خبر فليكن يوماً.. لتعزيز للمقاومة وخيارها.. علي عقلة عرسان

الساعة 11:36 ص|30 سبتمبر 2011

الولايات المتحدة الأميركية و" إسرائيل" والأوربيون وبعض أطراف الرباعية.. كل أولئك يريدون من الفلسطينيين ألا يتفقوا، ويرون في اتفاقهم خطراً على "السلام"؟! وفي بدايات الاختلاف بين فتح وحماس قبل سنوات قالوا: لا يوجد شريك مفاوض يمثل الشعب الفلسطيني لأنه منقسم إلى سلطة لا تعترف بحماس وحماس لا تعترف بالسلطة.. وهذا يوقف يعرقل عملية السلام.!؟ واللعبة واضحة منذ البدايات البعيدة البعيدة، وهي مستمرة حتى الآن وسوف تستمر.. ولكن بعض الفلسطينيين والعرب كانوا يكذبون على أنفسهم ويصدقون أكاذيب الآخرين ويريدون أن يتجرعوا كمية أكبر من الأوهام تسوِّغ لهم الاعتراف بالعدو الصهيوني، وتقديم تنازلات له في أثناء المفاوضات معه، والتنسيق معه ضد المقاومة الفلسطينية ذاتها وضد كل ومن يرفضون التنازل له والاعتراف به.. وذلك  من أجل خيار "السلام" كما كانوا يقولون، وللظهور بمظهر يرضي المانحين، والأميركيين من بينهم على الخصوص، وهم الذين يحتضنون التطرف الصهيوني ويمولونه ويدفعون أطرافه إلى أقصى حدود التطرف والإرهاب والإجرام والاستيطان بسكوتهم عنهم وحمايتهم عند اللزوم. 

لكن نحن اليوم أمام اتفاق فلسطيني ـ فلسطيني يرفضه الأميركي والإسرائيلي، ويقول عنه شمعون بيريس ونتنياهو، رأسا الأفعى أو رأسا دولة الإرهاب العنصرية ـ بصوتين من رأس واحدة: " "الاتفاق بين فتح ومنظمة الإرهاب حماس هو خطأ فتاك سيمنع إقامة دولة فلسطينية ويُخرب على فرص السلام والاستقرار في المنطقة"؟! وترفضه الولايات المتحدة الأميركية، ويغمغم حوله الغرب الأوربي، وتدخل الرباعية في مناخ تلك الغمغمة بأسئلة مشكوك في شرعيتها وعقلانية طرحها.

الشعب الفلسطيني اليوم واحد، والشعب الفلسطيني اليوم موحد ـ بعون الله ومشيئته ـ  وله أكثر من خيار مقبول منه ومن كثيرين في العالم: خيار التفاوض وخيار المقاومة، خيار الاعتراف بالعدو وخيار رفض الاعتراف به ورفض التطبيع معه.. إلخ وقد أصاب الرئيس عباس في رده على نتنياهو حين قال له في رده عليه ما مضمونه : "  لن أختار بين إسرائيل وحماس، حماس جزء من الشعب الفلسطيني".. وقد فرضت هذه الحقيقة نفسها أخيراً على السياسة التي حاولت أن تتملص من خيارات ليست خياراتها، لأن نهجها الذي سارت فيه، وقد تكون مجبرة على ذلك بسبب إقبالها على خيار سلام " الاستسلام" الذي قال به العرب منذ قمة فاس، الأمر الذي يؤدي إلى نبذ خيار المقاومة والتصدي لمن يقول به..

نحن أمام مصالحة لا معدى عنها ولا خيار لمن يختار سواها، وفي هذا الإطار علينا أن نقبل التيارات المتعارضة داخل الساحة الفلسطينية، في إطار سياسي تقيمه ديمقراطية سليمة وحرية اختيار مسؤولة تعبر عن ثوابت وحقوق ومصالح لا يستطيع فلسطيني أن يلغي إرادة فلسطيني آخر بشأنها.. ومن بعد فالزمن كفيل بحسم الأمور لمصلحة تيار وخيار.. لكن الإلغاء المسبق أو القبول بشرط من يشترط على الفلسطيني الإلغاء المسبق والمصادرة المجانية للرأي الفلسطيني الذي لا يتوافق مع المطالب الإسرائيلية.. أمر مرفوض كلياً ومدان أخلاقياً.. ومن ذلك الذي يشترط على حماس ويطالبها بأن "تعترف بإسرائيل ونبذ الإرهاب"، أي أن تصم نفسها بالإرهاب؟! بينما هي حركة مقاومة مشروعة قانونياً وأخلاقياً وشعبياً، تعمل ضد الاحتلال الصهيوني والعنصرية وإرهاب الدولة المستمر في فلسطين وضد شعبها منذ سبعة عقود ونيف من الزمن.. وهو الشعب الذي عانى كما لم يعاني شعب من قبل، وصمد في وجه احتلال عنصري أبشع من النازية، أكثر مما صمد أي شعب في العالم، ومهر خياراته وعلى رأسها الحرية التي يستحقها بالدم وأنواع التضحيات.

لقد قالوا في غزة كلاماً منطقياً مسؤولاً، بوصفهم جزءً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال وتياراً عريضاً من تياراته، وهي مطالب شعب مشروعة يقف خلفها فلسطينيون وعرب وأحرار كثر في العالم كله.. قالوا:

ـ بعدم الاعتراف بالمحتل الصهيوني وبدولة " إسرائيل" على أرض فلسطين العربية تاريخياً..

ـ وبأنهم مع أية دولة فلسطينية تقوم على أي جزء من أرض فلسطين لتكون منطلقاً لتحرير فلسطين كلها..

ـ وبخيار المقاومة الذي لا يصادر خيار من يرون في التفاوض خياراً يفضي إلى الحقوق الفلسطينية كافة.. هذا إذا أفضت إلى شيء.

وتلك لعمري خيارات ومقولات فلسطينية وعربية أصيلة وثابتة ومشروعة، حقَّانية وعادلة، وهي قديمة متجددة وباقية في العقل والوجدان، وتسكن ضمير كثيرين من الفلسطينيين والعرب الذين لا يرون لإسرائيل حقاً في فلسطين يؤهلهم للمطالبة بدولة، وأن لكل يهودي يريد العيش في دولة فلسطينية ذات سيادة تامة على الأرض والشعب، الحق في ذلك، وهو مرحب به بوصفه أقلية دينية لا يرفضها المسلمون ولا المسيحيون، ويرون أنها تؤهله ليكون على قدم المساواة معهم في الحقوق والواجبات في أرض المحبة والسلام.

إن هذا الخيار، خيار عدم الاعتراف والمقاومة حتى التحرير، مشروع ومنطقي ومعقول، ولا يوجد خيار مقبول أكثر منه مستقبلياً لعدة أسباب وحقائق ووقائع وأمور منها: أنه لا يمكن التعايش من كيان صهيوني عنصري يقوم على الإرهاب، ويريد اجتثاث الآخر، ويعمل منذ عقود على إبادة الشعب الفلسطيني مادياً ومعنوياً بشتى الطرق وبأساليب البطيئة والسريعة.. وأن هذا الكيان الدخيل كلياً على المنطقة هو بؤرة التوتر المستمرة فيها، لأنه يستهدف العرب والمسلمين: روحياً ومادياً، يستهدف الجغرافية الطبيعية والبشرية، والموارد والثروات والموقع الاستراتيجي، ويستهدف العروبة والإسلام والذاكرة والتاريخ والثقافة والحضارة، أي الهوية بمقوماتها وقيمها.. وهو رأس حربة الغرب الاستعماري في الوطن العربي، وقلعة استعمارية عنصرية متقدمة تشن حرباً معاصرة مستمرة بأشكال متعددة، وقد كانت الحروب الصليبية من قبل فصلاً من فصولها.    

  إنني في الوقت الذي يتقدم فيه الفلسطيني المفاوض إلى مجلس الأمن الدولي مطالباً بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية على 22% من فلسطين التاريخية، معلناً ضمنياً، الاعتراف بدولة صهيونية على 78% منها ومشيراً إلى القرار 181 لعام 1947 بوصفه سنداً ومتجاوزاً عن الإشارة إلى القرار 194 لعام 1948 لأمر ما.. في هذا الوقت أبارك دولة قد يأتي بها جهد الفلسطيني المفاوض بوصفها جزءً من حق للشعب الفلسطيني، ومنطلقاً له لتحرير أجزاء الوطن الفلسطيني الأخرى الممتدة من البحر إلى النهر، وأرفض مع الفلسطيني المناهض الاعتراف بدولة "لإسرائيل" على أي شبر من فلسطين، لأن ذلك يعني في أبسط المفاهيم والمعايير والاستحقاقات: انتزاع حق للشعب الفلسطيني في جزء أرضه ووطنه التاريخي.. وهو ما لا يجوز الإقدام عليه، لأن الوطن ملك الأجيال الفلسطينية القادمة على الخصوص وملك كل من يرى فلسطين قضية عربية وجزءً من الوطن العربي اختطفه الاستعمار وما زال.. والاستعمار والاحتلال مثله مثل العنصرية والصهيونية يقاوَم ولا يفاوَض.

وعلى هذا فإن تعزيز خيار المقاومة، مادياً وروحياً، وفق استراتيجية وتطلعات وثوابت وبرامج مستقبلية طويلة النفَس، أمر مطلوب فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ومن أحرار العالم وممن يناصرون العدل وحق تقرير المصير وقضايا الشعوب.. وعلينا ألا نجعل ذلك الخيار، خيار المقاومة، يضعف ويتهاوى مع كثير مما يضعف ويتهاوى في وطننا العربي اليوم، ولا نسمح بأن يتغلغل في ثناياه الموت في ظلال الإقبال على " بهجة" الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية على 22% من فلسطين، ينطوي ضمنياً على اعتراف فلسطيني وعربي بدولة "لإسرائيل" على 78% منها. وليكن يوم "الابتهاج" بالاعتراف الدولي بدولة فلسطين هو يوم تعزيز للمقاومة وخيارها المشروع ولثبات نهجها وترسيخها وتثبيت وخطاها وحضورها في الأنفس والمواقع والساحات الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية المناصرة للحق والعدل والحرية في العالم.

وسوف أتقدم قبل ذلك اليوم لأشقائي ولمن يعنيهم هذا لأمر، إن شاء الله تعالى، بمقترح يتضمن برنامج عمل لتعزيز المقاومة، أضعه مسوَّدة بين يدي المناضلين والمقاومين والمؤمنين بحق الشعب الفلسطيني في وطنه التاريخي فلسطين بالنضال طريقاً للوصول إلى ذلك الحق، يحبِّرون على تلك المسوَّدة ما يؤدي إلى تعزيز ذلك الخيار، وما يحوِّل الكلام الذي على الورق إلى إيمان في الأنفس، وعمل على أرض الواقع، وخيارات استراتيجية ونهج سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي.. يمتد ويمتد حتى فجر التحرير الشامل ولو كان ذلك بعد أجيال وأجيال.. لأن الأمم لا تموت فالحق يحييها وهي تحي الحق.. والمهم والأهم والمقدَّم على كل أمر واختيار وقرار هو: ".. ألا تضيع فلسطين باعتراف فلسطيني وعربي بدولة للكيان الصهيوني العنصري على أي جزء منها بأي شكل من الأشكال.".. و" لنا الله" كما قال الرئيس محمود عباس للرئيس باراك أوباما من قبل ومن بعد.

ولينصرن الله من ينصره، ونصرة حق وشعب نُصرة لله لأن الله عدل يحب العدل، وحق يحب الحق وينصره.