خبر الهلع الأمريكي من استحقاق أيلول / صالح النعامي

الساعة 05:04 م|20 سبتمبر 2011

الهلع الأمريكي من استحقاق أيلول / صالح النعامي

مظاهر الهلع الإسرائيلي من تداعيات استحقاق أيلول حقيقيَّة، تعبِّر عن مأزق استراتيجي يمرُّ به الكيان الصهيوني، مأزق يقلص إلى حدٍّ كبير من هامش المناورة المتاح للقيادة الإسرائيليَّة، ويفاقم من أزمات حكومة تل أبيب، وعلى الرغم من أن المحاذير التي تطرحها عدد من الفصائل والنخب والشخصيات الوطنيَّة الفلسطينيَّة بشأن تداعيات استحقاق أيلول وجيهة، وعلى الرغم من أن الخطوة التي أقدم عليها رئيس السلطة انفراديَّة، فإنه يتوجب قياس موضوعيَّة تحقق هذه المحاذير في ضوء الإحاطة بالمخاطر التي تحدق ليس فقط بإسرائيل جراء الاستحقاق، بل وبالبرنامج السياسي لعباس نفسه.

 

إسدال الستار على التسوية

على الرغم من أن عباس يعلن صباح مساء أن استحقاق أيلول يهدف بشكل أساسي إلى توفير الظروف المناسبة لإحياء مسار التسوية مع إسرائيل، إلا أن هناك مؤشرات تدلِّل على أن الأمور قد تسير بعكس ما يخطط له عباس ويرغب فيه؛ ففي تل أبيب تدير شئون الحكم نخبة سياسيَّة متطرفة لا تحسب دائمًا خطواتها بشكل منطقي وعقلاني، ففي مقابلة نشرتها معه مجلة أمريكيَّة، قال السفير الأمريكي في واشنطن مايكل أورن أن حكومة نتنياهو ستتجه إلى إلغاء كل الاتفاقيات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينيَّة في حال حصلت الدولة الفلسطينيَّة على عضوية الجمعيَّة العامة، في حين يرى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن إسرائيل لا تستبعد أن تعلن عن السلطة الفلسطينيَّة ككيان "معادٍ"، وهي نفس المكانة التي خلعتها إسرائيل على قطاع غزة في أعقاب سيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة، ويذهب بعض الساسة في الائتلاف الحاكم في تل أبيب إلى حد المطالبة بفرض السيادة الإسرائيليَّة على جميع مناطق الضفة الغربيَّة كرد على الخطوة الفلسطينيَّة، أن مآلات الأمور لا تتأثر بإرادة عباس، فالواقع، وليس النوايا، هو الذي سيملي وتيرة الأحداث وليس العكس، من ناحية ثانية إذا كانت السلطة وإسرائيل قد عجزتا عن إدارة المفاوضات قبل استحقاق أيلول، فهل بالإمكان إنجاز مثل هذه المهمَّة بعد هذا الاستحقاق؟

 

محاصرة إسرائيل وتراجع مكانتها

ومن الواضح أن إسدال الستار على إمكانيَّة استئناف المفاوضات يأتي في ظل قناعة معظم دول العالم بأن إسرائيل هي الطرف المسئول عن هذه النتيجة، وبالتالي فإن هذا السيناريو سيضاعف مع عزلة إسرائيل وتراجع مكانتها الدوليَّة، فلم يعد أحد في العالم مقتنعًا بحق أن هناك ما يمكن التفاوض بشأنه مع الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ومما يزيد من خطورة وضع إسرائيل هو حقيقة أن حصول "دولة فلسطين"، وإن كانت على ورق، على صفة مراقب في الجمعيَّة العامة للأمم المتحدة، فإن هذا قد يفاقم من كلفة الاحتلال الإسرائيلي، فكما يقول العديد من خبراء القانون الدولي فإن الحصول على مكانة مراقب يعني أن تتحول إسرائيل –حسب القانون الدولي– من دولة محتلة إلى دولة غازية، وتتحول الدولة الفلسطينيَّة إلى دولة تقع تحت تأثير غزو دولة أخرى، مع كل ما ينطوي عليه من مخاطر رفع دعاوى دوليَّة ضد إسرائيل في المحافل الدوليَّة، وهناك إمكانية أن يتم نزع الشرعيَّة الدوليَّة عن أي نشاط للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربيَّة، صحيح أن الولايات المتحدة ودولًا أوروبية ستعمل على تطويق تداعيات هذه الخطوات، إلا أنها ستسبب إزعاجًا كبيرًا لإسرائيل.

 

توقيت صعب

إن أكثر ما يثير القلق في إسرائيل هو حقيقة أن التوجه للأمم المتحدة يأتي في توقيت صعب، وهو تواصل ثورات التحول الديمقراطي في العالم العربي، والمخاطر التي باتت تحدق بإسرائيل جراء هذه الثورات، والتي باتت تنبئ بتحول أي حدث محدود إلى تطور إقليمي يحمل في طياته بذور انفجار كامل تدفع إسرائيل إزاءه أثمانًا استراتيجيَّة باهظة، كما حدث في أعقاب عملية "إيلات".

 

فإسرائيل تحت القيادة اليمينية المتطرفة ستكون في مأزق كبير، فمن ناحية لا تسمح لنفسها بعدم الرد على الخطوة الفلسطينيَّة بشكل مناسب، لكنها في نفس الوقت تدرك أن ردًّا إسرائيليًّا سيكون مقترنًا برد ما بعد ثورات التحول الديمقراطي العربيَّة، وهو رد يعكس عدم استعداد العرب المرور مرّ الكرام على السلوك العدائي الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.

 

إضعاف الولايات المتحدة

إن هناك الكثير من الأسباب الوجيهة التي دفعت الرئيس أوباما لبذل جهود كبيرة لثني عباس عن التوجه للأمم المتحدة وتلويحه بالعصا والجزرة لردعه عن الذهاب إلى هناك، فأوباما يعي النتائج الكارثيَّة للتحرك الفلسطيني على مصالح الولايات المتحدة، حيث أن اضطرار واشنطن للوقوف إلى جانب إسرائيل عبر استخدام حق النقض الفيتو لدى التصويت على المشروع الفلسطيني في مجلس الأمن سيحرج أمريكا ويقلص من صدقيتها ويكشف زيف محاولات ركوب أوباما موجة الثورات العربيَّة وتقديم نفسه كنصير للحراك الشعبي العربي، إن أوباما يدرك سخف المسوغات التي يقدمها لرفض توجه السلطة للأمم المتحدة، حيث أنه يزعم أن حلَّ الصراع يتأتى عبر المفاوضات، لكن العالم بأسره يعي أن أوباما الذي حاول التأثير على الموقف الإسرائيلي فشل فشلًا ذريعًا في ذلك عندما اضطرَّ للتراجع عن مطالبته بوقف الاستيطان والمشاريع التهويديَّة في القدس، لقد بلع أوباما كل الوعود التي قدمها للعرب في خطابه في جامعة القاهرة واختار عمل كل ما في وسعه لضمان ولاية رئاسيَّة ثانية عبر استرضاء المنظمات اليهوديَّة الأمريكيَّة، وسيبلغ حرج أوباما ذروته في حال نفذ النواب الجمهوريون والديمقراطيون في الكونجرس تهديدهم بتقديم مشاريع قرار لقطع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينيَّة عقابًا لها على هذه الخطوة، مثل هذه الخطوة ستضع أمريكا في صف واحد مع اليمين المتطرف الإسرائيلي، ومما لا شك فيه أن هذا سيضعف مكانة الولايات المتحدة في العالم وفي المنطقة تحديدًا وسيزيد من عزلتها الدوليَّة.

قصارى القول، على الرغم من الملاحظات التي يمكن تسجيلها على التوجه للأمم المتحدة، إلا أنه في المقابل لا يمكن تجاهل دلالات مظاهر الحرج الإسرائيلي والأمريكي، وهذا ما يستوجب على الفرقاء في الساحة الفلسطينيَّة تجاوز الخلافات القائمة والاتفاق على برنامج عمل مشترك ضمن الحد الأدنى من القواسم المشتركة لاستنفاذ الطاقة الكامنة في استحقاق أيلول