خبر أفق آخر الدولة 194 .. خيري منصور

الساعة 08:32 ص|25 سبتمبر 2011

سواء قُبلت دولةً مراقبة أو مستوفية لشروط العضوية في الأمم المتحدة، فإن بلاداً عاصمتها القدس لا تحمل رقم الدولة 194 إلا في قوائم الدبلوماسية وخاناتها . والرقم الحقيقي الذي استحقت أن تحمله لولا ابتلاؤها بالمشروع الصهيوني هو غير ذلك تماماً، والمفارقة التاريخية بل الوجودية الآن هي أن دولة تم استيلادها بأنبوب الانتداب الكولونيالي لا تشكو من نقصان الاعتراف بها حتى من هؤلاء الذين أسست على أطلال مدنهم وقراهم، بينما البلد الذي كان منذ بواكير الخلق وطناً للأنبياء والشهداء يتسول اعترافاً دولياً، وقد لا يكون هذا استثناء من تاريخ غاشم، كان الاحتكام الدائم فيه للقوة وموازينها وليس لأي اعتبارات أخرى سواء كانت دنيوية أرضية أو سماوية .

فلسطين لن تولد في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، لأنها ولدت ووجدت قبل إنشاء هاتين الهيئتين، وربما قبل من يملك الحق في استخدام الفيتو للحيلولة دون الاعتراف بكامل عضويتها.

إن للسياسة شجوناً أخرى، وأبجدية مقلوبة تبدأ من حرف الياء وليس من الألف، لهذا على من تورطوا فيها أن يقبلوا أساليب التعامل معها وأدواتها أيضاً، حتى لو كانت، كما وصفها سارتر، مهنة الأيدي القذرة.

ما من شجرة تين أو زيتون أو صفصاف أو سنديان في تلك الجغرافيا الرسولية تشكو من الاغتراب أو تبحث عن دولة ذات علم يرفرف على شرفات البيت الدولي، لأن كل ورقة زيتون هي علم له حفيف بالعربية، ولا نتصور أن هناك عصفوراً يغني أو قطاً يموء على أرض فلسطين بالعبرية رغم أن المحتل يتحول بمرور الوقت إلى "مختل"، تماماً كما يتحول الاحتلال إلى اختلال أخلاقي وتاريخي، ويوهم نفسه بأنه زارع الأشجار التي يقطفها، وصاحب الأطلال التي يحشوها السياح في كاميراتهم تحت أسماء مترجمة.

التاريخ شيء والسياسة شيء آخر، والكلام كله الآن في السياسة أو عنها، أما التاريخ فهو مهجور لمصلحة تاريخ مضاد وملَّق من غبار الحروب ودخان الحرائق.

العربي الذي كان توأم جباله وصحرائه ومائه لا يتسول اعترافاً من أحد بهويته وبالتالي بكينونته، والفلسطيني رافد من هذا النهر الذي نبع من دم الأسلاف ولن يصب في أي بحر غير بحر دمهم.

وما يحزننا هو أن السارق الذي استوطن واستعلى واستخف بأهل البلاد يسطو الآن على خطابهم التراجيدي ويسرق منهم حتى الأنين، لأنه حاول احتكار الضحية وتحويل الهاجس الأمني إلى مهنة، وحين يصرح ساسة وجنرالات وحاخامات في الدولة الصهيونية بأن الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية يهدد وجودهم، فإن معنى ذلك أحد أمرين أو كلاهما، إما هشاشة الوجود المصطنع أو الخوف من المستقبل، فالمستقبل ليس مجرد امتداد للراهن، وأحياناً يتحول إلى كمين لمن راهنوا على احتلاله أيضاً كما احتلوا الأرض، فأي وجود هذا الذي تطيحه وتقوضه دولة تحمل الرقم 194؟

إن الخطوة الفلسطينية التي لن يتراجع الفلسطينيون عنها وهم مشحونون بقرار قومي شامل، لن تكون بأي حال خطوة في الهواء أو قفزة إلى الأمام، فإن لم يكن الاعتراف هو ثمرتها، فإن الثمرة الأخرى المسكوت عنها سياسياً ودولياً هي فقدان أعظم دولة في العالم لصدقيتها السياسية بحيث يضيع الفارق بين الراعي والذئب.