خبر فروانة : الفلسطينيون إما أسرى فوق الأرض أو في جوفها

الساعة 08:24 ص|22 سبتمبر 2011

فروانة : الفلسطينيون إما أسرى فوق الأرض أو في جوفها

 فلسطين اليوم-رام الله

قال الأسير السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى ، عبد الناصر فروانة ، بأن الصوت الذي يقرع خزان ذاكرتنا هذه الأيام هو صوت الشهيد " غسان كنفاني " الذي يردد على مسامعنا كل يوم ، بل كل ساعة ودقيقة ما الذي تبقى لكم .. ؟؟ اقرعوا جدار الخزان ، قبل أن تموتوا أو نموت معا .

وإذا كان " غسان كنفاني " قد قال قبل استشهاده عام 1972 " إما عظماء فوق الأرض أو عظاماً في جوفها " .. فالواقع الفلسطيني اليوم ينطبق عليه مقولة " إما أسرى فوق الأرض أو أسرى في جوفها " ..!

وأضاف : بأنه إذا كانت الشعوب تعيش في أوطان وتنعم بالحرية والاستقلال ، فنحن شعب نصفه يعيش في سجن هو الأكبر في العالم اسمه " قطاع غزة " ، ونصفه الآخر يعيش في مناطق يسعى الاحتلال لتحويلها لـ " كانتونات " تقطعها الحواجز والجدار العنصري ، أو في مقابر علنية وسرية سُميت بالسجون والمعتقلات ، وإما أن تكون ظاهرة فوق الأرض أو في جوفها ، للأحياء منهم والأموات على حد سواء ، فتعددت الأسماء والسجون واحدة ، سجن في شرق بلادي ، سجن في غرب بلادي ، سجن هي كل بلادي ، فـفلسطين كلها خلف القضبان ، ولم تعد هنالك بقعة في فلسطين التاريخية إلا وأقيم عليها سجنا أو معتقلا أو مركز توقيف ، كما لم تعد هناك عائلة فلسطينية واحدة، إلاَّ وتعرض أحد أفرادها أو جميعهم للإعتقال  .

وأكد فروانة بأن سلطات الاحتلال لم تستهدف الأحياء فقط ، وإنما استهدفت الأموات أيضاً ... والأرقام مذهلة ومؤلمة ، فقرابة ( 750 ) ألف مواطن فلسطيني ذاقوا مرارة الاعتقال منذ العام 1967 ، وأن تلك الإعتقالات لم تقتصر على شريحة محددة أو فئة معينة ، وانما شملت كل فئات وشرائح الشعب الفلسطيني ، فيما لا يزال يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي قرابة ( 6000 ) فلسطيني ، بينهم ( 34 ) أسيرة ، و( 270 ) طفلاً ، و( 21 ) نائبا في المجلس التشريعي بالإضافة إلى وزيرين سابقين  ، وعشرات القادة السياسيين ومئات المرضى ممن يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة وخبيثة كالقلب والكلى والسرطان وعشرات المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة .

وبيّن بأن من بين الأسرى الفلسطينيين ( 299 ) أسيرا معتقلين منذ ما قبل أوسلو وقيام السلطة في مايو / آيار 1994 ، ويوجد بينهم ( 142 ) أسيراً قد مضى على اعتقالهم عشرين عاما وما يزيد وهؤلاء نُطلق عليهم مصطلح " عمداء الأسرى " ، فيما من بين هؤلاء " جنرالات الصبر " وهم من مضى على اعتقالهم أكثر من خمسة وعشرين عاماً وعددهم ( 45 ) أسيراً ، والأكثر مرارة  بأن من بينهم أربعة أسرى معتقلين منذ أكثر من واحد وثلاثين عاماً .

الأسرى العرب

وأشار فروانة الى وجود ( 48 ) أسيرا عربيا ( 24 من الأردن ، و15 من مصر و8 من هضبة الجولان السورية ، و أسير استرالي من أصل سعودي ) ، وهؤلاء اعتقلوا على خلفية الصراع العربي – الإسرائيلي ووجهت لهم تهم في هذا السياق وبعضهم حوكم لسنوات طويلة تصل للمؤبد، بالإضافة إلى عشرات آخرين اجتازوا الحدود لأسباب مختلفة ، فيما هناك المئات من العرب يعتبروا في عداد المفقودين ويُجهل مصيرهم ، ويُعتبر الأسير العربي " صدقي المقت " من هضبة الجولان السورية المحتلة والمعتقل منذ أغسطس 1985 هو أقدمهم .

الأسرى ليسوا مجرد أرقام ...

ونوه فروانة الى ضرورة عدم تعامل القارئ مع الأمر لمجرد أرقام وإحصائيات ، فلكل واحد من هؤلاء الأسرى قصة وحكاية ، بدأت ولم تنتهِ بعد ، تُذرف لها الدموع لقساوتها ، وتعتصر القلوب ألما لإستمرار فصولها ، وفيما لو وثقت تلك الحكايات ودونت فإنها ستملأ مئات المجلدات قد تصلح لأن تكون سيناريوهات في سينما " هوليود " .

حيث أن أولئك الأسرى يُحتجزون في ظروف قاسية ، ويتلقون معاملة ( لا ) إنسانية ويتعرضون يوميا لانتهاكات جسيمة ترتقي إلى مصاف جرائم حرب وفقا للتوصيف الدولي ، ودولة الاحتلال تتعامل معهم على قاعدة أن ( لا ) حقوق لكم ، فيما الانتهاكات ( لا ) حدود لها ، وتعتبر نفسها دولة فوق القانون تضرب كل المواثيق الدولية ذات العلاقة بعرض الحائط أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع ، مستغلة حالة الصمت والتخاذل الدولي وهذا ما أتاح ويتيح لها التمادي في انتهاكاتها وجرائمها بحق الأسرى .

ورأى فروانة بأن الأخطر هو ان " اسرائيل " تنتهك القانون الدولي الإنساني وتعلن ذلك جهارا ، وشرَّعت الانتهاكات بحق الأسرى بهدف التضييق عليهم والانتقام منهم ومن ذويهم ، وأجازت ممارستها وسنت وأقرت مجموعة من القوانين والإجراءات ، وصادق عليها رأس الهرم السياسي " نتانياهو " ومن قبله " أولمرت " بمباركة كافة الجهات السياسية والقضائية والقانونية والتشريعية ما منح الحصانة القضائية لمقترفيها وفتح الباب على مصراعيه لكل العاملين في إدارة السجون لارتكاب المزيد ، وهذا ما يُفسر تصاعد الانتهاكات والجرائم بحق الأسرى والأسيرات في السنوات الأخيرة .

داعيا في السياق ذاته الى ضرورة التحرك لإنقاذ حياتهم وضمان عودتهم سيرا على الأقدام كما اقتيدوا لحظة الاعتقال ، ( لا ) محملين على الأكتاف في توابيت الموت كما عاد ( 202 ) أسيراً ، أو مصابين بأمراض خطيرة ورثوها عن السجون وظلت تلاحقهم إلى ما بعد الخروج من السجن فكانت سببا في وفاة المئات منهم  .

إخفاء واختفاء المعتقلين والمواطنين من سمات الدولة العبرية

وكشف فروانة في تقريره بأن هناك مئات آخرين اعتبروا في تعداد " المفقودين " ولكن لربما هم أحياء في السجون السرية ، أو شهداء ومحتجزة جثامينهم في " مقابر الأرقام " ، أو أنهم اعتقلوا ومن ثم أعدموا  وسرقت أعضائهم وتناثر ما تبقى من أشلائهم ولم يتبقَ من جثامينهم شيئا .

فوجود سجون ومعتقلات سرية ، وإخفاء واختفاء المعتقلين والمواطنين العُزل هي من سمات الدولة العبرية على مدار سنوات احتلالها لفلسطين ، وأن السجن السري ( 1391 ) أو كما يُطلق عليه غوانتانامو الإسرائيلي هو أفظع بكثير من نظيره الأمريكي .

وأعرف فروانة عن أعتقاده بوجود العديد من السجون الإسرائيلية السرية التي يُحتجز فيها عشرات العرب والفلسطينيين ممن يُعتبروا " مفقودين " دون أن تعترف " اسرائيل " باحتجازهم لديها رغم وجود شواهد تشير إلى وجودهم في سجونها ، وأن اكتشاف السجن السري رقم 1391 أواخر العام 2003 انما عزز ذاك الاعتقاد .

واعتبر فروانة تصريحات القائم بأعمال المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية " شاي نيتسان " في مايو / آيار 2009 حينما صرح بأن " اسرائيل " أوقفت استخدام هذا المعتقل عام 2006 وأن " الشاباك " لم يعد يستخدمه ، إنما هو اقرار اسرائيلي بأنه كان موجودا رغم النفي السابق وهذا يشير الى احتمال وجود سجون وأقسام سرية أخرى.

مشيرا الى أن هنالك العديد من العائلات الفلسطينية ومن قبلها لبنانية وأردنية عديدة قد تقدمت بشكاوى تشير إلى اختفاء أبنائها وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم ، لكن سلطات الاحتلال، تنفي ذلك ، وتنكر احتجازهم أو حتى معرفتها بمصيرهم ، وهذا ما يدفع إلى الربط ما بين المفقودين والسجون السرية ومقابر الأرقام وحتى سرقة الأعضاء.

أموات محتجزون في الأسر تحت الأرض

وعن احتجاز الأموات ومعاقبتهم بعد موتهم من خلال احتجاز جثامين الشهداء ، فيرى فروانة بأن ذلك لم يعد عملا استثنائيا ، وانما أضحى ممارسة دائمة وجزء أساسي من سياستها في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب ، و" اسرائيل " تعمدت منذ احتلالها لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967، إلى معاقبة الشهداء بعد موتهم ، ومضاعفة آلام وأحزان ذويهم ، وحرمانهم من إكرامهم ودفنهم وفقاً للشريعة الإسلامية ، وفي أحياناً كثيرة استخدمت بعض الجثامين كورقة للمساومة والإبتزاز .

واعتبر فروانة بأن " اسرائيل " هي الوحيدة في العالم التي تُعاقب الإنسان بعد موته ، وتحتجز جثمانه لسنوات وعقود في ما يسمى مقابر الأرقام الجماعية ، وتصدر بحقهم أحكاما متفاوتة بالسجن الفعلي تحت الأرض .

مبيناً الى أن انتهاج هذه السياسة ( لا ) يقتصر على منفذي العمليات الاستشهادية ، أو ممن استشهدوا خلال اشتباكات مسلحة ، بل طبقت بحق عدد من الشهداء الذين اغتالتهم وحداتها الخاصة ، أو ممن توفوا في السجون الإسرائيلية كالأسير " أنيس دولة " الذي استشهد قبل قرابة ثلاثين عاماً ، ولا تزال جثته محتجزة لدى سلطات الإحتلال .

" مقابر الأرقام " .. ممنوع الإقتراب أو التصوير

 وعن مقابر الأرقام يقول فروانة : بأن " اسرائيل "  لا تزال تحتجز أكثر من ثلاثمائة جثمان لشهداء فلسطينيين وعرب  سقطوا في ظروف مختلفة في مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة ويمنع زيارتها أو الاقتراب منها أو تصويرها ، وهي خاضعة لسيطرة الجيش ووزارة الدفاع، وهذه المقابر تزدحم بعشرات الأضرحة وهي عبارة عن مدافن بسيطة أحيطت بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوقها لوحات معدنية تحمل أرقاماً بعضها تلاشى بشكل كامل ، وهي غير معدة بشكل ديني وإنساني كمكان للدفن ، إذ أن كل شهيد يحمل رقماً معيناً ، ولهذا سُميت بـ " مقابر الأرقام " لأنها تتخذ من الأرقام أسماء للشهداء ، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولية ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد ، وتلك المقابر تضم أرشيفاً طويلاً وتتسع للمزيد وقابلة للتوسع .

ووفقا للقانون الدولي فان احتجاز رفات الشهداء تُعتبر من أكبر الجرائم الانسانية والدينية والقانونية والأخلاقية التي ترتكبها " اسرائيل "، وهي ممارسة تخالف القوانين الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة التي تمنع احتجاز رفات الشهداء وتلزم دولة الاحتلال بتسليمهم الى ذويهم واحترام كرامة المتوفين ومراعاة طقوسهم الدينية خلال عمليات الدفن. وتفرض المادة (130) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة (34) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، الذي يعتبر جزءاً من القانون الدولي العرفي الملزم لجميع الدول، بشكل صريح دفن المعتقلين المتوفين أو من يسقطون في أعمال القتال باحترام وإتباع إجراءات تتناسب وثقافتهم الدينية وبمجرد أن تسمح الظروف عليها واجب تقديم بيانات ومعلومات وافية عنهم، وحماية مدافنهم وصيانتها وتسهيل وصول أسر الموتى إلى مدافن الموتى واتخاذ الترتيبات العملية بشأن ذلك، وتسهيل عودة رفات الموتى وأمتعتهم الشخصية إلى وطنهم .

يبقى للمقاومة كلمة الحسم ..!

و يعلق فروانة آمالا كبيرة على المقاومة الوطنية والإسلامية ، الفلسطينية والعربية ، في قول كلمة الفصل والحسم وتحقيق حرية الأسرى واستعادة جثامين الشهداء المحتجزة في " مقابر الأرقام " ، ومعرفة مصير المفقودين من الفلسطينيين والعرب .

حيث انها تمكنت في مرات عدة من فرض شروطها وتحقيق ما عجزت عن تحقيقه المفاوضات السياسية ، عبر صفقات التبادل الذي أفرج بموجبها عن آلاف الأسرى واستعادة مئات الجثامين ، وسجل المقاومة الفلسطينية واللبنانية حافل بعشرات صفقات التبادل ، كان آخرها صفقة التبادل ما بين حزب الله ودولة الإحتلال في تموز 2008 والتي تحرر بموجبها عميد الأسرى العرب " سمير القنطار " واستعادة رفات ( 199 ) شهيدا فلسطينيا وعربيا .

لكنه في ذات الوقف لم يغفل ما بُذلته السلطة الوطنية في اطار " العملية السلمية " وأعرب عن تقديره لما حققته من انجازات على هذا الصعيد ونجاحاتها في اطلاق سراح آلاف الأسرى واستعادة عدد محدود من جثامين الشهداء ، على الرغم من عدم تمكنها من فرض شروطها وتحطيم المعايير الإسرائيلية ، وعجزها عن اغلاق تلك الملفات .

وفي ختام تقريره أعرب فروانة عن أمله في أن تضيف المقاومة الفلسطينية التي تحتجز الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " منذ حزيران / يونيو 2006 في قطاع غزة ، انتصارا جديداً لسجل انتصارات المقاومة ، وأن تنجح في فرض ما لم يستطع المفاوض  فرضه خلال " المفاوضات " وما عجز عن تحقيقه من خلال " العملية السلمية " ، بما يضمن عودة الأسرى القدامى ورموز المقاومة الى بيوتهم وأحبتهم واستعادة جثامين الشهداء المحتجزة لدى الإحتلال كي تتمكن عائلاتهم من دفنهم في مقابر أعدت ذلك ، في اطار صفقة تبادل مشرفة ومقبولة فلسطينيا تكفل عودة الأسرى الأحياء والأموات .