خبر ماذا حين ينسد طريق المفاوضات نهائياً مع « إسرائيل »؟ ..بلال الحسن

الساعة 07:51 ص|10 أكتوبر 2011

ماذا حين ينسد طريق المفاوضات نهائياً مع "إسرائيل"؟ ..بلال الحسن

أيام الرئيس الأميركي جورج بوش، كانت السياسة الأميركية الرسمية، تدعم "إسرائيل" بقوة، ولكن كان هناك أيضاً حرص على الإشارة إلى أن السياسة الأميركية تحاول الاستجابة لمطالب الفلسطينيين. وكان ذلك أثناء فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات.

 

أيام الرئيس الأميركي باراك أوباما، واصلت السياسة الأميركية دعم "إسرائيل" بقوة، ولكنها تخلت عن الحرص، ولو بإشارة رمزية إلى أن السياسة الأميركية ستتجاوب مع مطالب الفلسطينيين. وكان ذلك ولا يزال أيام رئاسة الرئيس محمود عباس.

 

وقد تميزت فترة الرئيس عرفات، ببروز تناقضات أميركية - فلسطينية كثيرة، حتى ليمكن القول إن العلاقة بين الطرفين كانت علاقة عدائية. بينما تميزت فترة الرئيس محمود عباس، بتقلص حجم التناقضات الأميركية - الفلسطينية، حتى ليمكن القول إن الطرفين كانا يعتقدان أنهما قريبان من بعضهما سياسياً، وتفاءل كثيرون بأن أميركا ستكون جاهزة في مرحلة حكم الرئيس عباس، لتوفير مناخ يقدم للفلسطينيين إنجازات دبلوماسية ملموسة، فأميركا لم تكن تثق بالرئيس عرفات، حتى إنها أعلنت مواقف رسمية تطالب بتغيير القيادة الفلسطينية. وأميركا نفسها عبرت بطرق شتى عن ثقتها بالرئيس محمود عباس، وكان ذلك سبباً في بروز حالة التفاؤل بمواقف أميركية إيجابية.

 

حدث كل هذا على صعيد المراقبة والتحليل؛ مراقبة الأحداث والعلاقات واستنتاج معانيها. أما على صعيد الوقائع الملموسة، فإن مواقف أميركا في مرحلة محمود عباس لم تختلف أبداً عن مواقف أميركا في مرحلة ياسر عرفات. والنتيجة السياسية هنا، والنتيجة المنطقية أيضاً، هي أن أميركا تعادي الفلسطينيين مهما كان نوع الرئيس الذي ينطق باسمهم. وهي تعادي الفلسطينيين لسبب واحد وحيد، هو أنها تدعم الموقف الإسرائيلي الذي يرفض التسليم بأي مطلب من مطالب الفلسطينيين.

 

لقد كان عرفات قائداً يعلن أن سياسته هي الجمع بين المقاومة والتفاوض. ولهذا السبب بالذات عارضته "إسرائيل" وعارضته أميركا، وأعلنتا وضغطتا من أجل أن يغير سياسته هذه، وأن يعلن تبنيه لمنهج التفاوض فقط. وعندما رفض عرفات ذلك لم يستطع أن ينجز أي أمر عملي في تفاوضه مع "إسرائيل". أما محمود عباس فكان قائداً يعلن أن منهجه في العمل هو التفاوض والتفاوض فقط. وكان ذلك يعني، على صعيد الأمل، أن "إسرائيل" ستفاوضه بانفتاح، وستقدم له بعض ما لم تقدمه لعرفات. وكان ذلك يعني، على صعيد الأمل أيضاً، أن أميركا ستشجع نهج محمود عباس، وتقدم ثقلها الدولي، وعلاقاتها الخاصة مع "إسرائيل"، لتدفع بالعلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية إلى الأمام، ولكن ما حدث على أرض الواقع، هو أن التشدد الإسرائيلي مع محمود عباس كان مجرد تكرار للتشدد الإسرائيلي مع ياسر عرفات.

 

يطرح هذا الأمر سؤالاً سياسياً كبيراً: إذن ماذا تريد "إسرائيل"؟ وماذا تريد الولايات المتحدة الأميركية؟ وقد أصبح الجواب على هذا السؤال حقيقة واقعة ولم يعد استنتاجاً: "إسرائيل" لا تريد، ولا تفكر مجرد تفكير، أن تقدم للفلسطينيين أي شيء يطلبونه، "إسرائيل" تريد تنفيذ مخططها فقط، وتريد من الفلسطينيين أن يوافقوا على هذا المخطط ويقبلوا نتائجه. وبشكل محدد ودقيق، ترفض "إسرائيل" الموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وتتطلع فقط إلى حكم ذاتي فلسطيني، يكون دائماً وأبداً داخل القبضة الإسرائيلية.

 

هذا الهدف الإسرائيلي رفضه ياسر عرفات، ورفضه محمود عباس، على الرغم من خلافهما في منهج العمل والتفاوض، وكان أن وصلت الأمور بذلك إلى طريق مسدود. وقيل أيام عرفات إن الوصول إلى الطريق المسدود سببه رفض التخلي الفلسطيني عن شعار الكفاح المسلح، ولو كلامياً، بينما تأكد أيام محمود عباس أن سبب الرفض الإسرائيلي هو الرغبة في مواصلة الاحتلال، حتى لو كان منهج التفاوض فقط هو المعلن رسمياً.

 

وقد طرح هذا الأمر نفسه على الرئيس محمود عباس، وكان لا بد له إزاء ذلك أن يفعل شيئاً ما، وهنا قرر الرئيس محمود عباس شن هجوم سياسي مضاد، وأن يتم شن هذا الهجوم في الساحة الدولية، وكان أن قام بخطوتين مهمتين:

 

الخطوة الأولى: إعلانه أنه سيتقدم بطلب إلى مجلس الأمن للحصول على عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. وقد أعلنت واشنطن معارضتها لهذا الطلب منذ اللحظة الأولى، وعادت لتكرر النغمة المشروخة بأن الأمور لا تحل إلا في إطار المفاوضات. وحين أصر الرئيس عباس على موقفه، وحين ذهب إلى الرئيس الأميركي نفسه ليباحثه في الأمر، عبر الرئيس الأميركي عن عدائية واضحة، حتى إنه قال لعباس مواجهة إنه سيستعمل الفيتو ضده، إذا تقدم بطلبه إلى مجلس الأمن، وهو أمر خارج عن حدود اللياقة الدبلوماسية، التي تحرص دائما على استعمال كلمات مواربة، توضح الهدف، ولكن لا تستفز الطرف الآخر.

 

الخطوة الثانية: تمثلت في الخطاب الذي ألقاه محمود عباس في الأمم المتحدة، وهو خطاب يمكن اعتباره تتمة لخطاب ياسر عرفات الأول أمام الأمم المتحدة عام 1974 (باستثناء الحديث عن شرعية إسرائيل، وعن العمل السياسي فقط). لقد رفع محمود عباس من مستوى الخطاب السياسي الذي يتبناه، وكان ذلك إشارة منه، لمن يريد أن يفهم، أن الكيل قد طفح بالنسبة إليه، وأنه إذا لم تقبل "إسرائيل" موقفه، وإذا لم تقبل الولايات المتحدة موقفه، فإن معنى ذلك هو إغلاق باب التفاوض السياسي نهائياً.

 

اللافت هنا أن واشنطن ردت على هذا الموقف الفلسطيني، بالموقف المكرر والممل الداعي للعودة إلى التفاوض فقط، وكأن ما جرى كل هذه السنوات لا علاقة له بالتفاوض. أما "إسرائيل" فردت على هذا الموقف بالدعوة إلى مفاوضات من دون شروط مسبقة، ولكنها هي وضعت شروطها المسبقة فوراً على الطاولة، ودعت إلى أن يبدأ التفاوض حول قضيتي الحدود والأمن. أي أن المطلوب هو تفاوض تحدد فيه "إسرائيل" إلى أين ستنسحب، وليس الانسحاب إلى حدود 1967. وهو أيضاً تفاوض تريد فيه "إسرائيل" أن تطمئن على أمنها مستقبلاً، ولذلك تريد الاحتفاظ بالمناطق التي توفر لها ذلك، وهي حدود نهر الأردن والجبال المشرفة عليها، وهو مطلب قادر على إنهاء أي تفاوض قبل أن يبدأ.

 

وما يمكن استنتاجه بعد رحلة الألف ميل التفاوضية هذه، أن "إسرائيل" ليست معنية بالتفاوض، أي ليست معنية بمطالب الفلسطينيين. وترجمة ذلك أنها ليست معنية بالموافقة على إنشاء دولة فلسطينية، وأن على الفلسطينيين أن يقبلوا مطلب "إسرائيل" هذا.

 

هذه هي النتيجة المنطقية الوحيدة التي يمكن استخلاصها من الأخذ والرد الجاريين بين الفلسطينيين و"إسرائيل"، وحين ينسد طريق المفاوضات نهائياً، ينفتح الطريق الآخر (المغلق مؤقتاً بسبب الإصلاحات)، وهو طريق العودة إلى مقاومة الاحتلال، وإلى الكفاح المسلح ضد الاحتلال.

 

وهذه هي النتيجة الوحيد المحتملة بعد انسداد طريق المفاوضات. وهذه هي نذر الحرب المقبلة سواء جاءت النذر بطيئة أو سريعة.

 

صحيفة الشرق الأوسط