خبر د.علي عقلة عرسان يكتب : وركعت إسرائيل على ركبتيها أمام المقاومة

الساعة 08:08 ص|14 أكتوبر 2011

د.علي عقلة عرسان يكتب : وركعت إسرائيل على ركبتيها أمام المقاومة

 

كان أمسي القرب يوم بهجة، وموعداً لـ " وفاء الأحرار"، ويوم انتصار لفلسطين ولخيار المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، ويوم تأكيد من جانب المقاومة وحماس على "تبديد الوهم" القائل بقدرة إسرائيل غير المحدودة على إنجاز ما تريد.

كان أمسي القريب يوم نصر للدم على السيف، وللضحية على الجلاد، وللأمل على الإحباط واليأس.. وكان يوم نصر للصبر والصمود والتضحيات على العنصريين وإرهاب الدولة وهمجية الاحتلال.. وبشرى للمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الصهاينة، ولأبناء فلسطين والأمتين العربية والإسلامية بنصر من الله وفتح قريب، وهي بشرى للإنسانية كلها بهزيمة الطغيان والاستعمار والنازية الجديدة الممثلة بالعنصرية الصهيونية التي تحتل فلسطين وتشرد أهلها وتعذب أبناءها وتنتهك مقدساتها وحرمات الإنسان فيها..

وفي المقابل كان أمسي القريب ذاك، وفق التوصيف الصهيوني له بالحرف: ".. أمس كان مساء استسلام.. نزلت فيه إسرائيل على ركبتيها أمام حماس، وفشلت فيه قوة الصمود الإسرائيلية.. وتآكل فيه الردع الإسرائيلي حتى سحق. بالضبط مثلما حصل في الهروب من لبنان وفي الخروج أحادي الجانب من غزة وولد الاختطافات التالية.".. كما قال بن كسبيت في معاريف 12/10/2011، وكان "جائزة " للإرهاب" كما قال غيره" من ذوي التاريخ الطويل في الافتراء وقلب الحقائق وتزوير الوقائع. وقد شخَّص ايتان هابر وضع إسرائيل، بمناسبة هذه الصفقة وغيرها من صفقات " إطلاق مختطَفين إسرائيليين"، وتحرير أسرى ومعتقلين فلسطينيين، هم مناضلون من أجل الحرية، شخَّص ذلك الوضع بقوله: "في صفقات تبادل سابقة كانت يد إسرائيل هي السفلى دائما. وعلى مدى التاريخ الإسرائيلي كله كانت حالنا سيئة بسبب هذه الصفقات.".

والنتيجة كما قال إبراهام بورغ عن حال العرب والصهاينة، من خلال استقراء تاريخي ومقارنة بين شخصيات وأوضاع:".. إنهم في نشوء وارتقاء ونحن في تراجع.. وستجذب ـ "أي الصفقة" ـ انتباهاً كبيراً وتوجه المصابيح إلى مفارقة التلون الإسرائيلي الذي يزعم أننا الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكنه ينسى أن يذكر أننا ديمقراطية لليهود فحسب لأننا أيضا المحتل المستعمر الوحيد الذي بقي في الغرب.".

فتهنئة للمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها ورموزها وعناصرها، وتحية للشهداء وللأسرى والمعتقلين في سجون العدو، وتحية للشعب الفلسطيني كله، وتهنئة وتحية خاصتان لأخي أبي الوليد، خالد مشعل، على الثبات والوفاء وكشف الوهم وتحرير أسرى ومعتقلين، وفتح باب الأمل بتحرير كل أسير ومعتقل فلسطيني، وتحرير فلسطين، كل فلسطين. 

لقد تمت الصفقة التي يطلق بموجبها سراح الإرهابي شاليط في مقابل إطلاق سراح 1027 من المجاهدين، عشاق الحرية وفلسطين، وهي صفقة أيدها: 26 وزيراً صهيونياً ووقف ضدها 3 وزراء هم ليبرمان ولنداو ويعلون، ودفع باتجاه تحقيقها موقف كل من: "رئيس الشاباك الجديد يورام كوهين، ووزير الأمن إيهود باراك، ورئيس أركان الجيش بيني غنتس، ورئيس الموساد تمير باردو.".. وعمل على إنجازها من الجانب المصري رئيس المخابرات مراد موافي ونائبه الجنرال محمد إبراهيم، ومن الجانب الألماني الوسيط غيرهارد كونرد.. ومن الجانب الفلسطيني أحمد الجعبري رئيس وفد مفاوضي حماس ورفاقه، ومن الجانب الصهيوني دافيد ميدان ووفده..

لقد تمت تلك الصفقة التي استمر الكلام حولها ما يقرب من أربع سنوات ونصف، وهي في صيغتها الحالية قريبة جداً من الصيغة التي اتفق عليها قبل سنة تقريباً، ولم يجزها نتنياهو لصلفه.. ولكن مستجدات وظروفاً ومتغيرات وعوامل عدة ساهمت في إنضاجها وإنجازها وإخراجها إلى النور الآن. ومن تلك العوامل ما هو ظاهر معلن أشارت إليه مصادر إسرائيلية وفلسطينية وعربية، ومنه ما هو خفيّ أو مخفيّ من جانب قادة الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري. وأسوق مما هو ظاهر معلن، كما أشارت إليه الأطراف المعنية كلها، باقتضاب واختصار:

1 ـ فشل الخيار العسكري الإسرائيلي لإطلاق سراح شاليط، فذاك "طريق مسدود تماماً" حسب يورام كوهين.. وشعور نتنياهو بأن".. نافذة فرص توشك أن تغلق وربط هذا بالتطورات الجغرافية – الاستراتيجية."، نتيجة  المتغيرات العربية وتوجهات الشعب.

ونحن نعرف أن الحرب العدوانية على غزة عام 2008 وحصار تلك المدينة الصابرة الصامدة منذ سنوات، وملاحقة حماس ومحاولات تشويه صورتها وعزلها، وتواطؤ أنظمة عربية مع قوى دولية لإضعافها وجعلها تركع وتطلِّق خيار المقاومة ولا تكتفي بإطلاق شاليط فقط.. نعرف أن كل ذلك فشل، وثبت للصهاينة قبل غيرهم أن الخيار العسكري في إطلاق سراح شاليط لا مستقبل له.. باعتراف رئيسي الموساد والشاباك.

2 ـ توجه حماس ـ كما يُرى ويُروى ـ نحو إبداء مرونة نتيجة لتراجع تأثيرها فلسطينياً بعد مبادرة عباس وخطابه في الأمم المتحدة، لرغبة منها في استعادة الدور والمكانة والمبادرة، وفي تحسين علاقاتها مع مصر لإنجاز فك الحصار عن غزة بمبادرة مصرية، وسعياً منها لتخفيف معاناة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ورغبة الكيان الصهيوني في".. توجيه ضربة إلى "أبو مازن" الذي لم يحب طوال السنين الصفقة التي تقوِّي حماس، لكن بعد سلوكه في الأمم المتحدة فليدفع هو أيضا شيئا ما." كما قال الصهاينة في صحافتهم.

3 ـ التدخل التركي، والثورات والمتغيرات في الوطن العربي.. والأزمة السورية وممارستها ضغوطا على قيادة حماس في دمشق لإبداء مرونة في مواقفها، وتأييدها لإنجاز الصفقة.."؟! كل ذلك أدى إلى هذه النتيجة.

وإلى جانب العوامل والمعطيات الظاهرة توجد عوامل ومعطيات أخرى، أقول إنها شبه مخفيّة، وهي تتعلق باستعدادات إسرائيلية وغربية لمواجهة عملية مع إيران التي تدعم خيار المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتُتهم بأنها طرف في ما يحصل في بلدان عربية.. إذ يبدو أنه حان وقت مواجهة معها على أرضية الملفات السابقة، لا سيما الملف النووي، وإضعاف قدرتها وزعزعة دورة وهيمنتها أو حضورها في المنطقة، ووضع حد لما يسميه الصهاينة "تهديد إيران لهم ولدول عربية في المنطقة"..إلخ، وتحقيق مصالح أميركية وغربية متعلقة بالطاقة والعراق والدرع الصاروخي الأطلسي الذي يقام في تركيا وتفاعلاته.. إلخ.. وقد جاءت إشارة صريحة إلى ذلك المنحى في يديعوت أحرانوت حيث قال "اليكس فيشمان" إن رئيس الوزراء نتنياهو عمل على إتمام صفقة جلعاد شليط استعدادا لمواجهة القضية الكبرى الآن وهي الخطر الإيراني والمواجهة العسكرية الأكيدة في قضية ملفها النووي. إن نتنياهو اقتنع بأن هناك أموراً أهم يمكن التخلي عن مبادئ من أجلها، فأعطى الضوء الأخضر للمسؤول عن التفاوض دافيد ميدان لإعداد قائمة جديدة تشتمل على إيهام بالمرونة على نحو ما لكنها في الحقيقة تجاوزت جميع الخطوط الحمراء". وقد بدأت فعلاً بوادر مشكلات وأزمات تتصل بهذا الملف وتشير إلى ذلك التوجه.

كانت في الكيان الصهيوني وجهتا نظر حول التعامل مع موضوع المعتقلين منذ زمن بعيد، واحدة تقول: "محظور الرهان على حياة الجندي.. من الأفضل دفع كل ثمن، على أن يعود إلى الديار."، والأخرى تقول: " إذا كان الثمن هو تحرير قتلة فمن الأفضل أن يبقى جنود الجيش الإسرائيلي في السجن. ". وبعد أن قال رئيس المخابرات اليوم: "لم يكن هناك خيار عسكري لتحرير شليت"، مالوا إلى الأخذ بقول إسحق رابين: "إذا لم تكن هناك إمكانية لعملية عسكرية لإطلاق سراح أسرى إسرائيليين، فإنه يجب القيام بذلك بواسطة صفقة تبادل أسرى، مهما كانت صعبة."، وتغلبت وجهة النظر الأولى في صفقة شاليط على أن يؤخذ لاحقاً بقول  لجنة القاضي شمغار التي " ستفحص كل صفقة، وإذا ما خرجت عن المبادئ فلن تحظى بالإقرار."؟!.. والقول السائد المتداول إعلامياً وجماهيرياً في الكيان الصهيوني هو: "الاستسلام التالي هو مسألة وقت فقط."، بمعنى أن الصفقة التالية قادمة لتحرير أسرى ومعتقلين، لأن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة. 

يقول الصهاينة:" هذه الصفقة هي جائزة للإرهاب. هذه الصفقة هي انتصار هائل لحماس. هذه ليست صفقة، هذا استسلام."، وتعود الذاكرة بهم وبنا إلى الصفقات السابقة التي وصفوها بأنها "استسلام وجوائز للإرهاب" وقلنا ونقول عنها إنها انتصار لخيار المقاومة.. وهي صفقات تمت رغماً عن أنوفهم وهم صاغرون، ومنها:

1 ـ صفقة منظمة التحرير الفلسطينية " بقوة من فتح" التي أدت إلى تحرير 4.765 وإغلاق معتقل أنصار عام 1983 في مقابل ستة جنود صهاينة،.

2 ـ وصفقة أحمد جبريل الثانية عام 1985 التي اختطف فيها "يوسكا غروف، ونيسن سالم، وحزان شاي من جنود الناحل في لبنان، وأعيدوا للعدو في مقابل إطلاق سراح 1150 معتقلاً فلسطينياً بينهم الياباني كوزو اكوموتو، 3 ـ وصفقة نتنياهو الأولى حيث أُجبر على إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين ليعيد عميلي الموساد اللذين حاولا اغتيال خالد مشعل في عمَّان.".

4 ـ وصفقة عام 2003 حيث أطلق سراح 400 معتقل فلسطيني في مقابل الحنان تننباوم الذي اختطف إلى لبنان.. 5 ـ والصفقات التي نجح في فرضها حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية.

وتجيء اليوم صفقة شاليط لتتوج بها حماس انتصارات سابقة للشعب الفلسطيني ومقاومته في هذا المجال، مؤكدة على لسان أبي الوليد خالد مشعل بأن "تحرير الأسرى الفلسطينيين الباقين في السجون الصهيونية قادم."، وعلينا أن ندرك ونستدرك بأن هذا سيتم بكل الوسائل ومنها اختطاف جنود صهاينة.. على الرغم من مواقف بعض الفلسطينيين الذين يشككون بخيار المقاومة وهذا الخيار، وتغص حلوقهم بالدمع عندما يذكرون انتصارات من هذا النوع يتذاكرون ذلك مع" أصدقائهم الصهاينة"، وقد أشار الصحفي الصهيوني إيتان هابر، عشية الإعلان عن إتمام صفقة شاليط إلى مسؤول فلسطيني هاتفه وقال له، بصوت مخنوق: "ما العمل، أنتم لا تفهمون إلا لغة القوة."؟!   

في هذه الصفقة سيطلق سراح 1027 من المجاهدين والمناضلين، أبطال فلسطين وعشاق الحرية والتحرير، منهم في الدفعة الأولى، وخلال أسبوع من إطلاق سراح شاليط وفق المصادر الصهيونية: 450 سجينا فلسطينيا، بينهم 280 حكم عليهم بالسجن المؤبد. و110 سجينا: 55 منهم من حماس والباقون من فتح والمنظمات الأخرى، و131 سجينا من سكان غزة بمن فيهم مسؤولون كبار في حماس. و203 سجينا سيبعدون من الضفة الغربية: 40 منهم إلى خارج البلاد والباقي إلى غزة، و6 سجناء هم من عرب 1948، و27 سجينة سيتحررن بينهن أحلام التميمي وآمنة منى اللتين ستبعدان إلى خارج فلسطين. و" في الموجة الثانية بعد شهرين سيتحرر 550 سجينا تقرر إسرائيل هويتهم.". 

إن هذا انتصار ينطوي على فرحة قد تكون منقوصة لأننا كنا نتطلع إلى الأكثر، لا سيما إلى إطلاق سراح رموز فلسطينية منها: عبد الله البرغوثي، وإبراهيم حامد، وعباس السيد، وأحمد سعدات، ومروان البرغوثي.. ولكن وعد "وفاء آخر" منتظَراً سيحقق تطلعنا إلى نصر جديد وفرحة أكبر وأعم.. ومن حقنا اليوم أن نفرح بهذا الانتصار وبتحرير رموز فلسطينية مناضلة ذات تاريخ، منها: عميد الأسرى الفلسطينيين وأقدم أسير في العالم نائل البرغوثي، ويحيى السنوار، وأكبر المعتقلين الفلسطينيين سناً من مواليد 1933، ومن هم دون الثامنة عشرة من المعتقلين، وسبعة وعشرين أسيرة، " وفي رقم آخر يقدر عدد الأسيرات بـ 33"، بينهن آمنة جواد منى و أحلام عارف التميمي المحكومتان بالمؤبد.

فشكراً لحماس وفصائل المقاومة وقياداتها وعناصرها، شكراً للأبطال الذين قاموا بعملية "تبديد الوهم" وللذين قاموا من قبل بعمليات أدت إلى تحرير أسرى ومعتقلين، وتحية للشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تحقيق ذلك، وتهنئة للمحرَّرين والمحرَّرات، لأسرهم وأسرهن، وللشعب الفلسطيني كله..

وصبراً صبراً أيها الأحبة الذين تقفون على أبواب الحرية، تدقونها بأيد مضرجة بالدم ومضمَّخة بالحناء والغار، صبراً فإن الفرحة بالحرية وبتحريركم وتحرير فلسطين كلها قادمة لا محالة.. والنصر قادم.. قادم.. قادم بعون الله، فها هي إسرائيل قد ركعت على قدميها أمام المقاومة، وغداً يوم آخر وفصل آخر من فصول المقاومة على طريق التحرير.. ولينصرن الله من ينصره، وإن غداً لناظره لقريب.

دمشق في 14/10/2011