمام صفقة شاليط، هل سينتظر هؤلاء «أسيراً» آخر، متى وأين وكيف ستكون الكلفة والأثمان، خصوصاً في أزمنة التهدئات والهدنات أو التنسيق الأمني.

 

نحن في زمن مختلف، وصوت الجماهير العريضة مسموع بقوة في العالم، شريطة أن تكون جماهير وأن تكون عريضة، لنجعل من نضالنا لتحرير الأسرى، نضالاً دائباً، جماهيرياً وعريضاً كذلك، ولنبدأ من الآن الفصل الثاني في عملية البقية الباقية من الأسرى والمعتقلين.