خبر الفشل الاستخباري كان الأبرز في الـ73 وطال الأمريكيين أيضا

الساعة 12:40 م|08 أكتوبر 2011

الفشل الاستخباري كان الأبرز في الـ73 وطال الأمريكيين أيضا

فلسطين اليوم: القدس المحتلة

بعد 38 عاما على حرب تشرين 1973، ما زال الفشل الاستخباري أو المخابراتي الذي كان من نصيب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية، هو الفشل الأبرز، ليس لأنه قاد إلى سلسلة الإخفاقات العسكرية، التي أصابت الجيش الإسرائيلي، ولعب دورا حاسما في التأثير على نتيجة الحرب فقط، بل لأنه ظل الفشل الأبرز، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن أمريكا ستكون خارج الصورة في المواجهات العسكرية الميدانية التي وقعت لاحقا، وإذا ما أخذنا بالحسبان أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية، تدعي بحق أو بغير حق، أن نصف الزعماء العرب وأقربائهم وأنسبائهم هم عملاء لدى الـ"سي آي إيه" أو الموساد.

لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تهتم أجهزة المعلومات والاستخبارات الأمريكية، بدراسة وتحليل أسباب هذا الفشل أسوة بزميلتها الإسرائيلية، وأن تكشف دورياتها السرية في حينه والتي أفرج عنها حديثا، العديد من المعطيات المتعلقة بهذا الموضوع.

صحيفة "هآرتس" الصادرة في نهاية الأسبوع تضمنت تقريرا نشرته في ملحقها، معلومات من مقال نشره في حينه، ما وصفته بمؤرخ الـ"ان أس آي" وهي وكالة معلومات أمريكية، أفاد أن إحدى المتخصصات في شؤون الشرق الاوسط في الوكالة وتدعى شارون، وصلت إلى قناعة بناء على مجموعة المعلومات الواردة لديها، أن حربا ستنشب بمبادرة مصر وسوريا، وأن الموضوع لم يقتصر عليها بل شمل مجموعة من كبار ضباط ا لـ"ان أس آي".

شارون مثلت في الرابع من اكتوبر أمام نائب رئيس الـ"سي آي إيه" صموئيل ويسكونسون وهو خبير لشؤون الشرق الأوسط" إلا أن الأخير لم يقتنع بوجهة نظرها، وآمن أن المناخ السياسي غير ملائم لهجوم عسكري، وادعى أن المعطيات التي عرضتها ترتبط بالمناورات العسكرية المصرية.

تقرير أجهزة الاستخبارات الذي وزع في إسرائيل يوم الرابع من تشرين/اكتوبر، قرر بشكل قاطع أن الحرب لن تقع.

أمير أورن المحلل العسكري في "هآرتس" الذي أعد التقرير الذي يحمل عنوان "هل تسمع.. حوّل" يقول، إن فشل شارون من ميرلاند في إقناع المراتب الأعلى في المخابرات الأمريكية، تقاطع مع فشل الكولونيل سيمان طوف، من بئر السبع وكذلك كان حال الجنرال يوئيل بن بورات قائد وحدة 848 ونائب رئيس الأركان الجنرال يسرائيل طال، الذين لم يسامحوا أنفسهم لعشرات السنين لأنهم "لم يقلبوا العالم" للإقناع بوجهة نظرهم.

يوم الرابع من تشرين أول، طالب الجنرال طال، خلال اجتماع قيادة الأركان بتعزيز القوات على الجبهات واستدعاء الاحتياط، وقال، إذا ثبت أني مخطئ وأنتم على حق نكون قد جندنا الناس عبثا، في فترة الأعياد وبعثرنا الأموال، لكن إذا ثبت العكس فستكون كارثة، إلا أن الجلسة انفرطت قبل حسم الموضوع بسبب موعد طارئ لدى قائد الاركان، دافيد العازار، الذي سيحمل لاحقا نتائج فشل الحرب ويقضي انتحارا.

القيادات السياسية والمصادر الاستخبارية الإسرائيلية والأمريكية، فاخرت في حينه بمصادر معلوماتها، وادعت أن أشرف مروان لم يكن الأرفع منصبا فيها، هذه القيادات والمصادر فشلت في مهماتها وتفاجأت بالحرب.

وفي سياق البحث عن أسباب الفشل منذ 38 عاما تدعي "هآرتس" في تقريرها أن الملك حسين نقل يوم 25 أيلول، معطيات صحيحة عن قدرات السوريين والمصريين، لشن هجوم عسكري صاحبتها تقديرات بعدم احتمالية تنفيذ مثل هذا الهجوم. وتدعي الوثائق الأمريكية أن هذا الإنذار لم يكن الأول، وأنه في الثالث من أيار، حذر الملك حسين من وقوع مواجهة عسكرية كبيرة، مشيرا إلى أن قوات من الجزائر والسودان، ستصل الى مصر وقوات مغربية، ستصل إلى سوريا، وأن طائرات ميراج ليبية، موجودة اليوم في مصر، وقوات عراقية كبيرة، موجودة على الحدود الأردنية العراقية، وأن العراقيين أرادوا أن يضعوا في الأردن طائرات حربية، سيتم نقلها إلى ساحة أخرى.

وتدعي الصحيفة أن المعلومات وصلت إلى كيسنجر، وبحثها مع السفير الإسرائيلي في حينه، سمحا دينيتس، الذي أكد بدوره أن هناك تأكيدا لهذه المعلومات من مصادر أخرى أيضا، وأنه سيكون للسوريين دور مركزي في كل تحرك عسكري قادم، وانهم بدأوا بالاستعدادات. وأضاف دينيتس أن ما كان يقلق إسرائيل هو المعلومات المتشابهة.

في الخامس من أيار، بعد يومين فقط من المحادثة مع دينيتس، تلقى كيسنجر تقريرا من الـ"سي آي إيه" يفيد بأن نشاط العرب لا يوحي بإمكانية وقوع أعمال عدائية في الشرق الأوسط، قبل البحث المقرر في الأمم المتحدة نهاية أيار، التقريرشكك بأن يقوم الرئيس السادات بعملية كبيرة في الأسابيع الستة القادمة، وأشار إلى أن ما يحدث لا يتعدى محاولة ضغط نفسي على إسرائيل وأمريكا.

في 17 أيار، تدعي "هآرتس" أن إنذارا آخر وصل كيسنجر من نفس المصدر يقول إن جميع القوات السورية تلقت أوامرا بالتركز في التدريب على حرب ليلية، وأن هناك خطة عسكرية سرية جدا لهجوم، يشمل ثلاث فرق تقوم بتطهير خط الدفاع الأمامي في هضبة الجولان، وفي اليوم التالي تقوم كتيبة مدرعة باحتلال سائر الجولان، وأن العراق سيوفر لسوريا كتيبتين احتياطيتين.

كما تضمنت المعلومات أن كميات كبيرة من المعدات العسكرية السوفيتية، بما في ذلك صواريخ أرض - جو تم نقلها إلى سوريا، وأن هناك إمكانية أن يبادر المصريون إلى عملية عسكرية ضد إسرائيل، ومن الممكن أن يبدأ السوريون بالعملية، وينضم إليهم المصريون على طول خطوط القناة.

بعد أسبوعين بعث رئيس قسم الاستخبارات، في وزارة الخارجية الأمريكية، ري كلاين، إلى الوزير روجرز، تقريرا أكثر خطورة، يفيد أن هناك احتمالا تتجاوز نسبته 50% لنشوب حرب حتى الخريف القادم، بين مصر وإسرائيل، وأن السادات على وشك اتخاذ قرار بتحرك عسكري، بعد أن اقتنع أنه الطريق الوحيد لكسر الجمود القائم وتحريك المفاوضات.

إسرائيل وأمريكا لم تأخذا كما أسلفنا كل هذه التحذيرات على محمل الجد، فقد اجتمع الغرور والاستهتار بقدرة العرب من جهة، مقابل التنظيم والتخطيط والسرية من قبل الجيوش العربية من جهة أخرى، ليخلقوا مفاجأة حرب 73 التي حولت "يوم الغفران العبري من يوم للحساب الديني إلى يوم للحساب السياسي".