خبر سبتمبر ولحظة الحقيقة .. محمد عبيد

الساعة 11:50 ص|26 سبتمبر 2011

كم حمل سبتمبر/ أيلول للفلسطينيين من لحظات حقيقة على مر التاريخ، كثيرة منها ما كانت مضرجة بدمائهم، وكثيرة أيضاً ما كانت نابضة بنضالهم وتوقهم إلى إقرار حقوقهم، لكن سبتمبر/ أيلول هذا لن يكون لحظة حقيقة أخرى تضاف إلى سجل الفلسطينيين وحدهم، بل سيتخطاهم واضعاً العالم كله أمام عظم شأن اللحظة التي إن خلدت من كان على قدرها، إلا أنها لن ترحم من لن يرقى إليها مستوى وموقفاً .

“إن غداً لناظره قريب” كما قالت العرب، لكنه ليس غداً بل اليوم، حين يضع مجلس الأمن الدولي أعضاءه أمام الطلب الفلسطيني باعتراف دولي كامل بحق الشعب الفلسطيني المناضل في تقرير مصيره، وفي دولة كاملة العضوية في النادي الأممي، الذي طالما تركها في موقع المراقب المتفرج على مصير ومستقبل شعبه المثخن بجرائم الاحتلال “الإسرائيلي” .

الرئيس الفلسطيني محمود عباس ألقى إحدى آخر الأوراق، واضعاً الكرة في ملعب المنظمة الأممية التي انقسمت إلى أغلبية صفقت طويلاً وبحرارة دعماً لحق الشعب الفلسطيني، وأقلية أبت إلا الاستمرار في لعب دور شهود الزور، فلحظناها تنكمش على ذاتها وتتغير ملامحها، كمن يحاول النظر إلى مشهد كبير من خرم إبرة، وشهدنا العالم يقف على قدمين تحية وتأييداً للحق الفلسطيني، فيما انكفأت الولايات المتحدة وحليفتها “إسرائيل”، وتقوقعتا في مقاعدهما، وشعرتا بثقل ظل الوقت.

"لا أعتقد أن أحداً لديه ذرة ضمير ووجدان يمكن أن يرفض حصولنا على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، بل على دولة فلسطينية”، جملة سطرها عباس أمام ممثلي المجتمع الدولي، واضعاً إياهم أمام خيار صعب، وموقف تولدت فيه قوة الفلسطينيين من ضعفهم، معززة بالإيمان بالحقوق، فرز العالم إلى معسكرين؛ ذوي الضمير الذين لا يمكن إلا أن يروا دولة للفلسطينيين، وشهود الزور الذين تسمروا في جمود ووجوم في مقاعدهم، بعدما وضعوا أمام أحد خيارين، التصفيق للفلسطينيين تأييداً والانتصار لضمير عالمي طالما خانوه بدعمهم الأعمى للكيان، أو الانضمام للدولة المارقة وكيان الإرهاب المنظم .

سبتمبر هذا العام يحمل لحظة حقيقة شبيهة بتلك التي حملها قبل أحد عشر عاماً، والصدفة التاريخية أن مجلس الأمن سيناقش الأمر عشية ذكرى اندلاع انتفاضة الأقصى، التي اشتعلت في الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول عام ،2000 في رد على تعنت وصلف الاحتلال، واستمراره في ارتكاب جرائمه بحق الفلسطينيين ومقدساتهم .

الخطاب الفلسطيني في الأمم المتحدة أكد استمرار الفلسطينيين في المقاومة الشعبية السلمية، ودق نواقيس الخطر محذّراً من أن أي توجه لنسف المسعى ونقض الطلب، سيؤثر في السلطة الفلسطينية ويقوّضها، وسمّى الأشياء بأسمائها، فكرّر مراراً تجريم الاحتلال وسياساته وقطعان مستوطنيه، وعرّض بالعنجهية “الإسرائيلية”، ورفض الكيان جهود التسوية، وإيغاله في دم الفلسطينيين، وسرقة أراضيهم، وسلب حقوقهم، وتهويد مقدساتهم، وتثبيت الوقائع على الأرض، ودحض المزاعم والاتهامات الموجهة إليه بالأحادية، واضعاً أمام العالم حقائق السياسات والخطوات الأحادية التي لا تبرع “إسرائيل” إلا بارتكابها .

الكرة اليوم في ملعب المجتمع الدولي، الذي يمر بلحظة حقيقة فارقة، وغداً في الملعب الفلسطيني الذي يواجه استحقاقات داخلية لا تقل أهمية عن الدولية، والمنتظر أن يرتب الفلسطينيون بيتهم الداخلي، ويضعوا جانباً خلافات أثبت الزمن أنها أدت إلى إضعافهم، وخلفّت فيهم عجزاً واضحاً، سمح للاحتلال بتصعيد عدوانه، والاستمرار في جرائمه.