خبر الأسرى ومعركة الأمعاء الخاوية..بقلم علي بدوان

الساعة 02:16 م|05 أكتوبر 2011

يتابع الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات ما اصطلح على تسميته بمعركة (الأمعاء الخاوية) أو الإضراب المفتوح عن الطعام الذي بدأه الأسرى والمعتقلون في سجون الاحتلال بأفئدته التي تدق وتتدفق فيها الدماء وهي تحمل العزيمة والإصرار من أجل العمل على تحريرهم وإطلاقهم من سجون الاحتلال، كما وعيونه شاخصة نحوه بكل تقدير واحترام، فهم كبرياء الشعب وفخاره وعزته وكرامته وصناع الطريق نحو فلسطين.

فقد بدأ المعتقلون والأسرى الفلسطينيون في سجون وزنازين الاحتلال الصهيوني إضرابا مفتوحاً عن الطعام فجر يوم الثلاثاء السابع والعشرين من سبتمبر المنصرم 2011، بدعوة أطلقها أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ما لبثت أن تحولت إلى دعوة عامة من جميع الأسرى المنتمين لكل القوى والفصائل الفلسطينية، في صرخة تحد عالية الصوت والإرادة في وجه سياسات الاحتلال وأجهزته الفاشية وفي مقدمتها إدارة مصلحة السجون، وفي مسعى لإنهاء العزل الانفرادي، ووقف سياسة الإهانة والإذلال، ومن اجل وقف سياسة المنع التعسُفي لزيارات الأسرى من قبل ذويهم.

وبالطبع، فان الإضراب المفتوح عن الطعام لم يكن الأول الذي يخوضه الأسرى والمعتقلون في سجون الاحتلال، فقد كانت الحركة الأسيرة ممثلة بجموع آلاف الأسرى قد اشتقت كل الوسائل الكفاحية في مقاومة الاحتلال من داخل السجون، وقد حولت تلك السجون والزنازين إلى أكاديميات لتخريج الطوابير الطويلة من الكوادر الوطنية المحنكة من أصحاب الخبرات الميدانية التنظيمية والسياسية والثقافية وحتى العلمية من بين جموع آلاف الأسرى الذي مروا أو مازالوا في سجون الاحتلال، ومنهم بعض القادة الكبار في الحركة الوطنية الفلسطينية، ومنهم الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، ومسؤول حركة فتح في الضفة الغربية وعضو لجنتها المركزية مروان البرغوثي، إضافة لقيادات ميدانية مؤثرة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، خصوصاً منها قيادات كتائب الشهيد عز الدين القسام.

في هذا المقام من الضروري إلقاء نظرة عامة عن أحوال الأسرى الفلسطينيين، فالوقائع تشير إلى أن أكثر من (800) ألف فلسطيني من أبناء فلسطين في الأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة قد تعرضوا للاعتقال والتوقيف منذ العام 1967 وحتى اللحظة. واليوم يقبع أحد عشر ألفا ومائة وتسعة أسرى في سجون الاحتلال، منهم حوالي (800) من قطاع غزة ، و(500) من القدس والأراضي المحتلة عام 1948، والباقي من الضفة الغربية المحتلة، كما يبلغ عدد المعتقلين من الأطفال حوالي (400)، و (33) معتقلة، و (16) نائباً من أعضاء المجلس التشريعي، وبضع مئات من الأسرى العرب الذين التحقوا بصفوف المقاومة في فلسطين. ومن بين الأسرى يقبع الآن في معتقلات الاحتلال (313) أسيرا ممن تجاوزت سنوات اعتقالهم الثلاثين عاماً وعلى رأسهم الأسير نائل البرغوثي، إضافة للمئات من القيادات الميدانية والسياسية، وفي مقدمتهم الأسير يحيى السنوار الذي وضعته سلطات الاحتلال من جديد في العزل الانفرادي. والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، وبعض قادة تنظيم حركة فتح في الضفة الغربية كمروان البرغوثي. وقد استشهد خلال تلك السنوات (200) أسير فلسطيني داخل المعتقلات الصهيونية.

الأسرى والمعاناة في سجون الاحتلال

ومن المعلوم بأن هناك أعداداً كبيرة من الأسرى يعانون من أمراض خطرة جراء انعدام الرعاية الصحية والطبية وسوء التغذية. كما يعاني قرابة ألف أسير منهم من حالات مرضية خطيرة تحتاج إلى علاج طارئ وعمليات جراحية عاجلة، فضلاً عن المئات من الأسرى الذين يعانون من الأمراض المزمنة ومضاعفاتها الخطيرة على حياتهم.

وفي هذا السياق، إن عمليات قمع الأسرى داخل السجون والمعتقلات على يد جيش الاحتلال وقواته الأمنية تواصلت بشكل مستديم، بل وتصاعدت في الأعوام الأخيرة بشكل ملحوظ، لكنها سجلت ارتفاعاً لم يسبق له مثيل منذ العام 2007 تزامناً مع قدوم مدير مصلحة السجون الجديد بيني كيناك.

وقبل عام ونيف مضى، استخدمت قوات الاحتلال وحدتي «نخشون» و«ميتسادا» في قمع الأسرى الفلسطينيين منذ سنوات، وهما الوحدتان اللتان استخدمتهما في اقتحام بعض أقسام سجن «عوفر» خصوصاً قسم «الوحدة الوطنية» كجزء من سلسلة انتهاكات طويلة لحقوق الأسرى التي تصنف وفقاً للقانون الدولي على أنها جرائم حرب.

ولا يوجد اختلاف بين عناصر «ميتسادا» أو «نخشون» من حيث التدريب والتسليح وحتى المهام والأهداف، وإن كانت الأخيرة قد شكلت لقمع المعتقلين بينما الأولى وظيفتها إنقاذ محتجزين، إلا أن الوحدتين قد استخدمتا لقمع المعتقلين، وأفرادهما مزودون بأحدث الأسلحة لقمع إرادة الأسرى العزل.

إن وحدة «نخشون» تعتبر من أكبر الوحدات العسكرية في جيش الاحتلال، وشُكلت خصيصاً حسبما هو معلن لإحكام السيطرة على السجون عبر مكافحة ما يسمى بأعمال «الشغب» داخلها، وهذه الوحدات الخاصة ترتدي زياً مميزاً كتب عليه أمن السجون.

ومن المعروف بأن هاتين الوحدتين القمعيتين مزودتان برصاص حي تستخدمانه في قمع الأسرى، وقد أصاب رصاصهما في إحدى حملاتها القمعية الشهيد محمد الأشقر، وهي ليست المرة الأولى التي يستشهد فيها أسير نتيجة لإصابته برصاص حي، إذ سبق وأن استشهد سبعة من الأسرى نتيجة إصابتهم بأعيرة نارية من قبل الجيش المدججين بالسلاح أو الوحدات الخاصة ومنهم الأسيران أسعد الشوا وعلي السمودي اللذان استشهدا في معتقل النقب في 16 أغسطس عام 1988 برصاص جنود الحراسة المدججين بالسلاح.

إن جرائم وحدات «نخشون» لم تقتصر على القمع والضرب والإيذاء المعنوي والجسدي ضد الأسرى، بل امتدت في كثير من الأحيان للمساس بالمشاعر والمقدسات الدينية، متمثلة بقذف المصاحف الشريفة على الأرض والدوس عليها وتدنيسها وتمزيقها.

إن أسرى فلسطين شكلوا دوماً مدرسة في العمل الوحدوي الفلسطيني، فهم أكثر من جسد الوحدة الوطنية الحقيقية المنشودة، وحدة الشعب والمقاومة، ووحدة العمل الفلسطيني في مقارعة السجان وسطوة الاحتلال، فهم بادروا أكثر من مرة لإعلان صوت الوحدة الوطنية في وجه الانقسام ومخاطره.

وأسرى فلسطين يستحقون كل الاهتمام والانتباه، وبذل كل الجهود من أجل تحريرهم وإطلاق سراحهم وهم مرفوعو الرأس بعزة وكرامة، حتى لو تطلب الأمر القيام بمبادرات نوعية لإطلاق سراحهم وتحريرهم وفق الطريقة التي تم فيها تحرير الآلاف منهم في عمليات التبادل التي تمت خلال فترات ماضية وتحديداً في أعوام 1979، 1983، 1985 حين تم إبرام اتفاقيات تبادل الأسرى بجنود للاحتلال تم أسرهم من قبل المقاومة الفلسطينية على يد حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل سنوات التواجد العسكري الفلسطيني في لبنان قبيل وبعيد العام 1983 .

المطلوب فلسطينياً وعربياً

إلى ذلك، تبرز أهمية القيام بحملة تضامن مع قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون الاسرائيلية، والعمل لدى جميع المؤسسات الدولية السياسية والقانونية والحقوقية من اجل فرض إطلاق سراحهم دون قيد أو شرط، حيث يقع على عاتق اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة وجميع المؤسسات الدولية والإنسانية ضرورة التدخل المباشر لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي لضمان تطبيق اتفاقية جنيف على الأسرى ومعاملتهم كأسرى حرب، والعمل على إجبار إسرائيل على إطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب من معتقلاتها. إن ملف الأسرى قضية هامة وحيوية، لاتقل أهمية عن سائر المواضيع الأخرى كما أن سلطات الاحتلال تسعى في سياق آخر إلى تجريد قضية الأسرى من مرجعياتها السياسية والقانونية وتحاول أن تحتكر هذا الملف لصالح رؤيتها وشروطها العنصرية وتجاهل وجود شريك فلسطيني، مع عدم الاعتراف بالمعتقلين الفلسطينيين كأسرى حرب، وما يشكّله من انتهاك للقانون الدولي المتعلق بأسرى الحرب، ومن ضرب لقرارات الشرعية الدولية المتضمنة حماية المدنيين في المناطق المحتلة.

وعليه يفترض من الجانب الفلسطيني والعربي أن يطرح دوماً الأساس القانوني لمعالجة هذا الملف وقضية الأسرى وفق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والقانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان، وأن تجد لها روافعها الفلسطينية والعربية للضغط على سلطات الاحتلال والعمل على تحريرهم وعودتهم إلى أسرهم وأبنائهم. ومن هنا تبرز أهمية وجود خطة للتحرك على المستوى الدولي وخاصة في دول الاتحاد الأوروبي لشرح أبعاد قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من مختلف جوانبها، فمن غير المعقول أن تثار مسألة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليت قياماً وقعوداً، مع الإهمال والصمت المريب خصوصاً الصمت الأميركي الذي انطلق أكثر من مرة للحديث عن الأسير الصهيوني الجندي الفرنسي الأصل جلعاد شاليت دون التطرق ولو لفظياً لقضية آلاف الأسرى في سجون الاحتلال.

لقد أثار الرئيس محمود عباس قضية الأسرى في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة السادسة والستين، في لفتة هامة، وهو أمر هام ويحمل دلالاته الايجابية، لكن الأهم في الأمر كله يتمثل في متابعة هذا الملف على كل الصعد لتحرير الأسرى وتحقيق حريتهم المنشودة على أرض وطنهم فلسطين. فكفى سنوات طويلة من الظلم والتنكيل داخل سجون الاحتلال.