خبر الحركة الفلسطينية الأسيرة..تجربة فريدة..تاريخ مشرق..صمود أسطوري.. د. سليم محمد الزعنون.

الساعة 10:35 ص|13 أكتوبر 2011

كُتب الكثير عن تجربة الحركة الفلسطينية الأسيرة في الباستيلات الاسرائيلية، بعض هذه الكتابات طغى عليها البعد الإنساني، والبعض الأخر ركز عليها كمثال للبطولة والفداء والتضحية على اعتبارها ملحمة بطولية نزف في خضمها مئات الشباب لا لتبقي قضية شعبهم الوطنية وتنتصر فحسب بل كمساهمة في الدفاع عن قيم الحرية والانسانية والعدلة، ولكن قليل هي الكتابات التي تناولت نتائج الحركة الفلسطينية الاسيرة كتجربة فريدة ومتمايزة لا تضاهي أياً من تجارب الحركات الأسيرة على مستوى العالم. 

تجربة فريدة:

فرضت التطوارت التي شهدتها الباستيلات الإسرائيلية على مدار أكثر من نصف قرن من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحديات جسام على الحركة الوطنية الأسيرة؛ فقد شهدت هذه الحركة عملية دائمة من الإبداع والتطوير في وسائل وأدوات النضال كتداع مباشر لمواجهة قسوة الحياة الاعتقالية وهمجية السجان؛ والمحصلة أن الحركة الفلسطينية الأسيرة شكلت تجربة فريدة ومتمايزة لا تشبه أياً من تجارب الحركات الأسيرة على مدار التاريخ.

ويمكن القول أن الحركة الفلسطينية الأسيرة في مراحل تطورها المختلفة أنتجت تجربة تضاهي في مستوى أدائها وبرامجها مدارس فكرية متعددة، من حيث قدرة الأسرى الفلسطينين على تحويل باستيلات العدو من مقابر جماعية إلى قلاع ثورية وأكاديميات، زاوجت في برامجها بين البعدين الفكري والسلوكي، وفقاً لهذا المنظور خًرجت آلاف الكوادر المنظمة التي تمكنت أن تخط مسار تواصل النضال الفلسطيني؛ وأسهمت في بناء وصقل طاقات الكادر بما يجعله قادراً على القيادة وتحمل المسؤوليات، ذلك في ظل ظروف اعتقالية قاسية كان طابعها العام المواجهة الدائمة والمستمرة مع إدارة السجون؛ والأهم أنها عكست تجربتها النوعية في المضمون والأداء في ساحة العمل الأوسع ووسط الجماهير في الميدان.

تاريخ مشرق:

تمكنت الحركة الفلسطينية الأسيرة داخل الباستيلات الإسرائيلية من تحويل مفهوم المدينة الفاضلة "لإبن خلدون" إلى واقع عملي؛ في هذا السياق تؤشر الممارسة العملية للأسرى الفلسطينين إلى قدرتهم على تجسيد مفهوم المدينة الفاضلة التي يغيب فيها الأنا وتقوم على الإيثار والقيم والمثل، فالأسرى في باستيلات العدو لطالما جسدوا الوحدة الوطنية، والتجربة النضالية، والممارسة الديمقراطية في واقع حياتهم العملية.

فقد تمسك الأسرى على مدار تجربة الحركة الفلسطينية الأسيرة بالوحدة الوطنية التي تغلبت على المصالح الحزبية في مواجهة إدارة مصلحة السجون على اعتبار أن كل الأسرى مستهدفين دون استثناء وأن مصلحة السجون دائمة العمل لتفكيك وحدة الصف الداخلية؛ ومن الواجب تقويض هذه السياسة، إضافة إلى أن الحركة الفلسطينية الأسيرة أرست قواعد العمل الديمقراطي المسئول؛ من حيث إرساء مفهوم الحوار والتفاهم والتعاون المشترك، وارساء أسس المؤسسات الاعتقالية التي تجمع كل القوى السياسية لتضع القوانين واللوائح الداخلية بالأغلبية والتوافق من أجل تنظيم الحياة اليومية للمعتقلين ومواجهة إدارة مصلحة السجون وتحقيق كبرياء الأسرى والعيش الكريم لهم رغم قلة الإمكانيات؛ بما فرض على العدو احترامهم وتقديرهم.

صمود اسطوري: معركة الأمعاء الخاوية

إن تطور واقع الحركة الفلسطينية الأسيرة لم يأتي من فراغ بل كان نتاج العمل الدؤوب والكثير من التضحيات على مدار أكثر من نصف قرن من الاحتلال، وفي ظل طغيان السجان واجراءاته العقابية من عزل واعتداء جسدي وسوء التغذية والمعاملة الصحية وسياسة الحجر الثقافي وجميع الإجراءات الأخرى القائمة على الإذلال؛ ابتكر الأسرى الفلسطينيون أدواتهم الخاصة لمواجهة هذا الواقع المهين فكان الإضراب المفتوح "معركة الأمعاء الخاوية" كأحد ادوات النضال ضد إدارة مصلحة السجون للمطالبة بتحسين معاملة الأسرى ومستوى معيشتهم.

في هذا الإطار نُفذ أول اضراب مفتوح عن الطعام في سجن الرملة عام 1969 واستمر لمدة 11 يوماً، ومن الإضرابات الشهيرة  في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة اضراب سجن عسقلان عام 1970، احتجاجاً على سوء المعاملة الصحية والمعيشية والإنسانية، واعتراضاً على وجوب مخاطبة الأسرى لسجانيهم بـ "حاضر يا سيدي"؛ سقط في هذا الإضراب  أول شهداء "معركة الأمعاء الخاوية" في التاريخ الفلسطيني / عبد القادر أبو الفحم، رحل عبد القادر ورحلت معه إلى الأبد مخاطبة الأسير الفلسطيني لسجانه بـ "حاضر يا سيدي"،  لكن أشهر الإضرابات في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة حدث في عام 1976 منطلقاً من سجن عسقلان، لتحسين شروط الحياة الاعتقالية، واستمر 45 يوماً.

وفي القرن الحادي والعشرين قرن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان تتخذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءات عقابية ضد الأسرى الفلسطينين تتنافي مع كل معاير وقيم الحرية وحقوق الانسان؛ من حيث سياسة تقييد الأيدي والأرجل، وأساليب العقاب والتعذيب ومنع زيارات الأهالي واذلالهم خلال التفتيشات؛ فضلاً عن عدم السماح بلقاء الأسرى لمحاميهم، في هذا السياق يخوض الأسرى الفلسطينين في باستيلات العدو منذ 27 / ايلول الماضي اضراباً مفتوحاًعن الطعام ليتماهوا في تجربتهم مع تجارب مماثلة خاضها الأسرى في مواجهة الاحتلال؛ مفضلين الأمعاء الخاوية على الذل والمهانة اللذين يتعرضان لهما يومياً بأسلوب ممنهج على أيدي إدارات السجون.

وتؤشر خبرة التاريخ إلى نجاح معركة الأمعاء الخاوية في صراع الإرادات؛ فعلى الرغم من أن إدرة السجون تمتلك جميع الأدوات والوسائل وتسعى جاهدة لفرض ارادتها على الأسرى؛ إلا أن امتلاك الأسرى سلاح الإرادة والعزيمة لم يمكنهم من تحدي إرادة الجلاد فحسب بل والانتصار عليه؛ ذلك ما ترجم في انصياع إدارة السجون لمطالب الأسرى.

في المحصلة نشد على أياديكم ونقول لكم " لستم وحدكم في إضرابكم، كلنا نركض خلفكم بحثاً عن لقمة كرامة في هذاالجفاف الوطني، نسألكم شربة ماء طاهرة، ونقارب سجننا الكبير إلى حريتكم؛ المجد لكم، والنصر في معركة الأمعاء الخاوية".