خبر الفيتو المزدوج : اسباب مباشرو وأسباب غير مباشرة >>بقلم علي بدوان

الساعة 06:22 ص|12 أكتوبر 2011

الفيتو المزدوج : اسباب مباشرو وأسباب غير مباشرة >>بقلم علي بدوان

شهدت قاعات مجلس الأمن والأمم المتحدة مؤخراً، حراكات سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة قادتها كل من باريس ولندن ومعهما لشبونه وبون، بهدف إدراج الوضع السوري الداخلي على جدول أعمال مجلس الأمن، والسعي باتجاه استصدار قرار يتعلق بما يجري داخل سوريا، في وقت بدت فيه أن كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا غير قادرة على تمرير قرارات حاسمة عبر مجلس الأمن ما لم تضمن الموقفين الروسي والصيني كما حصل في القرار الذي أقر الحظر الجوي على ليبيا، والذي مالبث أن تحول إلى عمل عسكري مباشر في مارس 2011 الماضي.

لقد استخدمت كل من روسيا والصين في جلسة مجلس الأمن يوم الرابع من أكتوبر الجاري 2011 حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الذي قدمته كل من بريطانيا وفرنسا والبرتغال وألمانيا بشأن الوضع الداخلي في سورية، وفيه تلويح بعقوبات دولية والدعوة إلى «إجراءات محددة الأهداف»، حيث لم تستطع صيغ التعديل المتتالية أن ترضي أو أن تليّن الموفقين الروسي والصيني، كذلك مواقف الدول التي امتنعت عن التصويت، وهي دول هامة وذات حضور في الخريطة السياسية الدولية كالهند والبرازيل وجنوب افريقيا، وهي دول مرشحة لنيل العضوية الدائمة في مجلس الأمن، إضافة لامتناع لبنان وهو البلد العربي الوحيد في الدورة الحالية لمجلس الأمن.

الفيتو المزدوج الصيني الروسي هو الأول من نوعه لجهة استخدامه من قبل بكين وموسكو في آن واحد وفي جلسة واحدة وتجاه موضوع واحد. وهذا الفيتو الروسي الصيني هو الثاني بعد لجوء العضوين الدائمين في مجلس الأمن إلى (فيتو) مماثل لتعطيل العقوبات الدولية التي فرضت على رئيس زيمبابوي (روبرت موغابي) في يوليو 2008 .

فقد كان المندوبان الروسي والصيني قد وضعا نصاً اعتراضياً على الاقتراح المقدم من فرنسا وبريطانيا، تضمن إشارة للسيادة الوطنية وعدم التدخل في سورية ومنها ذلك التدخل العسكري مع الدعوة إلى الابتعاد عن المصادمات، وإلى حوار متعادل لأجل تحقيق السلام المدني والمصالحة الوطنية وتحقيق الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد، لكن النص الروسي والصيني لاقى اعتراضات هائلة من قبل لندن وباريس وبالتالي فلم يتم طرحه أصلاً على طاولة أعمال مجلس الأمن.

خلفيات الموقفين الروسي والصيني

إن المصالح الدولية وتشابك العلاقات والمصالح وتداخلها، يؤكدان بأن الغيرة الفرنسية والبريطانية على الشعب السوري ليس مردها تلك الدماء النازفة والبريئة في الأزمة الوطنية التي تعانيها سوريا حالياً. فالموقفان الفرنسي والبريطاني فضلاً عن الموقف الأميركي كانا ومازالا موقفين أصمين تجاه العديد من القضايا الإنسانية وقضايا العدالة في العالم وفي القلب منها القضية الوطنية التحررية للشعب العربي الفلسطيني.

فبواعث الموقفين الفرنسي والبريطاني يتعدى الأمر المتعلق بحقوق الإنسان والناس في بلادنا ليصب باتجاه واحد عنوانه سياسي بامتياز، انطلاقاً من السياسة العوراء التي ميزت على الدوام المواقف الفرنسية والبريطانية، ومنها على وجه الخصوص سياسة الرئيس ساركوزي وإدارته الموسومة بانحيازها وفقدانها للتوازن عند النظر لمختلف القضايا الساخنة، وليس أخرها التحفظ على طلب فلسطين لطلب العضوية الدائمة في الأمم المتحدة.

وعند الفحص والتدقيق، من الطبيعي القول بأن الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن يلحظان لغة المصالح أيضاً، وقد حكمتهما أسباب عدة، منها أسباب بعيدة، ومنها أسباب قريبة مباشرة.

فمن الأسباب البعيدة نرى بأن كلاً من موسكو وبكين تخوضان معاً معركة سياسية موحدة وكبرى تحت الطاولة وعلى القنوات والكواليس الخلفية للدبلوماسية السرية ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين (فرنسا وبريطانيا بشكل أساسي) الذين استباحوا العالم وضربوا مصالح باقي المنظومات الدولية بما فيها المصالح الروسية والصينية في أكثر من مكان على سطح المعمورة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، وفي العراق على سبيل المثال، حيث سال لعاب الكارتل النفطي الأمريكي من اجل الاستحواذ على الحصة الكبرى من نفط العراق، فضلاً عن استحواذ الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على الجزء الأكبر أيضاً من فواتير إعادة الاعمار هناك.

وقد عبر ممثلا روسيا والصين في الأمم المتحدة عن موقف بلديهما خير تعبير عندما قالا بأن المسألة ليست قضية حول قبول الكلمات والصياغة في مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن، بل هي اختلاف في الأساليب والنظرة السياسية والمصالح.

في الأسباب المباشرة

ومن الأسباب القريبة والمباشرة للموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن واستخدامهما الفيتو المزدوج، نرى بأن موسكو وبكين قد استوعبتا الدرس الليبي الطازج، الذي جعل من قرار مجلس الأمن يتحول بقدرة قادر من قرار يتعلق بفرض الحظر الجوي إلى استخدام العمل العسكري المباشر بعد أقل من ثلاث ساعات من صدوره.

فموسكو وبكين لاتندبان ولاتبكيان ولاتلطمان على نظام القذافي بحد ذاته، لكنهما تندبان على الحظ المتعثر الذي أطاح بمصالحهما الكبرى في ليبيا خصوصاً منها المصالح الاقتصادية والنفطية وحتى العسكرية باعتبار ليبيا من مستوردي السلاح والعتاد الروسي.

لقد اتهم الكرملين بعيد اندلاع الأزمة الليبية ودخول الناتو على الخط من أوسع الأبواب بالتخادل والتهاون في مصالح روسيا الإقليمية والدولية وذلك من قبل صف واسع من عموم الأنتلجنسيا الروسية، التي قدرت بأن أبعاد الفوضى في الشرق الأوسط لن تقف في شمال افريقيا بل ستمتد إلى جنوب روسيا والى البلدان السابقة التي كانت منضوية في إطار الاتحاد السوفياتي.

وهذا الاتهام من الأنتلجنسيا الروسية لقيادة الكرملين، كان عاملاً مشجعاً أمام الإدارة الروسية لاتخاذ الموقف إياه في مجلس الأمن، وقد أعاد تكراره الرئيس ميدفيدف ورئيس وزرائه بوتين عندما تحدثا بعد الفيتو المزدوج في مجلس الأمن عن ضرورة الإسراع في انجاز الإصلاحات في سوريا مع التشديد على رفضهما تكرار السيناريو الليبي بالنسبة لسوريا.

إن الدرس الليبي، كان قاسياً على بكين وموسكو، فالصين واحدة من الدول الكبرى التي كانت تربطها بنظام القذافي علاقات متشعبة واستثمارات نفطية هائلة فوق الأرض الليبية. كما أن ليبيا كانت إحدى الدول الرئيسية التي تستورد الصين منتجاتها النفطية، فالصين بلد غير نفطي وتعتبر ثاني دول العالم في استهلاكه، وتعتمد بشكل رئيسي على النفط الإيراني ونفط أنغولا ونيجيريا وليبيا، وقد فقدت برحيل نظام القذافي جملة من العلاقات الهامة التي كان عليها أن تدافع عنها.

وعليه، فإن موسكو التي ترى بأن مصالحها قد تهمشت في مناطق مختلفة في العالم جراء السطوة الأميركية والغربية عموماً، تعمل الآن من خلال تبني الموقف المساند للنظام في سوريا على كبح محاولات إقصائها وعزلها، حتى لو قادتها الأمور باتجاه خوض معركة سياسية في مجلس الأمن الدولي (كما حدث بالفعل مؤخراً) لمنع استصدار أي قرار تسعى له كل من لندن وباريس حتى لو كان بلهجة مخففة.

فسورية تمثل قاعدة مهمة للمصالح الاقتصادية والعسكرية الروسية، وتعتبر أكبر مشتر للسلاح الروسي بالمنطقة حيث تشغل المرتبة الخامسة بين ثمانين دولة تستورد أسلحة ومعدات حربية روسية. فصفقات السلاح مع سوريا تتم بقروض ميسرة وهي بالتالي ليست مربحة لروسيا التي تؤكد أن لها ديونا تبلغ قيمتها نحو (12) ملياراً على سوريا، لكن علاقات موسكو مع سوريا بالمعنى الجيوستراتيجي تكتسي أهمية كبرى، لذلك فان موسكو أعفت دمشق من جزء كبير من الديون الخارجية المتعلقة بمبيعات السلاح الروسي لسوريا.

إن ما يميز الموقف الروسي اليوم بالنسبة لسوريا وحتى موقف بكين، أن موسكو ترى الآن في سوريا الموقع الحيوي الأخير لها في الشرق الأوسط بعد أن تهاوت علاقات موسكو مع مختلف الأطراف الإقليمية وانحسر نفوذها من بلدان عربية عدة، كانت ذات شأن بالنسبة للنفوذ الروسي زمن الاتحاد السوفياتي السابق كالعراق والجزائر وليبيا واليمن وغيرها من البلدان العربية. ومن المعلوم أن لروسيا علاقات متينة مع سوريا التي تمثل رقعة جغرافية مهمة في المنافسة الأميركية الروسية على المنطقة، حيث حصلت دمشق على مساعدات مالية وعسكرية من موسكو، كما أعطت سوريا امتيازات عسكرية لروسيا في قاعدة عسكرية في طرطوس.

وخلاصة القول، إن الأزمة الوطنية التي تمر بها سوريا، تدفعنا للتشديد على ضرورة التفتيش والبحث عن مخارج الحلول بروح ترفض تكرار النموذج الليبي أو الاستقواء بالخارج، أو دفع الأمور باتجاه التدخل العسكري.

فالغرب صاحب سجل حافل بممارسة سياسات الكيل بمكيالين خصوصاً بالنسبة للقضايا العربية، حيث صوتت الولايات المتحدة قبل عام مضى بالفيتو على قرار في مجلس الأمن يدين «إسرائيل» على قيامها بعمليات التهويد والاستيطان في القدس، وهي عمليات مرفوضة ومدانة بالقانون الدولي.

إن مد يد العون لسوريا وشعبها من أجل الخروج من أزمتها الوطنية تقتضي من جميع المخلصين، طرق مختلف الأبواب التي تحفظ وحدة البلاد، وتضمن حمايتها من نموذجي العراق وليبيا.