خبر اللحظة الفلسطينيَّة المتأزمة.. تختزل الوضع العربي / د. أسامة عثمان

الساعة 01:47 م|29 سبتمبر 2011

اللحظة الفلسطينيَّة المتأزمة.. تختزل الوضع العربي / د. أسامة عثمان

الاستفزاز هو أقلُّ ما يشعر به الفلسطينيون، بعد خطاب أوباما، الرافض للطلب الفلسطيني، بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، وبعضُ الفلسطينيين أحسّوا بالخيبة المريرة، فقد جاءت مواقف الرئيس الأمريكي متطابقةً مع مواقف الحكومة "الإسرائيليَّة" الأكثر تطرفًا وبلادةً، كما وصفها الكاتب الأمريكي اليهودي، توماس فريدمان، هذا الموقف الذي يصرُّ على أن التفاوض هو الوسيلة المقبولة للحصول على الدولة الفلسطينيَّة التي أيّد أوباما حقَّ الفلسطينيين بها.

كان لهذا الموقف الأمريكي أن يكون منطقيًّا، ومتفَهَّمًا، لو لم تختبرْ إدارة أوباما حكومة نتنياهو عن قرب، ولو لم تَخْذِل تلك الحكومة اليمينية السافرة، المساعي الحثيثة للمبعوث الخاص، للعمليَّة السلميَّة، جورج ميتشل، ولو لم تصفع هذه الحكومة الاستيطانيَّة إدارة أوباما، مرارًا، وليس فقط حين أعلنتْ "لجنة البناء والتنظيم" إقامة 1600 وحدة استيطانيَّة داخل مدينة القدس، لِتوجِّه إهانة، لإدارة أوباما ونائبه، جون بايدن، الذي كان لا يزال في زيارة إلى "إسرائيل"، محاولا تسليك قنوات التفاوض المتعثرة، بسبب إصرار نتنياهو على الاستيطان.

لكن أوباما المُشَكَّك بدرجة ولائه لـ "إسرائيل"، من اليمينيين "الإسرائيليين"، والذي خاض مواجهة مع نتنياهو، بسبب اشتراطه تجميد الاستيطان، والذي حظي نتنياهو بتأييد في الكونجرس الأمريكي يفوق التأييد الذي يناله هو شخصيًّا، حتى بلغ به الأمر، بحسب (صحيفة نيويورك تايمز) أن استعان بنتنياهو؛ ليقنع الكونجرس بعدم حجب المساعدات الماليَّة الأمريكيَّة للسلطة الفلسطينيَّة، هذا الرئيس الأمريكي اختار أن يقدم رغبته في الفوز بولاية رئاسيَّة ثانية، على الوفاء بعهوده لدعم السلام.

كما اختار أن يبقى في منطقة التعاطف العميق، والاستراتيجي من الشعب الأمريكي؛ إجمالا، لـ "إسرائيل" مهما فعل قادتُها؛ فهي الضحية، وسط منطقة تتربص بهم، وهي الديمقراطيَّة، وسط منطقة لا تعرف إلا بالديكتاتوريَّة والإرهاب والفوضى، وَفْق الدعاية الصهيونيَّة واليهودية الأمريكيَّة المؤسَّسة، والبالغة التأثير.

صحيح أنه قد يكون ثمة سبب آخر، يقف وراء هذا التعاطي الأمريكي، مع طلب الفلسطينيين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهو الرفض الأمريكي التاريخي لتدويل ما يسمى بالنزاع العربي، والفلسطيني «الإسرائيلي»، وهو ما عبَّر عن الاستياء منه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، حين قال: «إن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تنجح، من دون أوروبا، داعيًا إلى تغيير في الأسلوب للخروج من المأزق» وموضحًا أنه لا بد من التوقف عن "الاعتقاد بأن بلدًا واحدًا بإمكانه أن يحلَّ مشكلة بهذا التعقيد" في إشارة ضمنيَّة إلى الإشراف الأمريكي على جهود السلام في الشرق الأوسط.

لكن من الواضح، على المستوى الأعمق أن أمريكا تختار الانحياز إلى الرضا «الإسرائيلي» حتى على حساب مصالحها، وصورتها في العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط، البالغة الأهمية لها، والتي تمر بمرحلة انتقاليَّة متحركة؛ بسبب رياح التغيير التي تهب، والثورات، فقد كان أبرز ما لفت الأنظار أن أمريكا تهدر ما حشدته -ولو ضئيلا، وسطحيًّا، كان ذاك الحشد- من تحسُّن في صورتها، عربيًّا، بعد أن تساند بقاء الحكام غير المرغوب بهم شعبيًّا، ولم يستطع المتابعون تجنب المفارقة الفاضحة بين تأييد الإدارة الأمريكيَّة لحق شعوب العربيَّة في الحرية وتقرير مصيرها، وحجب هذا التأييد، إلى حد الإفشال، للمطلب الفلسطيني بالتحرر من الاحتلال الأطول والمستمرّ، والذي لم تنفعْ معه عشرون عامًا من التفاوض.

فقد تماهى أوباما مع اليمين الصهيوني، مقتربًا من الكونجرس الذي يزايد على مواقف نتنياهو وليبرمان؛ حتى وصفته الصحافة «الإسرائيلية» بأنه سفير «إسرائيل» في الأمم المتحدة؛ لأنه رهن الدولة الفلسطينية بالموافقة "الإسرائيليَّة".

لكن الأكثر غرابةً ليس الموقف الأمريكي، ولكنه العربي الرسمي الذي لا ينجح، حتى الآن، برغم خذلان أمريكا الواضح، لأقرب حكام المنطقة، حين لم يعودوا يصلحون لتحقيق مصالحها، لم ينجحْ في بلورة استراتيجية أكثر إقناعًا وجِديَّة، في التعامل مع السياسة الأمريكيَّة، تجاه القضية الفلسطينيَّة, ولا يزال يكرِّر نفس الاستراتيجيَّة المخفقة، وهي محاولة إقناع الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة، منذ عقود، للوقوف موقفًا (متوازنًا) والكف عن التأييد المطلق لـ «إسرائيل» وكما يقال في المثل الشعبي: «الذي يجرِّب المجرَّب عقله مخرَّب»، لكن الأرجح أن النظام العربي الرسمي لا يُعْوِزُه العلمُ بعقم خياراته السابقة، مع الإدارات الأمريكيَّة، بقدر ما هو يفتقر إلى الحالة التي تؤهله إلى تبني استراتيجيَّات فاعلة، تقوم، في أقل تقدير، على لغة المصالح التي لا تفهم الإدارة الأمريكيَّة سواها، كما نوَّه، كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات.

وعليه فإن هذا الظلم الوقح الذي تمارسه الولايات المتحدة، مُؤِيدة طفلتَها المدلَّلة «إسرائيل» يعكس ظلمًا أكبر في النظام الدولي العالمي، وخللا فاضحًا في استبداد المصالح، بل التحيزات الضيقة، في ظل غيابٍ مؤثرٍ لدول أخرى تقوى على التأثير المنفرد، بمعزل عن الموقف الأمريكي.

وعلى المستوى الأمريكي الداخلي يعكس هذا التعاطي السلبي، مع الحد الأدنى من المطالب الفلسطينيَّة، قوة الجماعات اليهوديَّة والمسيحيَّة الأمريكيَّة الشديدة الولاء لـ "إسرائيل"، والمزايدة على أعتى عتاة التطرف في حكومة نتنياهو.

وأما الحالة العربيَّة فلا تزال تعطي الإشارات على حيويَّة تدب، وتطلعات لعلاقة أكثر حزمًا، مع هذا الكيان المحتل، والمعتدي، ولكن الإرادة السياسيَّة لم تنضجْ بعد، ولم تُترجم التطلعاتُ الشعبية إلى حالة سياسيَّة صلبة وفاعلة.