خبر تكرار إضاعة الفرصة- يديعوت

الساعة 11:50 ص|07 أكتوبر 2011

تكرار إضاعة الفرصة- يديعوت

بقلم: حاييم رامون

جلست صباح رأس السنة على شرفة بيتي. كان كل شيء هادئا مطمئنا. كنت قد أنهيت قراءة استطلاعات الرأي العام في صحف مساء العيد التي حاولت أن تُبين وضع الأمة. وتبين أن أكثر سكان اسرائيل راضون عن حياتهم. وتبين ايضا ان أكثر الجمهور لا يقلقهم الوضع السياسي ويستمتعون بالهدوء الامني النسبي. والأكثرون لا يؤمنون بتفاوض مع الفلسطينيين ويكررون الشعار الذي يردده عليهم رئيس الحكومة مرة بعد اخرى: "لا يوجد شريك حقيقي في التفاوض السلمي"، و"لا يوجد من يُتحدث معه"، و"الفلسطينيون لا يريدون في الحقيقة سلاما وهم رافضون مستديمون". وفي المقابل فان بنيامين نتنياهو راض جدا عن نفسه وعن نجاحه في الحفاظ على الوضع الراهن في يهودا والسامرة وعن خطبه في الولايات المتحدة في الأساس التي تحظى بتأييد كبير.

تذكرت فجأة ايام تشرين قبل 38 سنة إذ كنت ضابطا شابا في الخدمة الاحتياطية، سُرحت من الجيش الاسرائيلي من وقت قريب. كانت ايام رأس السنة كما هي الحال الآن حقا قريبة من السبت وحل يوم الغفران في 1973 في يوم السبت. كانت البلاد هادئة مطمئنة وساد الهدوء الحدود، وتزلج جنود الجيش الاسرائيلي على منحدرات جبل الشيخ وغمسوا أرجلهم في مياه قناة السويس، ونما الاقتصاد وأزهر. "لم يكن وضعنا قط أفضل"، قال المسؤولون عن امن اسرائيل وعن سياستها في 1973، ووافقتهم الصحف والجمهور وتابعوهم على آرائهم.

كانت غولدا مئير واعضاء حكومتها على ثقة في مستهل السبعينيات من ان اسرائيل قوية آمنة، وقد رفضوا جميع المبادرات والنصائح السياسية التي قامت على "الارض مقابل السلام"، أو على الأقل على شيء من الارض مقابل تسوية سياسية جزئية.

بدأ في مدينة يميت في سيناء اعداد لبناء ميناء عميق، وبُنيت على ارض يميت مستوطنات بايقاع سريع بحسب "وثيقة غليلي". ونددت غولدا بالمصريين الذين أرادوا تفاوضا على أساس حدود 1967 وهو طلب أيدته الجماعة الدولية كلها، واستخفت علنا بالرئيس السادات. وقدست آنذاك الوضع الراهن بتأييد أكثر القيادة العسكرية العليا. وقال الأكثرون ان واقع "لا سلام ولا حرب" هو أفضل خيار لاسرائيل.

والنهاية المأساوية معلومة: 2700 قتيل وعشرات آلاف الجرحى ونسيج اجتماعي تم هتكه واقتصاد فقد انتاجا وطنيا خاما لسنة كاملة في غضون ثلاثة اسابيع من المعارك.

 

ألعاب نارية وجبال كلام

مرت 38 سنة وها هو الدولاب يعود. ومرة اخرى تقدس القيادة الوضع الراهن، ومرة اخرى تفتخر بوضعنا الاقتصادي بل ان الاحتجاج الاجتماعي العادل لا يضعضع ثقة أكثر الجمهور بوضعنا الحسن.

يواصل نتنياهو زخم البناء في المستوطنات. ويتبين من معطيات المكتب المركزي للاحصاء التي نشرت مؤخرا ان "التجميد" الذي أعلنه نتنياهو لم يكن ولم يوجد ايضا. ففي 2010 بُني في يهودا والسامرة نحو من 1670 شقة كما في السنتين 2007 و2008، بل ان معدل الاسكان في 2011 زاد بـ 40 في المائة.

يتحدث رئيس الحكومة في ظاهر الامر عن حل الدولتين وعن تفاوض مباشر بلا شروط مسبقة لكنه يرفض التعبير عن موقف ولو ابتدائي، أين تمر الحدود بين الدولتين. عندما أُجري تفاوض مباشر في ايلول 2010 بين نتنياهو وأبو مازن، اقترح الجانب الفلسطيني اقتراحا اشتمل على تبادل اراض على أساس خطوط 1967، ودولة فلسطينية منزوعة السلاح وترتيبات أمنية اخرى. ورفض نتنياهو التطرق اليه أو أن يقترح اقتراحا مقابلا. ورفض ايضا قبول مخطط اوباما الذي قبلته 192 دولة، وبقيت اسرائيل واحدة مقابل 192.

ليس عندي شك في ان تقديس نتنياهو للوضع الراهن والذي تغطي عليه عروض بهلوانية وألعاب نارية وجبال من الكلام سيجلب علينا كارثة يوم غفران جديدة. لن يحدث هذا غدا ولا بعد غد، لكنه سيداهم أبوابنا بعد اسابيع أو أشهر. وسنفاجأ مرة اخرى برغم ان جميع الحروف كانت منقوشة على الحائط.

الخطر الاسوأ هو اليأس الذي أخذ يتفشى في المجتمع الفلسطيني. ان قيادتهم اليوم هي الأشد اعتدالا وتحارب الارهاب بنجاح. فبحسب شهادة قادة "الشباك" وقادة منطقة المركز على اختلاف أجيالهم، يبذل الفلسطينيون أقصى جهدهم من اجل ذلك ويعملون بنجاح على تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة وهم يشعرون برغم هذا أنه لا هدف لاعمالهم. وأخذ جزء يزداد من القيادة في الضفة يتحدث أكثر فأكثر عن حل "دولة واحدة للشعبين".

يمكن بعد سنة أو سنتين أن يأتي وفد فلسطيني الى مجلس النواب الامريكي والبرلمان الاوروبي ويقول: "نحن آخر شعب على الارض نوجد تحت نظام احتلال، وبلا حقوق سياسية. مطلبنا الوحيد هو نفس مطلب نلسون مانديلا القديم وهو "صوت واحد لكل واحد". وسيكون معنى تحقيق هذا المطلب نهاية دولة اسرائيل باعتبارها دولة يهودية ديمقراطية" ".

وقد يكون رد ممكن آخر من الفلسطينيين على الطريق المسدود هو حل السلطة وعودة اسرائيل الى احتلال الضفة احتلالا كاملا بما يفرح ناس اليمين المتطرف، شركاء نتنياهو الطبيعيين كما يُعرّفهم. ويحتمل عصيان مدني من نوع جديد يشمل جماهير ويحظى بتأييد العالم العربي. وربما تنشب، والعياذ بالله، انتفاضة جديدة بلا انذار تفاجيء الجميع ومنهم القيادة الفلسطينية.

 

هذا سيكون الحل

في 1973 قبل حرب يوم الغفران بثلاثة اسابيع، كتب لوبا اليئيف "مثل الهدهد"، وحذر الحكومة والجمهور بأن اسرائيل يكمن لها في طريقها ورطة كبيرة. وحظي لوبا وأشباهه بجام من السخرية والاحتقار. بل ان غولدا أسمته في دوائر مغلقة "شخصا اختل نفسيا".

اليوم، أصبحنا نحن، وقادتنا في الأساس، أخطر الأعداء على أنفسنا. حتى ان الخفاش في الظلام يبث على الدوام اشارات لتوجيه طريقه. والبوم يقف وعيناه مفتوحتان ورأسه وحدقتاه تتحرك كي لا تفوته أي حركة حوله. أما نحن فقط فنبيح لأنفسنا في ظهر يومنا أن نغمض أعيننا ونأسر حواسنا وعقولنا لنمنع أنفسنا أن نفهم أين نوجد والى أين نتحرك وأين قد نتعثر ونقع.

يرفض أكثر الشعب أن يفتح عيونه ويصغي آذانه لما يجري ويُسمع حوله. لا يجب علينا ان نبعد في الطيران مثل هدهد اليئيف الذي حاول عبثا ان يحذر من خطر 1973. ينبغي فقط ان نقوم على أرجلنا وننظر ونصغي ونصوب في شجاعة وتيقظ الأنظار الى الواقع وأن نستوعبه وأن ندرك انه لا يوجد خطر على مستقبلنا أكبر من استمرار الوضع القائم.

انه من الواضح للجميع ان انشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع ترتيبات أمنية مشددة، وتبادل اراض وضم ربع مليون مستوطن في الكتل الاستيطانية الكبيرة، مصلحة صهيونية ويهودية واسرائيلية حيوية. هكذا فقط سنضمن وجود اسرائيل بصفتها دولة يهودية ديمقراطية، ونتخلص من عزلة دولية أخذت تزداد.

        سيكون هذا هو الحل في نهاية المطاف. ونستطيع ان نجعل الامر المحتوم تفضلا منا نبادر اليه. وإلا فستكون مأساة يوم غفران آخر اذا دفعنا مرة اخرى ثمنا فظيعا عبثا.