خبر « الأمان » لمجرمي الحرب.. محمد عبيد

الساعة 12:01 م|17 سبتمبر 2011

بريطانيا تمنح، أخيراً، مجرمي الحرب في الكيان المحتل “الأمان”، وتهبهم بالمجان “حصانة” من الملاحقة القانونية على أراضيها، بعدما كان كل مجرم حرب “إسرائيلي”، سواء ما زال في موقعه الحربي، أو تحول إلى الجانب السياسي، يرتعد خوفاً، كلما حطت به طائرة على الأرض البريطانية، ويعتصم داخل الطائرة كونه إذا نزل منها سيحتجز مباشرة، على خلفية دعوى قضائية أو أكثر من أنصار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

التوقيت ليس بريئاً بأي حال من الأحوال، فهو يأتي في وقت بدأ فيه موقع الكيان المحتل الدبلوماسي الدولي بالتراجع المتسارع، وراحت سياساته العنصرية، وقرصنته المفضوحة، تهز الضمير الإنساني، وتدق نواقيس الخطر للعالم، بأنه لم يعد مقبولاً وجود دولة مارقة، خارجة عن القانون والشرعية الدوليين، في عالم القرن الحادي والعشرين، كما أنه يأتي في وقت يتصاعد التأييد لمطالب الشعب الفلسطيني المشروعة في تقرير المصير، والانعتاق من نير أطول احتلال في التاريخ المعاصر، ومع عزم الفلسطينيين على التوجه لأصحاب القرار العالمي في مجلس الأمن الدولي، لتأييد الاعتراف بدولة أقرت بها الأمم المتحدة منذ زمن .

لم يكن أي من مجرمي الاحتلال يعدّ للسفر إلى الخارج لأية مناسبة، إلا وبات الشغل الشاغل لدوائر المحاماة والسياسة “الإسرائيلية” في تقييم ما يمكن أن يتعرض له من ملاحقة أو احتجاز في الدولة التي يزمع السفر إليها على خلفية دعاوى مرفوعة ضده، تتهمه بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، لكن بريطانيا القوة الاستعمارية السابقة الغارقة في أحلام التفوق والعظمة، اللذين باتا أثراً من بعد عين، تأبى إلا أن تستمر في ممارسة أقبح جريمة تاريخية، استهلتها بمنح “الإسرائيليين” حقاً لا تملكه في أرض فلسطين التاريخية، التي يحاول الكيان الآن من خلال سياسات التهويد وسرقة التاريخ وتزويره تأييد روايته المكذوبة حولها، ويشن كل يوم الهجمة تلو الهجمة، فيهدم وينسف ويجرّف، يهوّد ويضم ويتوسع، يهجّر الفلسطينيين قسراً، ويقتل فرصهم في الحياة، ويحاصر حقهم حتى في دراسة تاريخ فلسطين، فيلغيها من مناهج المدارس، ويحصر فلسطين وتاريخها الأطول في فصل طال عليه الزمان من تاريخ الاحتلال وجرائمه.

ومن ثم بريطانيا تكافئ “إسرائيل” بإعلان جديد “للولاء والطاعة”، يسبق المسعى الفلسطيني الدولي، كأنها توجه لأوروبا تحذيراً من مغبة البحث عن قرار جماعي تجاه المسألة، في ظل مواقف الحياد السلبي، أو اللا مواقف التي تتخذها دول أخرى، تاركة نتائج المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات.

القانون البريطاني الجديد يصنف الدعاوى القضائية بطريقة تنال من شرف العدالة قبل أن تزعزع أسس القانون، والدولة الحديثة، فالقانون المذكور يمنع حق الشخوص القانونيين، أفراداً كانوا أم منظمات حقوقية أم غيرها، من تقديم دعاوى ضد مجرمي الحرب “الإسرائيليين” أمام القضاء البريطاني، “في حالة عدم وجود احتمال لنجاح الدعوى”، وفي هذه العبارة مؤشر خطر على ما يمكن أن يؤول إليه الحق في التقاضي والعدالة، من تقويض ومصادرة مسبقة للحق، تحت ذرائع لا يمكن إلا أن تصنف كجرائم بحق القانون والعدالة.

من الذي يستطيع إطلاق الأحكام على مستقبل دعوى قضائية، من دون أن تتوفر للمدعي والمدعى عليه فرصته وحقه في المحاكمة العادلة؟ ومن يستطيع أساساً منع أي شخص قانوني من رفع دعوى ضد آخر؟ وكيف يمكن للعدالة أن تكون إن أعطي المتهم تصريح هروب مفتوحاً من تحمّل عواقب ما أقدم عليه وما اقترفه من جرائم؟ وهل تدرك بريطانيا، يا ترى، خطورة ما أقدمت عليه؟