خبر ليسوا شعباً مختاراً .. خيري منصور

الساعة 08:04 ص|13 أكتوبر 2011

ليسوا شعباً مختاراً .. خيري منصور

يتصاعد رفض بعض اليهود، وبتسارع لافت، لعنصرية الدولة الصهيونية، واستراتيحية الانكفاء العرقي والجدران العازلة. وهؤلاء أعلنوا مراراً الفطام عن حليب الأسطورة السام تعبيراً عن بلوغهم الرشد التاريخي والإنساني.

 

فبعد ما كتبه شاحاك في ثلاثة كتب على الأقل، وما نشرته الكاتبة ميشيل مزراحي والمحامية فيلسيا لانغر ويوري أفنيري وشلومو رايخ وآخرون، يكتب جدعون ليفي في صحيفة "هارتس" مقالة تعد إعلاناً وبصوت جهوري للعصيان على أيديولوجيات العزلة والإقصاء والتشرنق العرقي، بقوله إن عبارة "اليهود هم شعب الله المختار"، يجب أن تحذف من الصلوات اليهودية بدءاً من رأس السنة العبرية وعيد الغفران لهذا العام، فمن يفعلون كل ما من شأنه أن ينتهك حقوق الإنسان، ويمارسون هذا الاستعلاء غير المبرر بكل المقاييس والقوانين، ليسوا شعباً مختاراً.

 

ما كان لهذه النبرة الشّاجبة لاستراتيجية السطو أن تعلو على هذا النحو، وتنشر على الملأ بلا أدنى تحفظات، لولا أن السيل قد تجاوز الزبى ولم يبلغه فقط، كما يقول مثل عربي، فهؤلاء اليهود الذين صحوا على الخديعة وتقيأوا الطعم المقدود من لحمهم أدركوا أن ساستهم وجنرالاتهم وحاخاماتهم يدفعونهم إلى التهلكة، لكن باسم حمايتهم والحفاظ على أمنهم ومستقبلهم، وهناك قصة قصيرة جداً لمزراحي تروي فيها أن جدها الذي اصطحبها في جولة في مدن فلسطين، كان يقول لها إن كل ما تشاهد من موانئ وبنايات ومعالم عمرانية ومعابد هو إنجاز يهودي، ولكن الطفلة تشعر بأن جدها يكذب، فلا تتردد في أن تقول له بالحرف الواحد "إذاً أنت يا جدي لست يهودياً.. لأن عربياً أنجز كل هذه المعالم في هذه البلاد".

 

منطلق جدعون ليفي قد لا يكون جديداً، لأن ما قاله إسرائيل شاحاك أو إسرائيل شامير من قبل تجاوز المسموح به صهيونياً، تماماً كما فعل الحاخام الغاضب في لندن عندما وقف أمام الكاميرات وأحرق جواز سفره "الإسرائيلي".

 

لكن جديد ليفي هو هذه المواجهة لدولة تحولت إلى ثكنة، أو بمعنى أدق إلى مستوطنة كبرى مدجّجة بالسلاح النووي، فاليهود بدأوا يستشعرون أخطار المستقبل، ويدركون أن ساستهم يضحّون بهم من أجل انتصارات انتخابية لا تدوم، بل تتحول إلى خسائر على المدى الأبعد.

 

يقول ليفي "نريد أن نكون شعباً عادياً من شعوب العالم، فنحن لسنا من اختارهم الله من بين العباد كي نفعل ما نفعل وينظر إلينا العالم بعين لا نستطيع التحديق بها".

 

هنا تبدأ حرب شبه أهلية بين صهاينة يرفضون الاعتراف بالتاريخ وجدليته وصيرورته، ويهود يقرون بأنهم لم يعيشوا رغماً عن هذا التاريخ ولكن بفضله، وتلك عبارة نسبت ذات يوم إلى ماركس، وكانت سبباً لأن يفتعل اليهود المتطرفون مجازر بحق يهود آخرين كي يحولوا دون الاندماج الذي بشّرت به الثورة الفرنسية، ولم يكن مقتل إبراهام ليون، وهو مفكر يهودي ماركسي على أيدي هؤلاء، إلا تعبيراً عن رفض الاندماج في السياقات الحضارية والتاريخية والثقافية التي عاشوا فيها.

 

مطالبة كاتب وناشط يهودي بحذف ما يعتقد يهود آخرون بأنهم شعب الله المختار، هو عناق للتاريخ وطلاق للخرافة.

 

فاليهود يدركون، أو بعضهم على الأقل، بأنهم ضحايا الصهيونية التي تعلب معهم دور الحامي والحرامي.