خبر واقع وآفاق تهديدات إسرائيل للفلسطينيين -علي حيدر

الساعة 09:19 ص|28 سبتمبر 2011

واقع وآفاق تهديدات إسرائيل للفلسطينيين -علي حيدر

بقلم : علي حيدر

مع بدء الحديث عن طلب الفلسطينيين الاعتراف بدولة على حدود عام 1967، خرج الإسرائيليون بجملة من التهديدات والإجراءات العقابية، غير أن الكثير من هذه التهديدات قد لا تكون واقعية، ولا سيما أن الحاجة الإسرائيلية للفلسطينيين أكبر

لا جدال في أن الإطار الحاكم لجميع المواقف الإسرائيلية الأخيرة حيال الفلسطينيين، هو الالتفاف على المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة، لإعلان الدولة الفلسطينية، سواء في ما يتعلق بالدعوة إلى استئناف مفاوضات التسوية، أو في ما يتعلق بالتهديدات الصادرة عن أكثر من مسؤول إسرائيلي في الفترة الأخيرة.

كما في الكثير من القضايا والتحديات، ينقسم المسؤولون الإسرائيليون حيال الرد الواجب اعتماده، على طلب السلطة الفلسطينية إعلان دولة فلسطين في الأمم المتحدة، بين من يدعو إلى اعتماد صيغ رد مشددة، كوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ووزير المالية يوفال شتاينتس، وبين من يحذر من الخطوات العقابية، كوزير الأمن إيهود باراك، ووزير شؤون الاستخبارات دان مريدور، خشية أن «تؤدي إلى تدهور نحو عنف يضطر الفلسطينيون معه إلى وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وربما أيضاً إلى انهيار تام للسلطة الفلسطينية».

تتعدد الطروحات الإسرائيلية، لجهة طبيعة العقوبات ومداها، بين من يدعو إلى حجب عائدات الضرائب الشهرية المجبيّة للسلطة، والتي تفوق مئة مليون دولار شهرياً، كما يقترح شطاينتس، وبين من يدعو إلى تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وبناء الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة في التجمعات الاستيطانية الكبرى، كما يدعو وزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعلون، فيما يتجاوز ليبرمان كل ذلك، ويدعو إلى قطع أي علاقة مع السلطة الفلسطينية، بما يتضمن وقف التعاون الأمني، وأيضاً دراسة إمكان إلغاء اتفاقات أوسلو وما نتج منها.

والملاحظ في العقوبات الإسرائيلية، أنه سبق لتل أبيب اللجوء إليها تحت عناوين وأسباب مختلفة في السنوات القليلة الماضية، فهي لجأت بالفعل إلى تجميد أموال الضرائب التي تجبيها للسلطة، بحكم سيطرتها على معظم المعابر من الضفة الغربية وقطاع غزة وإلىهما، وفي المقابل لم تدع أي فرصة دون أن تستغلها في سبيل توسيع الاستيطان وتزخيمه، في مناسبة أو من دون مناسبة.

والعقوبات المالية، كما يدعو شطاينتس، هي جزء من استراتيجية ثابتة تعتمدها السياسة الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية للضغط عليها، وقد سبق أن لجأت إليها في العديد من المناسبات. علماً بأن الجانبين يدركان جيداً أنّ من الصعب على تل أبيب الذهاب بعيداً في هذا الخيار، وصولاً إلى الإلغاء العملي أو الرسمي، للغلاف الجمركي الإسرائيلي في الضفة والقطاع، الذي جرى التوصل إليه في إطار اتفاقات باريس عام 1995، وبموجبه تجبي إسرائيل أموال الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية. فإجراء متطرف كهذا، يعني من ناحية عملية، المخاطرة بإسقاط السلطة الفلسطينية، أي نقيض مصلحة إسرائيل الاستراتيجية بالإبقاء عليها. يعني ذلك، أن الضغوط المالية الممكن تفعيلها، تبقى مسقوفة ولا يمكن تجاوزها إسرائيلياً إلى حد بعيد. علماً بأن إجراءً كهذا، حتى وإن كان تكتيكياً ومؤقتاً، سيستدرج ضغوطاً أوروبية على إسرائيل، في ظروف إقليمية حساسة يشهدها العالم العربي.

أما لجهة تزخيم حركة الاستيطان، كإجراء عقابي آخر يطالب به بعض المسؤولين الإسرائيليين، فهي ليست سوى خطوة إجرائية لما يجري فعلاً، وهي واقعاً سياسة إسرائيلية متواصلة، وكانت محور تجاذب بين تل أبيب ورام الله وواشنطن طوال السنوات القليلة الماضية، من دون أن ترضخ إسرائيل لأي من الضغوط على تفاوتها. مع ذلك، من الصعب أن تلجأ إسرائيل، من ناحية فعلية، إلى هذا الخيار العقابي، وعلى نحو واسع كما تهدد، أقله على خلفية الإحراج الفعلي للإدارة الأميركية في أعقاب «الخطاب الصهيوني» للرئيس الأميركي باراك أوباما في الأمم المتحدة، كذلك فإنه سيستدرج أيضاً كما خيار العقوبات المالية، ضغوطاً على تل أبيب، تقتضي المصلحة في هذه الفترة أن تتجنبها.

أما في ما يتعلق بالتلويح بإلغاء اتفاق أوسلو، بالمعنى الحقيقي والتام للكلمة، فهو اقرب إلى الخيال والوهم. أولا لأنه مصلحة استراتيجية إسرائيلية، جلب لإسرائيل اعترافاً بوجودها وبأمنها من دون أن تقدم في المقابل على الاعتراف بدولة فلسطينية، أو حتى بأي خطوط عامة تتناول ما يسمى القضايا الجوهرية العالقة بين الطرفين (القدس، اللاجئين، المستوطنات والحدود والمياه)، فضلاً عن أن لإلغائه مفاعيل إقليمية ودولية، هي أكبر بكثير من أن تتحملها إسرائيل في هذه المرحلة. بل يمكن القول إنه لو توافرت الإرادة السياسية لدى قيادة السلطة الفلسطينية الحالية، لكان بإمكانها هي أن تهدد بالمقابل لحل نفسها، وهو بالتأكيد سيمثّل عنصراً ضاغطاً على إسرائيل والدول الغربية، وبالتأكيد لا يقل، بل ويزيد، على مسعى إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

الخيارات العقابية الأخرى، كما يدعو ليبرمان، والمتمثلة بتجميد التنسيق الأمني مع السلطة أو إلغائه، فهو نوع من «الفبركة والتهويل» في غير مكانه. السؤال الأساسي هنا هو الآتي: من يحتاج أكثر إلى التنسيق الأمني، إسرائيل أم السلطة؟ ومن الذي يطالب باتخاذ إجراءات تمنع المقاومين من استهداف المستوطنين والجنود الإسرائيليين؟ ومن الذي يحتاج إلى العرقلة والحؤول دون مراكمة الفصائل المقاومة لقدراتها العسكرية؟ في هذا الإطار، يمكن الحديث عن جرأة الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، الذي أطلق سراح المقاومين وأزال العقبات من طريقهم، تسهيلاً لعملياتهم في استهداف الاحتلال، بعد انطلاقة انتفاضة الأقصى، كجزء من الضغط على إسرائيل.

لعل المستجد الإقليمي الأهم الذي يمكن السلطة أن تستثمره في مواجهة إسرائيل وتهديداتها، فيما لو توافرت الإرادة لدى قيادتها الحالية، هو الخشية الإسرائيلية مما يجري ويتفاعل في الساحة المصرية، والقلق الذي يراود الكيان الإسرائيلي، بكل أجهزته السياسية والاستخبارية والعسكرية، إزاء مستقبل النظام الأردني. لو امتلكت السلطة الفلسطينية شجاعة اتخاذ القرار وحكمته، في ظل واقع المنطقة المقيد للمبادرة الإسرائيلية، لما كانت تل أبيب حتى لتفكر في إعلان تهديداتها، في ظل خياراتها المحدودة أساساً.