خبر المواجهة الدبلوماسية من أجل الدولة الفلسطينية .. علي الغفلي

الساعة 11:07 م|19 سبتمبر 2011

اقترب موعد ذهاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية، وماتزال السلطة تبدو محتفظة بقدر مثير للإعجاب من الإصرار على خوض هذه المواجهة الدبلوماسية في المنظمة العالمية . يتمتع التحرك الفلسطيني المزمع بدعم عربي واضح مايزال متماسكاً، على الرغم من تلقي الرئيس الفلسطيني بعض النصائح التي تعبّر عن تحفظ طرف عربي أو تخوّف جانب عربي آخر.

يمكن فهم دوافع تحرك السلطة الفلسطينية نحو الأمم المتحدة، ومن بينها أن صفة المراقب التي استمر الطرف الفلسطيني يتمتع بها في هذه المنظمة لم تعد كافية أو مقنعة، لاسيما بعد أن حصلت السلطة التي يتزعمها محمود عباس على عدة إفادات دولية عبّرت عن ثقتها بقدرة المؤسسات السياسية والإدارية الفلسطينية في الضفة الغربية على إدارة شؤون الشعب، بعد التحسن الكبير الذي طرأ على أدائها خلال الفترة الماضية . إضافة إلى ذلك، فإن مرور عشرين عاماً منذ بدء عملية السلام بانطلاق مؤتمر مدريد في سبتمبر/ أيلول العام ،1991 قد صار يعني في تأويل السلطة الفلسطينية أن الأوان قد حان من أجل أن يتم تتويج مسار المفاوضات الدبلوماسية التي خاضها الفلسطينيون مع “إسرائيل” بإعلان قيام الدولة الفلسطينية.

وفي حقيقة الأمر، فإن نحو ستة أعوام قد مرت على الموعد الذي كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قد حددته كهدف لإقامة الدولة الفلسطينية، ولكن مثل تلك الدولة المستهدفة لم تنتقل إلى حيز الواقع على الإطلاق . يستند الرئيس محمود عباس في ثقته المتزايدة حين يقرر الذهاب بمشروع الدولة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، إلى الاعتقاد أن أكثر من مئة وعشرين دولة سوف تدعم الطلب الفلسطيني، وأن هذا العدد مرشح للازدياد، وبالشكل الذي يجعل من إعلان الدولة في تقدير المسؤولين الفلسطينيين فرصة سانحة بشكل جدي ولا يجب تفويتها بأي حال . أكثر من ذلك، فإن الحالة الذهنية الشعبية السائدة في معظم الدول العربية قد صارت داعمة للحقوق السياسية الفلسطينية، وذلك بعد أن تفككت النظم السياسية المستبدة التي حالت دون تبني استراتيجة عربية فاعلة لمواجهة التهديد الذي ظل الكيان الصهيوني يشكله، وأخفقت في اتخاذ وتنفيذ سياسات خارجية عربية ناجحة لدعم الطرف الفلسطيني ضد العنجهية “الإسرائيلية” والانحياز الأمريكي.

ليس من المتصور أن تجرؤ الحكومات العربية على خذل المواجهة الدبلوماسية التي شرع الفلسطينيون في خوضها من أجل صنع أسس الشرعية الدولية التي يمكن أن تستند إليها دولتهم، ولكنْ حري بهذه الحكومات أن تمارس المزيد من الضغط على إدارة الرئيس أوباما من أجل الدفع بها نحو التعامل مع الخطوة الفلسطينية بشكل يخلو من ممارسات المغالطة والتواطؤ التي كانت تفسد أداء السياسة الخارجية العربية في ما يتعلق بالمساهمة في تشكيل إدراك وسلوك واشنطن تجاه القضية الفلسطينية.

إن موقف إدارة أوباما تجاه التحرك الدبلوماسي الفلسطيني في الأمم المتحدة سيئ للغاية، ولكنه موقف معهود ومتوقع . يتلون المسعى الأمريكي في خصوص هذه المسألة، فهو تارة يتخذ هيئة الناصح المخلص بالنسبة إلى المصلحة الفلسطينية، فيعلن أن الدولة الفلسطينية هي استحقاق ولكن الأمم المتحدة ليست بالقناة المناسبة لإنجاز ذلك . وتارة أخرى يتخذ الموقف الأمريكي مكانة المتعهد المؤتمن على عملية السلام، فيدّعي أن ذهاب الفلسطينيين بمطلب الدولة إلى المنظمة الدولية يعد انحرافاً عن المسار السلمي . ولا يفوت الطرف الأمريكي أن يبدو أكثر حزماً تجاه السلطة الفلسطينية لعل الحكومة “الإسرائيلية” تقدّر شدة التزام واشنطن بمصالح الكيان الصهيوني، فلا يتردد المسؤولون في البيت الأبيض والكونغرس في التلويح بفرض العقوبات على السلطة الفلسطينية إن لم تتراجع عن قرار نقل موضوع الدولة إلى الأمم المتحدة . وفي الوقت الذي كان بإمكان الرئيس باراك أوباما أن يرجئ الإعلان عن اعتقاده الشخصي بخصوص الدولة الفلسطينية أو يحتفظ بهذا الاعتقاد لنفسه على أقل تقدير، إلا أن قيادته المتهالكة أملت عليه أن يعلن أن طلب إعلان الدولة الفلسطينية هو مجرد لهو.

إن كان ذهاب السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة هو مجرد لهو، فإن هذه الحلقة الإضافية من اللهو سوف تضيع بين العشرات من حلقات اللهو التي جسدتها واشنطن خلال العقدين الماضيين في لعب دور الوسيط الفاسد . وإن لم تكن الأمم المتحدة هي المكان المناسب كي يعرض الفلسطينيون استحقاق دولتهم التي طالما ضاعت بين أباطيل “تل أبيب” وألاعيب واشنطن، فلعل الولايات المتحدة تود أن يدرك الفلسطينيون أن المسار الدبلوماسي قد استنفد فرصه كافة، وأنه غير مؤهل كي يفضي بالمطالب السياسية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة بوصفها منظمة الدبلوماسية العالمية . وإن كان عرض طلب إعلان الدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي يشكل انحرافاً عن المسار السلمي للقضية الفلسطينية، فإنه يجدر بالحكومة الأمريكية أن تمتلك النزاهة السياسية والشجاعة الأدبية كي تحدد الطرف

الحقيقي المسؤول عن تشويه مسار السلام، وخنق مساحات التفاوض فيه، وتعطيل آلياته، وتفريغ مضامينه.

تجد حكومة نتنياهو نفسها في مرحلة بالغة السوء في الوقت الراهن، تتقاذفها أمواج الغموض الذي تثيره الثورات الشعبية التي أودت بأنظمة حكم مستبدة كانت من السوء بحيث تمنت “تل أبيب” لو أنها لم تسقط . لم يعد بإمكان “إسرائيل” أن تأمن جانب مصر التي تقول إنها لا تحسب اتفاقات كامب ديفيد مقدسة . وتتضاعف خسائر “تل أبيب” بعد أن طفح الكيل بتركيا التي يبدو أنها تريد أن تتخلص من عار اتفاقات التحالف العسكري التي عقدتها مع “تل أبيب” قبل نحو خمسة عشر عاماً . من شأن طرح موضوع الدولة الفلسطينية أن يمعن في مضاعفة جراح “إسرائيل” الاستراتيجية، وهي جراح لن تتمكن إدارة أوباما من درئها دون أن تصيب ما تبقى من الصدقية الأمريكية في مقتل.