خبر رائحة « الفيتو » المُزْمن.. خيري منصور

الساعة 11:57 ص|17 سبتمبر 2011

هبّت رائحة “الفيتو” الأمريكي المزمن على الاعتراف بالدولة الفلسطينية من تصريحات هيلاري كلينتون، وفي مقدمتها أن الطريق إلى هذه الدولة يمر من رام الله وليس من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهذا ما توقعه المراقبون الأقل تفاؤلاً بتغيير واشنطن موقفها ولو قليلاً من هذه المسألة . ومن هؤلاء المراقبين مَنْ بنى موقفه على تراث الفيتو الأمريكي الذي لم تتخلّله جملة اعتراضية واحدة قدر تعلقه بالصراع العربي  الصهيوني . وإن كان آخرون قد احتفظوا لأنفسهم بهامش يتلخص في أن الولايات المتحدة لن تجازف بصدقيتها وبما أعلنه الرئيس أوباما عن الموعد المقرر لإعلان الدولة الفلسطينية هذا العام.

وقد يكون من المبكر القول إن الدولة الصهيونية، أصبحت عبئاً على الولايات المتحدة سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، لأن أمريكا تتحمل نفقات الاستيطان والدفاع عنه حتى لو كان ذلك تحت عناوين أخرى، لكن كيف سيواجه أوباما بعد خطاباته المتكررة عن الديمقراطية والحرية والربيع العربي سؤالاً عربياً شعبياً ورسمياً عن موقفه من إعلان الدولة الفلسطينية؟

هل سيقبل مجدداً بتهمة المعيار المزدوج، أو سيضيف إلى ما قاله عن انحياز بلاده ل”تل أبيب” كحليف حميم هو الأقرب من كل الحلفاء، عبارات توحي للعالم بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أحد المحظورات الأمنية والاستراتيجية، لأنه يهدد الكيان العبري؟ عندئذٍ سيكون قد تبنى الخطاب الصهيوني الراديكالي واكتفى بترجمته حَرْفياً إلى الإنجليزية . تصريحات هيلاري كلينتون تنسجم مع فلسفة الحروب الاستباقية، فهي تمهد للفيتو إن لم تكن قد لوّحت به بالفعل ولو عن بُعد .

وما من منطق مهما بلغ من البرغماتية، والذرائعية السياسية يحوّل عبارة أوباما الشهيرة عن الدولتين، إلى دولة ونصف الدولة أو إلى دولة وشبه دولة، لأن كل ما قيل عن الدولة الفلسطينية الموعودة والموءودة أيضاً من أنها يجب أن تكون قابلة للحياة، يفرض على الولايات المتحدة موقفاً آخر، مغايراً جملةً وتفصيلاً لتصريحات هيلاري، وإذا كان المقصود هو تمديد صلاحية المفاوضات العقيمة بديلاً من الخطوة الفلسطينية باتجاه نيل الاعتراف الدولي، فإن ذلك مجرد إضاعة للوقت إن لم يكن إهداءً لهذا الوقت لحكومة اليمين الصهيوني، بقدر ما هو إهدار للوقت بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني.

إن ما كان على مسافة شهور من اللحظة الحاسمة في العشر الأواخر من سبتمبر/ أيلول أصبح الآن على مرمى تصريح واحد من وزيرة خارجية أو ناطق باسم الإدارة الأمريكية، فما من سبيل الآن إلى ضرب أخماس لأسداس، أو لقراءة ما يصدر في واشنطن ودوائرها ذات الصلة بالشرق الأوسط من تقارير . فالمكتوب، كما يقول المثل العربي، يُقرأ من عنوانه، والعنوان واضح لا لبس فيه، لهذا على مَنْ راهنوا على واشنطن أن يتريثوا قليلاً، وينظروا إلى النصف الفارغ من زجاجتها حتى لو كان النصف الممتلئ هو من دم الفلسطينيين ودموعهم.

لن تكون السياسة الأمريكية هذا الموسم فن المستحيل أو اجتراح المتّعذر، إنها كما هي، فنّ إعادة إنتاج المواقف، وفنّ الخلط بين التكتيكي والاستراتيجي والميتا استراتيجي أيضاً، مادام الانحياز السياسي يصبح أحياناً أعمى كما هو الحبّ بحيث لا يرى العاشق ما هو قبيح ومتقيح ومقزز في وجه المعشوق.