خبر التايتانيك تُبحر الى فلسطين.. هآرتس

الساعة 03:27 م|27 سبتمبر 2011

بقلم: ميراف اورلوزوروف

(المضمون: يواجه اسرائيل سيناريوهان بشأن معاملتها للمناطق الفلسطينية المحتلة هما الاستمرار في حكم المناطق الى الأبد أو الانسحاب منها لكن اسرائيل لا تناقش الأخطار الكامنة في كل سيناريو منهما وامكانات تجاوز هذه الأخطار - المصدر).

سُميت التايتانيك قبل إبحارها الاول وهي التي كانت الأفخم والكبرى والأكثر تقدما بين السفن في عصرها، "سفينة لا يمكن أن تغرق". واعتمادا على هذا اللقب خرجت التايتانيك مبحرة وعلى متنها قوارب انقاذ كانت تستطيع ان تُخلص نصف ركابها فقط. وقد اعتبر هذا العدد ايضا مبالغا فيه بالنسبة للمعايير المعمول بها في ذلك العصر.

ان نهاية التايتانيك مسجلة جيدا في تاريخ نظرية ادارة المخاطرات. وقد تعلم العاملون في ادارة المخاطرات كارثة التايتانيك أن مسألة احتمال تحقق الخطر غير ذات صلة. أما ذو الصلة فهو فقط القدرة على تجاوز خطر يتحقق. وبعبارة اخرى: لم يكن مهما ما هو احتمال ان تغرق تايتانيك بل السؤال المهم حقا ما هي احتمالات ان يبقى ركابها اذا تحقق خطر ان تغرق غير المحتمل.

أصبح تصور ادارة المخاطرات هذا على مر السنين نظرية الـ في.إي.آر (القيمة في مخاطرة)، والتي توجب على جميع الجهات المالية في العالم ان تنظر في أطراف توزع المخاطرة. وبحسب هذا التوجه يوجب المراقبون في العالم كله على المصارف وشركات التأمين ان لا تستعد فقط للأخطار المتوقعة بل للأخطار غير المتوقعة ايضا – وهي أخطار كبيرة جدا الى درجة ان احتمال ان تتحقق ذات مرة صفر. وبرغم الاحتمال الصفر يسأل المراقبون "ماذا سيحدث اذا تحققت الواقعة مع كل ذلك – هل سيتجاوزها مصرفك؟"، وقد علمتنا الازمة الاقتصادية العالمية في 2008 ان تحقيق نظرية الـ في.إي.آر كان فاسدا في مصارف كثيرة في العالم.

تدرس المصرفية العالمية اليوم دروس ذلك الفشل. لكن في حين يتعلم العالم المالي من أخطائه ويعمل على اصلاحها، لم يبدأ في العالم السياسي نقاش من هذا النوع. ان دروس نهاية الاسبوع في الامم المتحدة تدل على انه قد قيل كل شيء عن "معركة الخطب" التي تمت في نيويورك سوى الاشياء المهمة حقا. لم يبلغ الجدل السياسي في اسرائيل بعد قضايا ادارة مخاطرات: ما هي المخاطرات القصوى في كل واحد من الخيارات التي تواجه اسرائيل، وهل الدولة قادرة على تجاوز هذه الأخطار وكيف.

ينحصر النقاش في اسرائيل دائما تقريبا في عرض مزايا الموقف الذي يأخذ به كل واحد من أطراف الجدل. لكن المزايا غير مهمة ولا تدفع بالنقاش الى الأمام. فقد كانت سفينة التايتانيك مبنية بناءا محكما واعتُبر احتمال غرقها صفرا، لكن لم يكن لذلك أية صلة بالتباحث في تأمينها. وكانت نقائصها فقط – وفي مقدمتها عدد قوارب الانقاذ القليل – هي ذات صلة. لكن نقاط الضعف هي الشيء الوحيد الذي لم يبحثه ربان التايتانيك وربابين اسرائيل ايضا.

يمكن أن نقول في تعميم ان اسرائيل حائرة بين خيارين متطرفين هما: الاستمرار في حكم المناطق الى الأبد، أو النزول عن المناطق والتمكين من انشاء دولة فلسطينية مستقلة. وفي كل واحد من هذين الخيارين مزايا لكنها غير مهمة. يجب أن ينحصر النقاش بنقائص الخيارين أو الأخطار القصوى الكامنة فيهما.

ويمكن ان نقول بتعميم آخر ان النقيصة الكامنة في خيار الاستمرار في حكم المناطق الى الأبد هي تحول اسرائيل الى منبوذة في الصعيد الدولي، وانتقاض التأييد الداخلي والدولي للدولة وربما حرب شاملة من الدول العربية عليها في حال عدم تأييد لاسرائيل. ونقيصة الانسحاب من المناطق هي ان سيناريو غزة قد يتحقق في يهودا والسامرة ايضا اللتين ستصبحان "دولة حماس"، وستجد اسرائيل نفسها في حال حرب دائمة مع الفلسطينيين تشتمل على صواريخ على مراكز المدن.

هذان سيناريوهان متطرفان ومهددان جدا وليس واضحا ألبتة ما هو احتمال تحققهما لكن ليس لهذا أي أهمية، فالسؤال الوحيد الذي يجب ان يقلق اسرائيل هو ما احتمال ان تتجاوز الخطر اذا تحقق أحد السيناريوهين، وأيهما ستنجح بتجاوزه بنجاح أكبر. وما ظل النقاش السياسي في اسرائيل لا يُجرى في خطوط ادارة الأخطار القصوى الكامنة في كل خيار فاننا لا نختلف كثيرا عن ربان سفينة التايتانيك.