خبر والى الجحيم بالنتائج -معاريف

الساعة 10:23 ص|12 أكتوبر 2011

والى الجحيم بالنتائج -معاريف

بقلم: بن كاسبيت

(المضمون: امس كان مساء استسلام. مساءا نزلت فيه اسرائيل على ركبتيها أمام حماس. مساءا فشلت فيه قوة الصمود الاسرائيلية. رقة القلب تغلبت على الصلابة اللازمة في حينا - المصدر).

        هيا نفترض ان بنيامين نتنياهو ليس رئيس الوزراء بل رئيس المعارضة. وها هو ما كان سيفعله ويقوله عندما تتبين له تفاصيل صيغة صفقة شليت: "سادتي اعضاء الكنيست"، كان نتنياهو سيتوجه الى نظرائه من على المنصة، "قبل أكثر من 26 سنة، في ايار 1985، عندما كنت سفيرا في الامم المتحدة، وصلتني معلومة عن أن الحكومة تعتزم تحرير الف مخرب في اطار صفقة جبريل. اعتقدت أن هذه ضربة فظيعة للسياسة التي تصدرناها، وأنا ايضا شخصيا قلت مرات عديدة في الولايات المتحدة بانه لا يجب اعطاء جوائز للارهاب بل مكافحته. في 22 ايار 1985، كتبت شخصيا لمسؤولي المباشر، اسحق شمير، الذي كان وزيرا للخارجية. بعد سنوات من الحرب الضروس ضد الارهاب والنموذج الذي ضربناه للعالم بأسره، قلبنا الجرة رأسا على عقب. وفي واقع الامر منحنا م.ت.ف هدية كبيرة. هذه الخطوة من شأنها أن تبعث موجة من القتل وسفك الدماء على نطاق واسع. هكذا كتبت له وهذا بالضبط ما حصل. كنت مستعدا لان يقيلوني في حينه، ولو كنت في المنصب اليوم، لكنت مستعدا ان يقيلوني اليوم.

        كيف أعرف ان هذا ما كان سيقوله نتنياهو غدا؟ لان هذا بالضبط ما قاله في اليوم الذي استقال فيه من حكومة شارون، عشية فك الارتباط. "منذ البداية رأيت في صفقة جبريل ضربة قاضية لمساعي اسرائيل لبلورة جبهة دولية ضد الارهاب"، كتب نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس"، الذي صدر بعد عشر سنوات من تلك الصفقة، "كيف يمكن لاسرائيل أن تحث الولايات المتحدة والغرب على انتهاج سياسة عدم الاستسلام للارهاب، بينما هي نفسها تخضع لهذا الشكل المخجل جدا؟ كنت مقتنعا بان تحرير الف مخرب سيدخلون الى مناطق يهودا والسامرة وغزة سيؤدون الى تصعيد فظيع للعنف، وذلك لان هؤلاء الارهابيين سيستقبلون كأبطال كنموذج اقتداء للشبيبة الفلسطينية، والنتائج لن تتأخر في الوصول. اليوم بات واضحا بان تحرير الف مخرب كان من العناصر التي وفرت مخزونا من المحرضين والزعماء الذين اضرموا نار الانتفاضة". كل ما ينبغي أن يضاف الى اقوال نتنياهو هذه تصبح ذات صلة بالحاضر هي كلمة "الثالثة". في "مكان تحت الشمس" كتب عن الانتفاضة الاولى. اما اليوم، فيدور الحديث عن الثالثة.

        وقفة قصيرة: أنا لا أعرف عينا اسرائيلية لن تدمع عندما يهبط جلعاد شليت، الشاب ابن 25 الذي قضى خُمس حياته الراشدة في قبو مظلم، في اسرائيل ويقع في أذرع عائلته. انا لا اعرف قلبا اسرائيليا لا ينبض عندما يحصل هذا. قلوب كثيرة دقت أمس ايضا، امام شاشات التلفزيون. لا يمكن للمرء الا ينفعل، لا يمكن الا يفرح فرحة العائلة، لا يمكن الا يقول ان حقا، ولكن حقا لا توجد دولة كهذه، ولا يمكن الا نواسي أنفسنا بالخبر اليقين، الصحيح، الحقيقي، بان الف قاتل منهم يساوي جندي واحد منا. هذه حقيقة. هم سيرقصون، سيحتفلون وسيهتفون حتى عنان السماء. ولكنهم لن يغيروا هذه الحقيقة البسيطة. الف قاتل للنساء والاطفال، عديمو الطابع الانساني المنكرون، مقابل جندي واحد منا.

        كما أنه لا يمكن الا نمتدح بنيامين نتنياهو على أنه اخيرا اتخذ قرارا صعبا. على أنه ابقي طي الكتمان. على أنه قاده بشجاعة. على أنه في نهاية الامر القلب اليهودي انتصر على العقل، البطن انتصر على الرأس، الشعور انتصر على الايديولوجيا. فقد سار امس ضد عقيدته، ضد رواية حياته السياسية، ضد ما جعله من هو. إذ من أجل هذا يحتاج المرء الى الشجاعة. (آخرون سيقولون بالذات من أجل عدم عقد الصفقة هناك حاجة للشجاعة، ولكن هذا الجدال لم يعد يجدي نفعا).

        ولكن، وهذه لكن ضخمة. بعد أن نذرف دموع الانفعال ونتأثر بحصانة المجتمع الاسرائيلي (او ضعفه، الامر يتعلق بزاوية النظر)، يتعين علينا أن نسأل أنفسنا هل بالذات بسبب "القلب اليهودي" هذا نحن بالذات، اليهود، نذبح ونختطف ونقتل اكثر من غيرنا؟

        شخصيا، عارضت صفقة شليت. لدى نتنياهو ولدى اولمرت على حد سواء. عارضت صفقة تننباوم، عارضت صفقة ريغف – غولدفاسر، بنيامين نتنياهو قال أمس "نعم" لصفقة قال لها ايهود اولمرت "لا". إذ في نهاية اليوم، امس كان مساء استسلام. مساءا نزلت فيه اسرائيل على ركبتيها أمام حماس. مساءا فشلت فيه قوة الصمود الاسرائيلية. رقة القلب تغلبت على الصلابة اللازمة في حينا. مساءا عقد فيه خالد مشعل، احمد الجعبري واسماعيل هنية مهرجانات النصر وعن حق. مساءا قال لي فيه مسؤول فلسطيني هاتفيا، بصوت مخنوق "ما العمل، انتم لا تفهمون الا لغة القوة". مساءا تآكل فيه الردع الاسرائيلي حتى سحق. بالضبط مثلما حصل في الهروب من لبنان وفي الخروج احادي الجانب من غزة. مساءا ولد الاختطافات التالية (ورجاءا، لا تحاولوا بيعنا استنتاجات لجنة شمغار التي تقول انه من المرة التالية، سيكون الحال مختلفا. حاولوا أن تبيعوا هذا لحماس. هم لن يشتروا. هم سيختطفون).

وينبغي فحص شيء آخر. اذا لم تتغير صيغة الصفقة بشكل كبير (حماس تتفاخر بأنها لم تتحرك ملليمتر واحد) فلماذا انتظرنا سنتين ونصف اخرى؟ اذا كان نتنياهو في النهاية تراجع، ألم يكن من الأفضل ان يتراجع من البداية؟ أليس خسارة على هذا القدر الكثير من الزمن من حياة الرجل الشاب؟ فقد اجتيزت أمس كل الخطوط الحمراء، حُرر سجناء عرب، اسرائيليون. حُرر سجناء من شرقي القدس. حُرر 300 قاتل مقيت. محكومون بالمؤبدات. حُرر مهندسو ارهاب الى يهودا والسامرة مباشرة. أبو مازن تلقى ضربة شديدة. حماس يمكنها ان ترفع الآن رأسها في الضفة. حماس يمكنها ان تُري الجمهور الفلسطيني بأن طريقها، طريق الارهاب، أفضل. كل شاب فلسطيني سيعرف بأنه لا توجد مشكلة، وانه يمكن التوجه لقتل اليهود وفي النهاية التحرر في صفقة. وهذا قبل ان نكون قد بدأنا في احصاء الضحايا الذين سيسقطون في المستقبل في أعقاب هذه التحررات. يحاولون بيعنا الآن "الربيع العربي" كمحفز أثبت بأن هذه هي الفرصة الاخيرة. هراء. ما الصلة. الدليل، رغم الربيع العربي، المصريون بالذات هم الذين أعطوا الدفعة الاخيرة.

        وشيء أخير: كان يجدر عمل ذلك على نحو مختلف قليلا. كان يجدر اجراء نقاش جماهيري. نتنياهو أبقى ذلك قريبا من صدره، جلبه الى الحكومة في ظلمة الليل، حين لم تكن لأحد الفرصة للتفكير، للحديث، لابداء الرأي، للعد حتى عشرة أو حتى 1027. خطف كلاسيكي. هذا من حق رئيس الوزراء. هذا نتاجه. وقد استخدم لهذا الغرض الرقابة العسكرية ايضا.

        مساء احتفالي هو هذا المساء، بل تاريخي، مساء التوقيع على صفقة ستعيد الى الديار جندي اسرائيلي مخطوف بعد خمس سنوات. تعالوا لا نُخرب هذا المساء أكثر مما ينبغي. تعالوا نأمل بأن التاريخ نفسه لن يُخربه أكثر مما ينبغي. هيا، يا جلعاد، عُد الى الديار. الفرحة ستكون كاملة. أما على النتائج، فسنفكر في مرة اخرى.