خبر سرطان الأطفال والدولة المرتقبة! ... بقلم: د. إياد السراج

الساعة 06:49 م|03 أكتوبر 2011

سرطان الأطفال والدولة المرتقبة! ... بقلم: د. إياد السراج

قال الدكتور حسام الغوطي أخصائي أمراض الدم وهو يعتصر الألم "إنني لاحظت أن معدل انتشار بعض أنواع سرطان الدم في غزة هي أعلى من معدلاتها ربما في العالم كله..وإني أظن أن السبب الرئيسي يعود إلى الظروف الصحية والبيئية التي يعيشها القطاع، وخاصة المبيدات الحشرية والهرمونات التي تستعمل مع النباتات فهذه كلها أو معظمها مواد مسرطنة واستعمالها في القطاع يبدو أنه بدون نظام..إن ذلك يشكل خطراً على المجتمع وخاصة الأطفال".

 

الدكتور الغوطي ليس طبيباً عادياً فهو من الأوائل في الطب حتى في إسرائيل ذاتها وهو يقوم بالتدريس في جامعة تل أبيب ويأتي إلى غزة يومين في الأسبوع لمعاينة المرضى.

 

وما يقوله الطبيب البارز يعبر عن مأساة حقيقية ولا يستطيع أي عاقل إلا أن يسأل كيف سيصبح حال الناس وحال البلد حين تجف المياه الجوفية أو حين يصبح عدد السكان خمسة ملايين وعدد السيارات المستهلكة لسموم الديزل في الشوارع المزدحمة أكثر من مليون وتضج المدارس بالطلاب والجامعات بالدارسين دون أملٍ في وظيفة أو دخل لتتزايد طوابير الآلاف من البطالة.

 

المبيدات الحشرية تفترس أجساد الأطفال لأن البعض لا يعرف الضمير ويتاجر بالأرواح غير مبال إلا للربح والأكثر إيلاماً أن هؤلاء لا يعرفون القانون ولا نظام العمل واستعمال المبيدات والهرمونات فيقرروا من ذاتهم كيف تعالج الأمور، فهم في باب علمهم يعتبرون من الهواة وليسوا محترفين. وهذا هو حال معظم الناس والمهنيين في القطاع بسبب العزلة الجغرافية والسياسية الطويلة وبسبب الحصار على غزة الذي بدأ منذ الانتفاضة أو قبلها بمنع الاتصال مع العالم، حتى العمال الذين كانوا يعملون في إسرائيل بعشرات الآلاف وكانوا يتعلمون صناعة أو مهنة أو حرفة ويتطورون فيها، فأدى انقطاعهم لحوالي خمسة عشر عاماً أدى إلى توقف التعلم، تماماً مثل الأطباء الخريجين الذين توقفت استزادة العلم لديهم منذ تخرجهم وأدى ذلك إلى شيخوخة علمية مبكرة، وإذا بحثت أحوال أية مهنة اليوم تجد أن الجميع يعاني إلا فيما ندر، فليس هناك طوبرجي (بناء) أو مقاول عمال كما كان في الماضي، وليس هناك سباك معلم أو كهربائي معلم..فقد كسدت البضاعة وانقطع العمل والعلم سنيناً طويلاً.

 

سألت أحد خبراء الانترنت "أنتم محظوظون لأنه لا يلزمكم إلا جهاز كمبيوتر وتستطيع قطع المسافات عبر الانترنت؟" فقال "ليس صحيحاً فقد ذهبنا إلى مصر واكتشفنا كم نحن متخلفين في هذا الميدان عن مصر ذاتها".

 

قال جيمي كارتر الرئيس الأمريكي السابق مرة في غزة "إن الحصار على غزة يؤدي إلى تدمير الحضارة". وقالت سارة روي الباحثة اليهودية من جامعة هارفارد في كتابها المشهور عن غزة تحت الاحتلال وكيف أن كان هناك مخطط منذ الاحتلال بإبقاء غزة متخلفة في كل مجالات الحياة وخاصة الاقتصادية والعلمية وأن تظل مخزناً فقط لليد العاملة الرخيصة.

 

إن هذا المخطط لتبقى غزة أسيرة للتخلف قد أخذ بعداً شرساً مباشرة بعد اتفاق أوسلو، ثم بعد ذلك بوصول شارون إلى الحكم واجهازه على ياسر عرفات وعملية السلام وتطبيقه للانسحاب أحادي الجانب من غزة 2004 والذي شرح مستشاره أهدافه من ذلك وهي تجزئة الوطن الفلسطيني ومنع قيام الدولة، وتجميد عملية السلام ووقف التفاوض على الأرض أو القدس أو اللاجئين وإلقاء الهّم السكاني لغزة في وجه مصر.

 

ويتحدث كتاب إسرائيلي صدر في 1988 عن هذا الخيار "الانسحاب أحادي الجانب من غزة" ويصف فيه ما يحدث اليوم من انهيار بل يتوقع الحرب الأهلية بين الإسلاميين وأنصار منظمة التحرير، ويؤكد على التطورات ستؤدي إلى عزل غزة وافقارها وتخلفها وأن إسرائيل تتفرغ للاستيطان في الضفة الغربية.

 

فماذا نريد بعد كل ذلك؟

إن الضفة الغربية تتآكل الأرض من تحت أهلها بفعل الاستيطان، وتتآكل غزة بالحصار بانهيار اجتماعي وعلمي وخدماتي، والآن وبعد الخطاب الوطني الإنساني للرئيس أو مازن والتأييد الجارف الذي عبر عنه الشعب الفلسطيني وأصدقاءه في العالم فقد آن الأوان للخطوة الحاسمة في إعلان الوحدة الفلسطينية وذلك بإعلان تشكيل الحكومة الواحدة وإعلان تشكيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية وفوراً.

 

إن الخلاف بين حماس وفتح لا يجوز أن يكون مبرراً لانقسام الوطن وتجزئته، واذا كان كل الناس يقولون أن الانقسام يعتبر في خانة الاحتلال؟ فما هو الموقف من الاستمرار في هذا الانقسام بأيدي فلسطينية ومناكفات فلسطينية؟ فلتأخذ الفصائل وقتها لحل خلافاتها السياسية ولكن وقبل كل شيئ يجب ألا يبقى الوطن والأرض والشعب والمستقبل رهينة لأحد الفصائل أو غيرها.

 

ندعو أبو مازن والأخ خالد مشعل إلى الاعلان من غزة عن تشكيل الحكومة الواحدة بحضور رئيس وزراء مصر وأمير قطر وملك الأردن والسيد أردوغان والرئيس جيمي كارتر ورئيس وزراء النرويج وأمين عام جامعة الدول العربية في احتفال وطني دولي.

 

يبقى بعد ذلك أن نطالب المجتمع الدولي بحماية الدولة الفلسطينية سواءً كانت عضواً مراقباً أو كامل العضوية في الأمم المتحدة وذلك بوضعها تحت الحماية الدولية وذلك لحماية أرضها من الاستيطان ثم لحماية الفلسطينيين من أنفسهم حتى لا تتكرر مأساة الانقسام وأيضاً من أجل تسيير الخطوات نحو التقدم والبناء المؤسساتي للدولة تحت إشراف علمي دولي، والبناء النهضوي ليس مجرد شوارع وأبنية اسمنتية ولكنه بناء علمي يعتمد على التقدم العلمي الذي يفصل بيننا وبين العالم..إن المسئولية الوطنية والحضارية تطلب من الجميع القرار الوطني اليوم قبل الغد وكفانا.