خبر عند الحرد، لا أمل -يديعوت

الساعة 07:10 ص|26 سبتمبر 2011

عند الحرد، لا أمل -يديعوت

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: نتنياهو وابو مازن يعودان الى شعبيهما وفي حقيبتيهما الكثير من الكلمات الكثيرة، المشحونة، شديدة الوزن. كلمة واحدة لم يتمكنا من أن يجلباها: الأمل. التعاطي مع النزاع لم يكن سهلا في أي وقت من الاوقات. ولكن في ظل غياب بارقة أمل سيكون أصعب بكثير- المصدر).

        في اسرائيل يوجد وزير خارجية، يدعى أفيغدور ليبرمان. قبل ثلاثة أرباع الساعة من خطاب أبو مازن دخل ليبرمان الى قاعة الجمعية العمومية وجلس خلف الطاولة الاسرائيلية. لم يكن لديه اهتمام خاص بالخطاب الاول لرئيس جنوب السودان، العضو الجديد في الامم المتحدة أو بالحساب الذي أجراه الرئيس الارمني مع عدوان أذربيجان. فقد اندفع الى الامام، جاهز للمعركة.

        عندما بدأ ابو مازن حديثه قفز ليبرمان من كرسيه وتوجه بسرعة نحو المنصة. السفير الاسرائيلي رون بروشاور انجر وراءه لانعدام البديل. للحظة كان يخيل أن ليبرمان سيحاول مهاجمة ابو مازن جسديا مثلما يحصل أحيانا في البرلمان الروسي – ولكن وزير خارجيتنا ليس شجاعا لهذه الدرجة. فقد توجه يمينا وغيبته زاوية جانبية.

        غرقت مسرحيته في بحر من التصفيق الذي استقبل به ابو مازن. خجلت عنه. خجلت عنا. مثل الاعيب الحرد كهذه تضر بنا فقط.

        من السهل أن نفهم لماذا: لنا نحن الاسرائيليين توجد أسباب وجيهة للغضب من ابو مازن هذا الاسبوع، ولكن حكومتنا ايضا تعترف بانه ليس احمدي نجاد. ليس معقولا ان ندعوه صبح مساء ليتحدث معنا – ولكننا نرفض الاستماع له عندما يفتح فمه.

        وفضلا عن ذلك، عزلة اسرائيل هي ظاهرة مؤسفة – لا يوجد ما يدعونا الى التباهي بها؛ وبالاجماع: المغادرة التظاهرية هي ظاهرة عادية في الامم المتحدة، ولكن هذه اللعبة تترك بشكل عام للصغار. حقيقة أن ليبرمان قام بالمظاهرة بنفسه تثبت أنه رغم أبهة وزير الخارجية فانه يبقى في جوهره حارس بارات. ليس فيه احترام.

        الى فندق ريجنسي الفاخر، حيث تنزل الحاشية الاسرائيلية، وصل مساء يوم الاربعاء آرثور فينكلشتاين، مستشار الانتخابات لليبرمان ومساعده، وقد جاءا اليه لاسداء المشورة له.

        فينكلشتاين يختص بالبادرات الطيبة السياسية الموجهة نحو الشريحة الادنى بين الناخبين. أعطيهم شخصا كليبرمان وسيحتفلون حول النار.

        رغم المفاجأة، فان الوفود العربية، التي درجت في الماضي على الفرار من القاعة عندما كان يصعد رئيس الوزراء الاسرائيلي للخطابه، لم يتصرفوا هكذا اثناء خطاب نتنياهو. دبلوماسيوهم جلسوا واستمعوا. وحتى على الطاولة الفلسطينية بقي ممثل واحد، ولم يكن اسمه احمد طيبي.

        سياسة المراحل

        في تشرين الثاني 1974 جلست في هذه القاعة كواحد من مجموعة اسرائيليين شاهدوا ظهور ياسر عرفات في الجمعية العمومية. وكان عرفات يلبس بزته السخيفة، يعتمر الكوفية الشهيرة ويتحزم بنطاق المسدس. ممثلو معظم الوفود استقبلوه بالتصفيق وبالنهوض. في نظرهم كان هو مقاتل حرية، وليا. كراسي الوفد الاسرائيلي كان فارغة. الاجواء في القاعة كانت محشورة، مهددة، تنوي الشر. وكانت الكراهية ملموسة لدرجة أنه كان يمكن للمرء أن يحسها.

        لا يشبه عالم 1974 عالم 2011. بل إن الامم المتحدة نفسها ليست أمما متحدة قفراء. على الرغم من ذلك، عندما ذكر ابو مازن في خطابه عرفات وحظي بالمقابل بتصفيق عاصف، لم يكن بوسعي الا أتذكر ذاك اليوم اياه.

        الخطابان، لابو مازن ونتنياهو، جاءا قبل كل شيء الى جمهورهما في الوطن. كانا خطابين قاسيين، مريرين، مفعمين بالخلاف وعديمي البشرى. لم يأتيا لتقريب اتفاق بل لتوجيه الاتهام.

        ابو مازن بدأ بنكبة 1948، باللاجئين والنازحين. وواصل في وصف اسرائيل كخارقة مواظبة لقرارات الامم المتحدة والقانون الدولي وكمتملصة من السلام. الكلمات التي اختارها كانت من الكلمات المتطرفة في القاموس الفلسطيني: عنصرية، استعمار، أبرتهايد، توسع، استيطان. وقد ذكر التراث المسيحي والاسلامي في البلاد، ولكنه أسقط التراث اليهودي، الاهم.

        من الصعب التعاطي مع مثل هذا الخطاب كخطة ملزمة. على الرغم من ذلك يمكن ان نستخلص منه المفاهيم التالية: ابو مازن يصر على تجميد تام للبناء في المستوطنات كشرط لاستئناف المحادثات؛ يرفض الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية؛ يهدد بالتوجه الى المحكمة الدولية في لاهاي؛ واذا كان هذا لا يجدي، فحل السلطة الفلسطينية. هذه سياسة المراحل لديه. ومع ذلك، فهو لا يزال يصر على الكفاح بالوسائل السلمية وعلى تأييده لصيغة اوسلو.

 

        مولد دولة

        الأجواء في القاعة كانت احتفالية. الكراسي فيها وفي المشارف كانت مليئة حتى آخر مقعد. المئات وقفوا على طول الجدران. والكثيرون امتشقوا الكاميرات لتخليد اللحظة. وقد تصرفوا كمن جاء الى حدث تاريخي – في هذا المكان، في هذا اليوم، امام ناظريهم، دولة جديدة تولد. أولا جنوب السودان؛ الان فلسطين. ولم تكن صلة لاحساس العيد بمضمون خطاب ابو مازن، وبالاساس لم تكن صلة بالواقع. فقد أكثروا من الهتاف وأقلوا من الانصات.

        خطاب نتنياهو، بعد نصف ساعة من ذلك، القي امام قاعة مليئة ولكن ليست مكتظة. التصفيق جاء أساسا من متفرغي الجالية اليهودية في أمريكا، ممن احتلوا أماكن في الشرفات.

        مشوق كان تشبيه ظهور نتنياهو أمام مجلسي الكونغرس، قبل بضعة أشهر وبين ظهوره في الامم المتحدة. في واشنطن المنتخبين في أسفل القاعة خرجوا عن أطوارهم، وأصحاب الملايين اليهود أطلوا عليهم من فوق. في نيويورك الممثلون في القاعة استمعوا بأدب بارد، والليكود فوق خرجوا عن أطوارهم.

        معظم رؤساء الدول الذين يلقون كلمات في الجمعية يلتصقون وكأنه تملكهم الشيطان بالنص الموضوع أمامهم. الامم المتحدة غريبة عليهم. المكانة تبعث على الضغط. اما نتنياهو فشعر تماما بأنه في بيته، خرج عن النص المكتوب، لوح بيديه، نظر مباشرة الى الكاميرات. وفعل بكفاءة ما درج على فعله سفراء اسرائيل في الامم المتحدة في الماضي: كشف في الامم المتحدة عن كل خطاياها، كل مظالمها، في أمريكا وفي اسرائيل يحبون سماع خطابات تكشف عار الامم المتحدة: وهم يعطون السامعين الثقة بتفوقهم الاخلاقي.

        نحن الضحية

        وكأننا عدنا 18 سنة الى الوراء، قبل اوسلو، كشف نتنياهو عن النوايا الحقيقية، المغرضة، للفلسطينيين: هم لا يريدون السلام، في أي تسوية، في أي حدود؛ هم لم يسلموا بمجرد وجود دولة اسرائيل. وقال انه "عندما يقول عباس ان المشكلة هي المستوطنات، أفترض أنه يتحدث عن تل أبيب، حيفا، يافا، بئر السبع". نحن الضحية، يقول ابو مازن. لا، نحن الضحية، يصر نتنياهو.

        وعلى فرض أنه لا يدور الحديث عن خطابة بيانية بل عن رؤية واعية للواقع، على فرض أن نتنياهو وأبو مازن محقا على حد سواء، فان الاستنتاج الناشيء هو أنه يمكن اغلاق البسطة التي تسمى المسيرة السلمية. لن تكون دولة فلسطين. وكذا دولة يهودية وديمقراطية لن تكون. ولكن خطابات ملتهبة ستكون، واستقبالات حماسية للجمهور في الوطن، وحرب خالدة.

        نتنياهو يوجد هذه الايام في حالة نشوى، ولكنها نشوى ممزوجة بالغضب. فهو غاضب لعدم تقديرهم بما فيه الكفاية – لا في البلاد، لا في المعسكر اليهود الليبرالي في أمريكا – الاستعداد الذي أبداه للوصول الى حلول وسط. فقد اقترح أكثر مما اقترح رابين – ولكنهم يقدسون رابين كفارس السلام، أما عنه فيقولون انه يدق قبول الحرب.

        أحد آخر – ليس نتنياهو – كان سيبحث عن الذنب قبل كل الاخرين في نفسه. فهو سحب رجليه، فقد الثقة، غمز لجبهة الرفض في حكومته، اقترح عندما كان متأخرا جدا او عندما علم أن اقتراحه لن يقبل. كلماته ذهبت بعيدا، ولكن قدميه تمترستا عميقا في الوضع الراهن.

        نتنياهو وابو مازن يعودان الى شعبيهما وفي حقيبتيهما الكثير من الكلمات الكثيرة، المشحونة، شديدة الوزن. كلمة واحدة لم يتمكنا من أن يجلباها: الأمل. التعاطي مع النزاع لم يكن سهلا في أي وقت من الاوقات. ولكن في ظل غياب بارقة أمل سيكون أصعب بكثير.