خبر والآن، قليلا من الواقعية-هآرتس

الساعة 09:39 ص|05 أكتوبر 2011

والآن، قليلا من الواقعية-هآرتس

بقلم: شلومو افنيري

(المضمون: الحل الذي يعرضه الكاتب لاخراج الفلسطينيين والاسرائيليين من المأزق الحالي هو اجراءات تبني الثقة جزئية تحاول انعاش الطرفين رويدا رويدا دون أوهام مثالية - المصدر).

        كرر ابو مازن بخطبته في الجمعية العامة للامم المتحدة خطأ فلسطينيا راتبا: فالزعيم الفلسطيني لا يجب أن يقنع أمم العالم بل الاسرائيليين. فالدولة الفلسطينية ستنشأ فقط اذا أقنع الفلسطينيون الاسرائيليين بأنهم مستعدون حقا للعيش بسلام واعتراف متبادل معهم. وقد نجح الرئيس أنور السادات بفعل هذا في خطبته التاريخية في الكنيست التي حولته في طرفة عين من عدو لدود قاس الى أكثر الشخصيات شعبية في اسرائيل. وأبو مازن فضلا عن انه لم يتحدث الى الاسرائيليين فان كلامه العدائي الذي ذكّر بياسر عرفات (الذي مجده) ومن غير صدفة، عمّق شكوك الاسرائيليين في أهداف الفلسطينيين. ويحسن ألا نُكثر الكلام على خطبة بنيامين نتنياهو.

        إن اعلان الرباعية الذي يدعو الى تجديد المحادثات بلا شروط مسبقة هو انجاز سياسي لاسرائيل، لأنه يرفض التوجه الفلسطيني الذي أفشل باقامته شروطا سابقة (وقف البناء في المستوطنات والتزام اسرائيل بحدود 1967)، أفشل مجرد تجديد التفاوض. وخطت حكومة اسرائيل خطوة صحيحة حينما باركت القرار ورفض الفلسطينيين إياه يعرضهم بصفة رافضي التفاوض.

        هذا مهم لكنه غير جوهري. فحتى لو عاد الطرفان الى التفاوض فانه يصعب تخمين أن يستطيعا التوصل الى اتفاق لأنه واضح مبلغ التباعد بين مواقف الطرفين. اذا كانت حكومة اولمرت – لفني لم تتوصل الى اتفاق مع أبو مازن بعد سنتين تقريبا من المباحثات الجدية المسؤولة فواضح انه لا ينبغي أن نتوقع اتفاقا مع حكومة نتنياهو. وقد حُطم ايضا الوهم الشائع أن المفتاح في يد الولايات المتحدة منذ دخل براك اوباما البيت الابيض لأنه اذا كان رئيس امريكي لا ينجح مدة سنتين حتى في جلب الطرفين الى مائدة التفاوض فكيف سينجح في التقريب بين وجهات النظر في شأن الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين والترتيبات الامنية؟.

        حتى من يعتقد مثلي أن مشروع الاستيطان خطأ سياسي واخلاقي يجب أن يكون ساذجا جدا اذا اعتقد ان حكومة ديمقراطية تقدر بسهولة على اجلاء مئات آلاف المستوطنين، وعلى أن يتخلى الفلسطينيون عن حق العودة، وعلى أن يكون شعار مثل "القدس عاصمة الدولتين" قادرا على مجابهة شتى المشاكل المصاحبة لمكانة المدينة، أو أن يقبل الفلسطينيون – الذين لا يعتقدون أن اليهود أمة – دولة اسرائيل باعتبارها دولة الشعب اليهودي.

        ينبغي تغيير الاتجاه وأن ندرك انه لا يوجد الآن احتمال لتسوية دائمة وأنه بقي مخرج واحد فقط كما في قبرص وكوسوفو والبوسنة، مع عدم وجود احتمال واقعي لتفاوض في تسوية نهائية دائمة، ينبغي بذل الجهود السياسية في ترتيبات بديلة – اتفاقات بينية، وخطوات تبني الثقة واجراءات من طرف واحد (لكن متفق عليها) واستمرار التعاون العملي على الارض. وهذا في اللغة السياسية انتقال عن تجربة فاشلة الى احراز حل عام، والى مسارات جزئية لادارة الصراع في حين يكون الهدف النهائي "دولتان للشعبين"، هو الأفق السياسي الذي يوافق عليه الطرفان مبدئيا لكنهما عالمان بالصعاب المقرونة باحرازه الآن.

        ستكون هذه الاجراءات الجزئية خيبة أمل لجميع الأطراف: للفلسطينيين الذين يطمحون وبحق الى دولة وللاسرائيليين ايضا الذين يعتقدون ان من المناسب أن يعترف الفلسطينيون آخر الامر بأن هناك مكانا لحق الشعب اليهودي في سيادة واستقلال. لكن محاولة خفض قوة الصراع والتوصل الى اتفاقات عملية جزئية ممكن ايضا مع معطيات حكومة يمين في اسرائيل وعدم وجود سلطة فلسطينية شرعية فعالة، في ضوء الانقسام بين السلطة وحكم حماس في قطاع غزة.

        إن الكلام الناعم عن اتفاق نهائي في غضون سنة أو سنتين ليس بديلا عن سياسة واقعية تأخذ في حسابها الواقع الصعب على الارض. ان غير المضلل بأوهام مثالية ليس لها مستمسك في الواقع فقط هو القادر وحده على أن يدفع الى الأمام بقضايا الاسرائيليين والفلسطينيين معا ومساعدتهم على الخروج رويدا رويدا مع مرور الوقت من المواجهة الصعبة. أما الخطبتان في الامم المتحدة فأشارتا فقط الى عمق الفروق بين الطرفين.