خبر مشكلة أوباما « الإسرائيلية »... إيان بوروما

الساعة 08:11 م|09 أكتوبر 2011

مشكلة أوباما "الإسرائيلية"... إيان بوروما

اتهم حاكم تكساس ريك بيري أثناء إحدى زياراته النادرة خارج ولايته تكساس، الرئيس الأمريكي باراك أوباما باسترضاء الفلسطينيين. لقد قام عمدة نيويورك السابق إدوارد كوخ بدعم مرشح جمهوري كاثوليكي لانتخابات الكونغرس ضد ديمقراطي يهودي في نيويورك بسبب أن الجمهوري يدعم "إسرائيل" في السراء والضراء، ولأن أوباما قد عبّر عن تحفظاته على توسيع "إسرائيل" للمستوطنات في الضفة الغربية، وطبقاً لكلمات كوخ فإن أوباما "ألقى ب "إسرائيل" تحت الحافلة" وفاز المرشح الجمهوري.

وفي الوقت نفسه، فإن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو الذي يشعر بحساسية ضد قيام الأجانب بالتدخل في السياسات "الإسرائيلية" المحلية، يقوم بشكل علني وباستمرار بخطب ود الجمهوريين في الكونغرس وذلك عن طريق مهاجمة أوباما. ماذا إذاً، كان رد أوباما؟ خطاب في الأمم المتحدة يكرر فيه دعمه ل "إسرائيل" وتفهمه لمخاوفها وضعفها والذي بالكاد تطرق فيه إلى مخاوف الفلسطينيين وضعفهم.

ما الشيء المتعلق ب "إسرائيل" الذي يحوّل الرئيس الأمريكي رجلاً ضعيفاً؟ ولماذا جميع السياسيين الأمريكيين يشعرون بكل هذا الخوف من انتقاد السياسات "الإسرائيلية"؟ هل هو الخوف من أن يطلق عليهم لقب معادٍ للسامية؟ أو هل هو "الصوت اليهودي"؟

ظاهرياً فإنه لا يوجد سبب يستدعي أن يشعر الديمقراطيون بالخوف، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن أغلبية الأمريكان اليهود (7 .1% فقط من الشعب الأمريكي) ما يزالون يصوتون للحزب الديمقراطي.

عندما يتعلق الأمر بما يطلق عليه اللوبي "الإسرائيلي" في واشنطن وهو لوبي منظم للغاية وبتمويل قوي جداً، فإن المسيحيين الإنجيليين يلعبون دوراً مهماً أيضاً . لكن أغلبية المسيحيين الإنجيليين الساحقة تصوت للجمهوريين، ما يعني أنه ليس لأوباما الكثير ليخسره في هذا الخصوص.

صحيح أن بعض المنظمات المؤيدة ل "إسرائيل"، وخاصة لجنة الشؤون العامة الأمريكية "الإسرائيلية" (الإيباك)، يمكن أن تجمع مبالغ ضخمة وهي مبالغ يعتمد عليها نجاح المرشحين السياسيين أو فشلهم والذين يتم تقويمهم فقط على أساس توجهاتهم بالنسبة إلى "إسرائيل".

إن الأموال التي يتم منحها أو سحبها إضافة إلى قيام يهود برفض التصويت لأوباما بسبب شعورهم بالغضب، يمكن أن يحدث الفارق في ولايات غير محسومة لحزب معين مثل فلوريدا.

بغض النظر عن المال والناخبين واللوبيات، فإن هناك شيئاً أساسياً تغير في السنوات الأخيرة وهو شيء يخيف الديمقراطيين: إن صراع "إسرائيل" مع الفلسطينيين يتم استخدامه حالياً من قبل اليمين الأمريكي كهراوة من أجل ضرب الليبراليين.

إن هذا لم يكن يحصل في الماضي، ففي العقود القليلة الأولى لنشأة "إسرائيل" عندما كانت تدار بشكل عام من قبل الاشتراكيين، كانت “إسرائيل” تحظى بشكل رئيس بدعم اليسار الليبرالي في العالم، وفي واقع الأمر فإن آخر إدارة أمريكية كانت إلى حد ما صارمة مع الحكومة "الإسرائيلية" هي حكومة جورج بوش الأب الجمهورية.

إن اليهود في كل من أوروبا والولايات المتحدة كانوا يميلون تقليدياً إلى اليسار . إن من النادر أن تكون سياسات الجناح اليميني، وخاصة تلك المبنية على أساس الوطنية العرقية، جيدة للأقليات التي يكون وضعها أفضل في بيئة أكثر انفتاحاً وتنوعاً . لقد كان اليهود من أشد مناصري نضال الأمريكان السود من أجل نيل الحقوق المدنية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

وطالما بقيت "إسرائيل" دولةً ليبرالية كان من السهل أو حتى من الطبيعي على معظم الأمريكيين اليهود أن يدعموها، ولم يكن هناك صراع بين العقل والعاطفة وبين الارتباط العاطفي ب "إسرائيل" والالتزام السياسي بالقضايا الليبرالية.

لكن الأمور بدأت تتغير عندما انحسرت شعبية حزب العمال "الإسرائيلي" أمام حزب الليكود الأكثر تشدداً، وبشكل تدريجي بدأت “إسرائيل” تعاني وجود سياسات تشبه السياسات التي تقليدياً كان اليهود يخشونها وخاصة السياسات العرقية.

إن "إسرائيل" التي شعرت بالاستفزاز بسبب عدائية جيرانها العرب وتصلب القادة الفلسطينيين، بدأت بالتحول بشكل حاد نحو اليمين، ولقد كان ذلك نتيجة أيضاً للتغيرات الديمغرافية: لقد كان يهود الشرق الأوسط أكثر مناهضة للعرب مقارنة بإخوانهم من الأوروبيين، كما أن المهاجرين اليهود من روسيا كانوا من أشد المناهضين لليسار، كما استمرت أعداد اليهود المتدينين بالازدياد.

لقد تخلى اليسار الليبرالي الأوروبي نتيجة لذلك عن تعاطفه مع "إسرائيل"، وتمكنت "إسرائيل" من اكتساب مجموعة جديدة من الأصدقاء من اليمين وحتى اليمين المتشدد . إن الشعبويين اليمينيين بما في ذلك أولئك الذين يمثلون أحزاباً كانت معروفة في الماضي بمعاداتها الشديدة للسامية، يدعون وبكل فخر اليوم بأنهم يدعمون المستوطنين “الإسرائيليين” على الأراضي الفلسطينية، أما في الولايات المتحدة فلقد نشأ تحالف غريب بين المتشددين اليهود والمسيحيين الإنجيليين الذين يعتقدون أن على جميع اليهود العودة في نهاية المطاف إلى الأرض المقدسة واعتناق الديانة المسيحية، وهذا التحالف أصبح القاعدة الرئيسة لدعم “إسرائيل” .

لقد أدى ذلك إلى نشوء وضع غريب للغاية، فالسياسيون الذين ينتمون إلى الجناح اليميني من الجنوب الأمريكي مع الشعبويين النمساويين والألمان والفرنسيين والهولنديين يتهمون الليبراليين باسترضاء “الفاشية الإسلامية” . إن هولاء الذين يعدون الورثة السياسيين لتقاليد مغرقة في العنصرية، هم الأبطال الجدد لدولة يهودية تعتمد سياساتها الآن على شوفينية عرقية عائدة للقرن التاسع عشر عوضاً عن الجذور الاشتراكية للصهيونية .

إن الترويج للسياسات المتصلبة ل “إسرائيل” يمكن أن يكون أسهل طريق لرئيس أمريكا الديمقراطي لتجنب المتاعب في سنة انتخابية، ومن المؤكد إن أوباما يحتاج إلى الأصدقاء بشكل كبير، ولكن الثمن سوف يكون باهظاً . أن أمريكا المجبرة على دعم "إسرائيل"، سواء كانت على حق أو على باطل، تخسر مصداقيتها ونفوذها بسرعة في شرق أوسط مضطرب.

إن الضغط على "إسرائيل" من أجل وقف الاستيطان وقبول دولة فلسطينية قابلة للحياة سيكون صعباً للغاية، لكنه الطريقة الوحيدة لكسر حلقة العنف المستمرة.

إن الوقوف في وجه "إسرائيل" وأصدقائها المتطرفين الجدد لا يعد معادياً لليهودية بل العكس هو الصحيح، حيث سوف يعمل ذلك على المحافظة على التقاليد الليبرالية التي يستمر العديد من اليهود بالإيمان بها.