خبر انتهى المفهوم السائد- معاريف

الساعة 08:36 ص|22 سبتمبر 2011

انتهى المفهوم السائد- معاريف

بقلم: شموئيل هولندر

رئيس ديوان الموظفين سابقا

في العام 1972 عقد في بئر السبع مؤتمرا دعي اليه كل ضباط قيادة المنطقة الجنوبية. الخطيب المركزي كان وزير الدفاع، موشيه دايان رحمه الله. وقال ضمن امور اخرى: "اذا تجرأ المصريون على اجتياز القناة سنكنسهم بسهولة في غضون بضع ساعات". كنت في حينه ضابطا شابا في الجيش الاسرائيلي. جلست منفعلا في القاعة واستمعت لاقوال من كان يعتبر في تلك الفترة اسطورة ولم اشكك حتى ولا للحظة بصحة اقواله. بعد سنة من ذاك الخطاب اندلعت حرب يوم الغفران. الجيش الاسرائيلي لم "يكنس" بسهولة الجيش المصري المهاجم. الصدمة التي اجتازها ابناء جيلنا لن تنسى حتى آخر يوم في حياتنا. "المفهوم" الشهير  الذي ساد بعد حرب الايام الستة انهار في غضون ساعات وجبى حياة نحو 2.300 جندي.

في ليل 19/11/1977 جلست – مثل كل شعب اسرائيل – متأثرا ومنفعلا أمام التلفزيون وشاهدت الرئيس المصري، انور السادات، ينزل على درج الطائرة ويصل الى زيارته التاريخية في القدس. العدو الاكبر، المبادر لتلك الحرب الفظيعة، اصبح صديقا. بعد نحو سنة من الزيارة وقع اتفاق السلام. "ذخر استراتيجي"، كما سمي على مدى السنين منذ أن وقع. هذا الذخر آخذ في الانهيار هذه الايام امام ناظرينا، مثلما انهار السور الذي بني لحماية سفارتنا في القاهرة على أيدي الرعاع المصريين الذين هاجموه بنوبة من الغضب.

بعد اتفاق اوسلو تسنى لي ان ارافق، بصفتي سكرتير الحكومة، الزيارات الرسمية لرئيسي الوزراء اسحق رابين وشمعون بيرس الى عدة دول، بما في ذلك دول عربية واسلامية. لا توجد كلمات لوصف الحميمية والحماسة التي استقبلنا بنا. عصر جديد حل. ولكن لم يمر وقت طويل، حتى انغمرت مدن اسرائيل بالدم. في المقابر في البلاد تنتشر الاف الشواهد "لضحايا السلام". ياسر عرفات رفض الاقتراحات السخية لرئيس الوزراء ايهود باراك في كامب ديفيد في العام 2000 وفضل طريق الارهاب. خلفه ابو مازن رفض العروض السخية لايهود اولمرت وتسيبي لفني في الحكومة السابقة. اما اليوم فهو غير مستعد على الاطلاق للعودة الى طاولة المفاوضات. رغم الرغبة الثابتة لاسرائيل في السلام فانها آخذة في التحول الى دولة منعزلة ومنبوذة. مفهوم آخر انهار الى شظايا بالدم والنار وعواميد الدخان. في الماضي كان لاسرائيل ذخر استراتيجي هام – علاقات ود وتعاون وثيق مع ايران الشاه. هذا الذخر الاستراتيجي انهار هو ايضا مع صعود الخميني وخلفائه الى الحكم في العام 1979. ومن ذخر استراتيجي تحولت ايران الى تهديد وجودي على اسرائيل. وكيف لا يمكن ذكر ذخر استراتيجي هام آخر – العلاقات الخاصة مع تركيا. هذا الذخر ايضا انهار، حتى قبل قضية مرمرة، ولم نتحدث بعد عن اتفاق السلام مع الاردن، الذخر الاستراتيجي الاخر الذي يلف مستقبله الضباب.

"المفاهيم" و "الذخر الاستراتيجي" هي مؤقتة بطبيعتها، متغيرة، متعلقة بشعرة وفي النهاية تنهار بهذا الشكل او ذاك. لشعب اسرائيل تاريخ يعود الى نحو 3.300 سنة. في هذه الفترة الطويلة كان صعود وهبوط، فترات ارتفاع وفترات انخفاض. اوقات السلام واوقات الحرب. ايام هدوء وايام اضطراب شديد. حتى عندما جلسنا على اراضينا وكذا عندما كنا في المنفى. على مدى الاجيال كانت لنا الكثير من المفاهيم وكذا الكثير من الذخر الاستراتيجي. كلها انهارت في اثناء التاريخ.

كان هذا نبي سياسي قديم، بلعم بن بعور هو الذي تنبأ لشعب اسرائيل بالنبوءة المصيرية: "شعب وحده يسكن وبالاغيار يا يأبه". قوة الكلمات جميلة اليوم ايضا. لا مجال لجلد الذات. لسنا مذنبين في كل شيء. ليس كل شيء بايدينا. ولشدة الاسف، بقينا شعبا وحده يسكن.