خبر أوباما والدولة الفلسطينية... أسامة عبد الرحمن

الساعة 12:28 م|19 سبتمبر 2011

أعطى خطاب أوباما في القاهرة أملاً كبيراً للفلسطينيين والعرب، خصوصاً عندما تطرق إلى حق الفلسطينيين في دولة قابلة للحياة وضرورة تجميد الاستيطان رغم تأكيد الالتزام الأمريكي الراسخ أمن الكيان الصهيوني .

وبعد عامين تقريباً وجّه أوباما خطاباً أكد فيه حق الفلسطينيين في دولة على حدود 1967 مع تبادل للأراضي وفق اتفاق الطرفين، كما أكد الالتزام الأمريكي الراسخ بأمن الكيان الصهيوني وحقه في دولة قومية يهودية، وحذر السلطة الفلسطينية من الذهاب إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف من الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطينية في حدود ،1967 وأن هذا المسعى لن يقيم دولة فلسطينية . وتجاهل أوباما أن هذا المسعى الفلسطيني تم اللجوء إليه بعد أن تهاوى كل ما جاء في خطابه في القاهرة من وعود . فقد فشل في إقناع الكيان الصهيوني بتجميد الاستيطان لبضعة أشهر ولم يستخدم أي ورقة ضغط حقيقية تفرض على الكيان الصهيوني الالتزام بذلك . بل قدم حوافز مغرية له لكي يقبل به، ولم تُجدِ محاولته أمام صلف الكيان الصهيوني، وبدا عاجزاً عن القيام بأي فعل، رغم حرص الإدارة الأمريكية على الظهور بمظهر الراعي للسلام .

ومضى عامان تقريباً، والتعثر يصحب أي محاولة أمريكية، لأنه لم يتم استخدام أي ورقة ضغط قوية، واستمرأ الكيان الصهيوني هذا التعثر وبدا وكأنه صاحب الكلمة العليا والقول الفصل، وخاب أمل الفلسطينيين والعرب، وتوارى الدور الأمريكي، واستقال المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، وكان أوباما متراجعاً تجاه صلف الكيان الصهيوني.

صحيح أن هذا الكيان يعتمد على قوة ضغط قوية في الولايات المتحدة، ولكن ذلك لا يجرد الرئيس الأمريكي من استخدام أي ورقة قوية لتحقيق مصلحة أمريكية، حيث أقرت الإدارة الأمريكية أن حل الدولتين مصلحة صهيونية ومصلحة أمريكية، وأنها تخدم الأمن الصهيوني والأمن القومي الأمريكي .

لقد جاء خطاب أوباما الثاني باللغة البلاغية نفسها، ولم يخرج عن سابقه في تجميل السياسة الأمريكية وتجميل الصورة الأمريكية، ولكن في أعقاب ربيع الثورة الشعبية العربية وعد باستراتيجية أمريكية تأخذ المتغيرات الجديدة في الاعتبار، وتضع للشباب وقدرتهم على التغيير والمشاركة مكاناً في حساباتها . ويبدو أن اللغة البلاغية تظل قولاً لا فعلاً، وكان الفعل هو الغائب منذ خطابه الأول . ربما داعبت اللغة البلاغية بعض الأفئدة والعقول، ولكن السياسة الأمريكية لا تصنعها هذه اللغة وإنما تصنعها المصالح الاستراتيجية .

لا شك أن الثورة الشعبية العربية ستكون حاضرة، ولابد أن تحسب لها الإدارة الأمريكية حساباً، ليس من منطلق حرصها على هذه الثورة الشعبية العربية، وإن تغنت بحق الشعوب في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، لكن حرصاً على مصالحها الاستراتيجية في الدرجة الأولى . وربما حاول أوباما شراء الثورة الشعبية العربية في مصر وتونس ببعض المساعدات الاقتصادية وغاب عنه أن الثورة الشعبية لا تشترى، خصوصاً إن وصلت إلى غاياتها في استكمال البناء الديمقراطي المؤسسي الراسخ، لأن الديمقراطية الحقيقية في هذا الإطار المؤسسي، تعتمد على الإرادة الشعبية، وهذه الإرادة حريصة على الحرية والاستقلال ولا يمكن أن تكون مطية لغايات أمريكية ومصالح أمريكية .

وإذ استحضر أوباما القضية الفلسطينية في خطابه الثاني مع إدراكه لإخفاقه الذريع في تحقيق وعوده وتواري الدور الأمريكي بعد أن محقته العثرات ودارت به عجلات الصلف الصهيوني، فإن هذا الاستحضار سببه الرئيس حضور القضية الفلسطينية بقوة في ربيع الثورة الشعبية التي حاول أوباما أن يغازلها، وليس في خطابه أي جديد . وإذا ابتهج البعض من الفلسطينيين والعرب بتأكيده الحرص على دولة فلسطينية في حدود ،1967 فقد ربطها بتبادل للأراضي وفق اتفاق الطرفين، وهو ما يعني بقاء الكتل الاستعمارية الصهيونية تحت هيمنة المحتل . ثم إن تأكيد مفهوم الدولة اليهودية هو تلبية للمطلب الصهيوني بيهودية الدولة . كما أن فكرة الانسحاب التدريجي للاحتلال يتوافق مع الحلول الجزئية التي هي فكرة صهيونية . وجاءت دعوته إلى تأجيل موضوع القدس وموضوع اللاجئين لتطعن فكرة الدولة الفلسطينية في حدود ،1967 وتطعن المصداقية في حل هذين الموضوعين، وهو ما يسعى إليه الكيان الصهيوني .

إن السلطة الفلسطينية التي ضاقت بها السبل ووجدت أن المفاوضات التي اعتمدتها خياراً وحيداً، تواجه نفقاً مسدوداً بعد سنين طويلة من الدوران العبثي في ردهاتها، حاولت اعتماد خيار الذهاب إلى الأمم المتحدة، وهو مسعى مشروع . وكان أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام الماضي، قد بشّر بدولة فلسطينية بعد عام عضواً في الأمم المتحدة، لكنه جاء في خطابه في مايو/ أيار الماضي يحذر السلطة الفلسطينية من الذهاب إلى الأمم المتحدة، لأن ذلك لن يقيم دولة . وقال مؤخراً، إن توجه الفلسطينيين نحو الأمم المتحدة يمثّل انحرافاً عن مسار السلام .

ولذلك فإن على الفلسطينيين والعرب أن يدركوا أن أوباما لم يقدم سوى لغة بيانية ووعود خاوية . وعلى أوباما أن يدرك أن العرب قد ملوا الخطابات بعد أن هبت رياح الثورة الشعبية عليهم.