خبر ماذا بعد « معركة أيلول التاريخية »؟ - ياسر الزعاترة

الساعة 09:10 ص|30 سبتمبر 2011

ماذا بعد "معركة أيلول التاريخية"؟ - ياسر الزعاترة 

ها هي وجبة النضال العظيمة التي خاضتها السلطة قد انتهت، وها نحن نجلس في انتظار النتيجة النهائية. ولا نعرف كم سيستغرق الانتظار. هل هي أسابيع أم أكثر من ذلك؟

 

 لندع رأينا ورأي كثيرين في الشارع الفلسطيني ممن عارضوا تلك الخطوة، ولندع أيضا ذلك الاحتفال العظيم الذي واكب "المعركة التاريخية" بحسب البعض (ما أكثر المعارك التاريخية في سجلنا الفلسطيني، وما أكثر المصطلحات الملتبسة مثل الهجوم التفاوضي الثوابت التاريخية.. إلخ).

 

لندع ذلك كله، ولننس أهداف "المعركة التاريخية" ممثلة في محاولة الهروب من سؤال فشل مشروع التفاوض التاريخي معطوفا على رفض "العسكرة" الذي تبناه محمود عباس منذ أيام الراحل ياسر عرفات (هو الذي وفر الأجواء الضرورية للتخلص منه)، ولنسأل: ماذا بعد؟

 

والحق أن سؤال ماذا بعد سيبقى هو ذاته سواء نجحت "الخطوة التاريخية" وحصلنا على الدولة العتيدة ذات العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، أم حصلنا على دولة بصفة مراقب، أم تم التفاهم على صفقة أخرى لاستئناف التفاوض، لاسيما أن الدولة المشار إليها ستبقى تحت الاحتلال ومن الضروري أن نسأل قيادتها (التاريخية أيضا بحسب المطبلين لها ممن كانوا يشككون فيها أيام انقلابها على ياسر عرفات بدعم الأميركان والإسرائيليين)، من الضروري أن نسألها عن الخطوة التالية، لاسيما الطريقة التي سيكون بوسعها تحرير أراضي الدولة العتيدة.

 

ثمة معطيات بالغة الأهمية على الذين سيحاولون تدبيج الإجابة عن سؤال "ماذا بعد؟" في الحالتين أن لا ينسوها، لعل أهمها ذلك الانحياز الأميركي غير المسبوق للكيان الصهيوني، والذي ترجمه على نحو مفضوح خطاب أوباما في الأمم المتحدة، والذي يبدو من العبث ربطه فقط بمساعي الأخير الحصول على تأييد اللوبي الصهيوني من أجل الفوز بولاية ثانية، وتجاهل حقيقية هيمنة ذلك اللوبي على معظم أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لاسيما أن ولاية أوباما الأولى وقبله جورج بوش وبيل كلينتون بولايتيهما لم تأت للفلسطينيين بغير بعض الكلام المعسول معطوفا على وعود الدولة التي يغرق العالم في تفاصيل حدودها وسيادتها ومصير قدسها، في حين حسم الجميع بمن فيهم رئيس السلطة مصير لاجئيها (تحدث في خطابه "التاريخي" في الأمم المتحدة عن "حل عادل ومتفق عليه" للقضية، وليس ثمة عاقل يمكن أن يعتقد أن حلا متفقا عليه يمكن أن يعني عودة اللاجئين للأراضي المحتلة عام 48، وقد سبق للقيادة العظيمة كما أثبتت وثائق التفاوض أن وافقت على الاكتفاء بعودة 100 ألف فلسطيني فقط على مدى عشر سنوات، ثم نزل العدد إلى 30 ألفا، ثم وافق أولمرت على 10 آلاف إلى أن جاءت تسيبي ليفني لتقول لمفاوضينا الأشاوس إن عدد من سيعودون هو صفر لا أكثر!!).

 

من يتوقع أن أوباما بطبعته الجديدة بعد فوزه بولاية الثانية (إذا فاز بالطبع)، فضلا عن أي زعيم أميركي آخر سيقف إلى جانب دولة فلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس الشرقية، من يتوقع ذلك هو شخص غارق في الخيال من دون شك، إذا لم يكن يقصد تضليل الجماهير وبيعها الأوهام.

 

ومن يتذكر التنازلات التي قدمها المفاوض الفلسطيني في القدس وتبادل الأراضي كما كشفت ذلك وثائق المفاوضات ثم رفضها الإسرائيليون سيتأكد من ذلك من دون أدنى شك.

 

نشير دائما إلى وثائق المفاوضات التي كشفتها الجزيرة لأن القوم لم ينكروها، حتى لو زعموا أنها قرئت مجتزأة، فلم ينكر أحد منهم قصة اللاجئين، ولا التنازلات في القدس (دعك من خطأ نسبة التبادل في الأراضي الذي لا يغير شيئا في واقع الحال)، ولا حاجة للتذكير بأن تبادل الأراضي يعني بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة في عمق الضفة الغربية، بما يعنيه ذلك من تقسيم الكيان الفلسطيني إلى "كانتونات" سيجري ربطها بطرق مبتكرة بحسب ما كشفت وثيقة جنيف وملحقها الأمني، وهي وثيقة تحظى بمباركة السيد الرئيس وطاقمه التفاوضي كما يعرف الجميع.

 

نحن إذن أمام واقع أميركي لا يجوز تجاهله بأي حال، وإلى جانبه واقع أوروبي لا يبدو في وارد الدخول في إشكالات مع الدولة العبرية، لاسيما إذا وقفت واشنطن معها بكل ما أوتيت من قوة.

 

الجانب الآخر الذي يجب أن لا ينساه عاقل بأي حال هو ذلك المتعلق بموقف الدولة العبرية في ظل قيادة نتنياهو وليبرمان من مسألة المفاوضات، والسقف الذي يمكن أن تبلغه "تنازلاتها" فيما يتعلق بالقضايا الرئيسة (الأرض، السيادة، المستوطنات، القدس، اللاجئين).

 

وإذا كان نتنياهو يرفض حتى اللحظة التنازل عن مناطق الغور التي تشكل 30% من الضفة الغربية، فهل ثمة عاقل يتوقع أن يقدم تنازلات جوهرية في القدس الشرقية التي لا يزال يطاردها بالمزيد من التهويد والاستيطان؟!

 

ولعل ما يجب أن يتذكره البعض هنا هو أن المعضلة لا تتعلق بنتنياهو وليبرمان فقط، بل بسائر أركان الدولة العبرية. وإذا كان ثنائي (أولمرت- ليفني) "الوسطي"، وقبلهما باراك "الحمائمي" لم يقدما للفلسطينيين عرضا نهائيا ينطوي على الحد الأدنى من الكرامة، بخاصة في ملف القدس، فهل يتوقع لأي تحالف جديد في الدولة العبرية أن يقدم مثل هذا العرض؟!

 

هنا يقرع أسماعنا من جديد سؤال (ماذا بعد؟). وبدورنا نصرخ به ملء أفواهنا في مواجهة من صدّعوا رؤوسنا بقصة الدولة، سواء كانت عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة، أو بصيغة الفاتيكان، أو أي شيء آخر، ونتساءل من جديد عن الحل في رأيهم، وهل أن جواب محمود عباس التقليدي لهم بأن فشل التفاوض يستدعي المزيد من التفاوض، وأن بديل المفاوضات هو المفاوضات، هل يبدو هذا الجواب مقنعا لهم؟!

 

وإذا لم يكن كذلك، فهل يعتقدون أن النضال السلمي الذي يتحدث عنه عباس بين حين وآخر على استحياء سيكون حلا بالطريقة التي يجري ترتيبها في الضفة الغربية؟! وإذا كان الجواب المتعلق باستمرار المفاوضات غير مقنع بحال من الأحوال، حتى لو وقع استئنافها من جديد، فهل يبدو الجواب الآخر مقنعا؟!

 

من وجهة نظرنا التي يشاركنا فيها قطاع عريض من أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج، فإن المقاومة السلمية التي يتحدث عنها الرئيس الفلسطيني لا تعدو أن تكون ضحكا وتهدئة للجماهير وهروبا من سؤال البديل الذي يلاحقه أينما حل وارتحل، بينما الحقيقة أن بديله الوحيد هو التفاوض واستمرار التفاوض، وصولا إلى تكريس حل الدولة المؤقتة (في حدود الجدار) ذات النزاع الحدودي مع جارتها (هي ذاتها المرحلة الثانية من خريطة الطريق)، ولعل ذلك التوقيت سيكون الأنسب في حينه لحصول الدولة على الاعتراف الدولي الكامل، إذا لم يحدث قبل ذلك، وسيكون النزاع الحدودي بينها وبين جارتها محض نزاع عادي مثل كثير من النزاعات الأخرى، في حين يأمل الإسرائيليون أن يؤدي ذلك إلى إقناع قيادتها بمرور الوقت بحل نهائي يقترب من رؤيتهم فيما يخص قضايا القدس والأرض والسيادة (موضوع اللاجئين خارج التداول).

 

لا نقول ذلك لأننا ضد المقاومة السلمية، بل لأننا نشكك في أن الرجل يريد مقاومة سلمية حقيقية من اللون الذي يفرض التنازلات على المحتل، بل إننا نرى أن بوسع تلك المقاومة لو كانت جادة أن تفرض الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 من دون قيد أو شرط، ومن دون الاعتراف للعدو بما تبقى من أرض فلسطين  التاريخية (هو فقط 78% منها كما تعلمون!!).

 

كيف يقنعنا القوم بأنهم جادون في مقاومة الاحتلال (سلميا) وهم ينسقون معه أمنيا آناء الليل وأطراف النهار، ويواصلون اعتقال المجاهدين وضرب أية أسس فكرية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية أو اقتصادية للمقاومة في الضفة الغربية؟!

 

من المدارس إلى الجامعات إلى المساجد ومؤسسات المجتمع المدني، وضمن رؤية هدفها إعادة تشكيل الوعي الجمعي للناس، تدور رحى معركة شرسة من أجل ضرب أسس المقاومة في الضفة الغربية، ومع ذلك يتبجح القوم بالحديث عن المقاومة السلمية.

 

المقاومة السلمية الناجعة ضد الاحتلال ليست استعراضا في ميدان المنارة في رام الله أو مظاهرة أسبوعية في بلعين ونعلين وسواها، بل هي اشتباك دائم مع حواجز الاحتلال وجنوده ومستوطناته ودماء وتضحيات، ورفض للتنسيق الأمني وإعادة تشكيل لوعي المجتمع في اتجاه الاكتفاء الذاتي ورفض المعونات المشروطة وحشد جماهير الأمة في الصراع، مع حث الشتات الفلسطيني على التحرك بكل الوسائل من خلال الحدود المجاورة.

 

هذه هي المقاومة السلمية، فهل لدى القوم نوايا من هذا النوع؟ كلا بالتأكيد، أقله حتى الآن. ونحن نعرف أن قيادة تريد السير في هذا المضمار ينبغي أن تضع روحها على كفها وتشرع في المواجهة. أما الذين يعملون على توفير أجواء "البزنس" الناجح لأبنائهم وأقاربهم، ومن ينتظرون بطاقات "الفي آي بي" من المحتل، فليست لديهم نوايا مقاومة، وهم ليسوا مؤهلين لذلك بأي حال.

 

نستأذن القراء الأعزاء في أخذ هذا الاقتباس الطويل للتسلية والفائدة، وهو جزء من مقال للكاتب الإسرائيلي والمحلل الأمني والعسكري المعروف إليكس فيشمان نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 16/9/2011، وكان بعنوان "خطة ضبط النفس".

 

يقول الكاتب "قبل نحو أسبوعين حضر ضيوف غير معتادين إلى موقع أمني إسرائيلي مهم، وكانوا ممثلين عن أجهزة الأمن الفلسطينية. وقد طلبوا الحصول على وسائل "عدم قتل" لتفريق المظاهرات (قنابل إحداث صدمة، قنابل غاز، غاز مسيل للدموع، قنابل دخان، وسيارات لرش الماء). فقد استوعبوا هناك في السلطة فجأة أن الردع وحده لن يكفي وأنهم قد يفقدون السيطرة.

 

إلى ما قبل شهر اعتاد ضباط في أجهزة الأمن في الضفة أن يسخروا على مسامع نظرائهم الإسرائيليين من الذعر الذي أصابهم والاستعدادات المبالغ فيها –في رأيهم- من قبل الجيش الإسرائيلي استعدادا لأحداث استحقاق أيلول (إعلان الدولة). وفجأة مُحيت ابتساماتهم أيضا. فقد أدركوا فجأة أن المارد على هيئة جمهور متحمس مُحرَّض، حتى لو أخرجوه هم أنفسهم من القمقم، قد لا يعود إلى الداخل كما وقع في تونس ومصر وليبيا. وهذا المارد قد يغرق الحلم الفلسطيني بالاستقلال في الدم والنار أيضا.

 

احتاجت وزارة الدفاع إلى عدة أيام لإمضاء الطلب الشاذ. بل إن الأميركيين الذين أوكل إليهم تدريب كتائب أمن السلطة والإنفاق عليها طلبوا من إسرائيل المساعدة. وأوصى الجيش الإسرائيلي أيضا بالاستجابة. وفي نهاية الأمر أجاز المدير العام لوزارة الدفاع جزءا من صفقة الشراء". (انتهى الاقتباس).

 

في مواجهة هذه العبث ينبغي أن تنشأ جبهة فلسطينية من سائر قوى المقاومة، ومن ضمن ذلك رموز من حركة فتح ترفض ما يجري وتتبنى خيار المقاومة ضد الاحتلال بعيدا عن هاجس الحفاظ على سلطة أوسلو وتلبية استحقاقاتها (يمكن إدارة قطاع غزة بالتوافق بوصفه منطقة شبه محررة).

 

وإذا لم يحدث ذلك، فسنظل في انتظار الانتفاضة الشعبية العارمة ضد الاحتلال وضد السلطة التابعة، والتي ستفرض نفسها على الجميع. انتفاضة يشارك فيها الشتات الفلسطيني بقوة. انتفاضة تستلهم الربيع العربي وتلتحم معه بكل الوسائل وصولا إلى كنس هذا الاحتلال نهائيا من الأرض الفلسطينية.