خبر التهالك على المهالك 2- بقلم/ علي عقلة عرسان

الساعة 12:41 م|16 سبتمبر 2011

التهالك على المهالك 2- بقلم/  علي عقلة عرسان

اتسعت دوائر طلب الحماية الدولية لدى أطراف من المعارضة السورية حتى غدت كرة يتقاذفها فريق من الداخل وآخر من الخارج فتكبر بالتقاذف، ويتلقفها الأجنبي فيعد لها ويرسخها مطالب شعبية عادلة، وينظر إليها الرسمي السوري باستغراب وتعجب واستخفاف ولكنه لا يملك إلا أن يستعد لاحتمالاتها.. ويجري ذلك كله من دون أن ينصرف المعنيون بالشأن السوري كله إلى  الاهتمام بإطفاء النار التي تطبخ عليها تلك الطبخة المنتنة، نار " تدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لسورية" التي إن اشتعلت أتت على الكثير مما في الوطن ومما للشعب بأطيافه كلها من حرية وكرامة واستقلال وأمن واستقرار ودولة ديمقراطية مدنية..إلخ ومن عمران وبنى مدينية وحضارية.

إن من يدفع بهذا الاتجاه مسؤول، ومن لا يدفع خطر هذا التوجه بكل الوسائل المجدية وبعد نظر وحكمة وحنكة تنتجان مودة وألفة، ومن لا يقطع الطريق على من يخططون له ويوحون به ويتلقفونه ليحققوا أهدافاً لهم على حساب سورية وشعبها وحضورها، مسؤول أيضاً.. وعلى كلٍ أن يعلم أنه شريك في المسؤولية عن ذلك بمقدار، بصرف النظر عن الأسباب والمسببين، لأن النتائج تنعكس على الوطن الشعب، وتنحر الأبرياء قبل الضالعين بالأمر، وتضعِف سورية، وتؤدي على ما لا تحمد عقباه في المنطقة كلها.. 

لا أريد أن أدخل في التحليل والخلفيات والأسباب والمسببات فالكل أصبح يعرف الحدث ويقرأ التوجهات والسياسات ويدرك الخلفيات والمآرب والغايات والوسائل والأدوات.. ولا يفيد الذين يريدون أن يغطوا السماء بغربال أن يتلاوذوا خلف ظله إذ لا ظل له، ولأن الأمور أصبحت مكشوفة ومعروفة، ومن يعمَد إلى هذا الأسلوب أو ذاك في التعليل والتضليل يدرك قبل غيره أنه يضحك على نفسه قبل أن يضحك على غيره، وكلٌ يسيء إلى الوطن والشعب.. ولكن بأسلوبه وعلى طريقته سواء أكان طالب سلطة أو مدافع عنها.

إن لذلك الاندفاع باتجاه دحرجة كرة التدخل والحماية والمنطقة الآمنة.. إلخ خلفياته وأسبابه ومنطقه، ولما يقابله من ملاحقة وقمع ومنع أسبابه ومنطقه أيضاً، ولكن دم السوريين هو الذي يسيل على جانبي طريق المواطنة، ومصالحهم هي التي تتضرر، وبلدهم هو الذي تشوه صورته وسمعته أمام العالم كله.

ومن يقف على مسافة قصيرة من الفعل ورد الفعل ولا ينغمس في حمأتهما ولا يغرق في مستنقعاتهما.. يدرك جيداً أن من يستعدي الأجنبي على وطنه ومن لا يسد الذرائع أمام ذلك الاستعداء بحنكة وحكمة ومسؤولية ووعي شركاء.. وأن من يفعل ذلك ويساهم به بشكل ما إنما يستعديهم أو يفسح أمامهم السبل ليعتدوا على كل من في الوطن وما فيه بما في ذلك عرضه هو وماله ونفسه ـ إلا إذا كان يلعب لعبة الشيطان فيؤمِّن ذاته وما ملَك خارجَ الأرض التي يجعلها البوتقة المشتعلة والمعترَك الدامي ـ  وهو بفعله ذاك يفتح أمام أعداء الوطن والأمة أبواباً عليهما لا يمكنه أن يسدها، لأنه، وهو العاجز الذي أعلن أنه لا يستطيع القيام بأمر يريد تحقيقه، سلباً أو إيجاباً، فوض أمره إلى من يقوم به من الأجانب بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأعطاهم قياده وأملكهم من رقبته وقراره، وهو يدرك أن لكل خيار ثمن وأنه لو نجا بنفسه فقد ورط بلده وشعبه إلى مدى بعي بما لا يليق ولا يُطاق.. فما الذي يبقى لذلك المبتغي يا ترى من أمر وطنه ونفسه بالذات بعد ذلك كله، حين يستلم منهم شكليات الأمر والقرار أو يبقى قابضاً على شكليات الأمر والقرار.؟!

إن الأسباب البعيدة والأبعاد السياسية الحقيقية، العربية منها الدولية، للأزمة التي تعاني منها سورية غدت معروفة، وهي لا يمكن أن تواجه بما تستحق من معالجات يقوم بها السوريون أنفسهم إلا في ظروف مختلفة تماماً عما هو حاصل وقائم الآن.. وتلك مسؤولية الأطراف التي تعنيها الأزمة أو تخوضها بالدرجة الأولى، وهي أيضاً مسؤولية السوريين الذين يتفرجون على ما يجري لهم ولبلدهم ولا يشكلون الخيار الثالث في حين أنهم القوة الأكبر والرأي الأصلح واليد الأنظف..؟!، ولكن ليس الآن وفي هذا الظرف والزمان وقت التفصيل بدقة ووضوح وصراحة قارحة وجارحة عن كل ذلك الشأن ذي الشجون الذي يدركه كثير من الصامتين، ويتجنبون الخوض فيه خوفاً من الأعظم والأشد ضرراً وخطراً على البلاد والعباد.. وإن كانت إرهاصات المطالب والردود عليها وأساليب التفاعل فيما بينها.. تظهر وتختفي، تبرز وتُطمَس.. ولكنها تبقى كأمواج البحر مستمرة، وجذورها ضاربة في الفتنة أو منبئة بها.. وقد لعن الله الفتنة وموقظها والساعي إليها والمستفيد منها والسائر في طرقها.

المنادون بتدخل أجنبي لفرض مناطق حظر جوي في سورية ومناطق آمنة وحماية المدنيين و.. و.. إلخ، لا يخرجون عن أربعة أصناف:

1 ـ مأمور لا يستطيع رد أمر آمريه أياً كان ذلك الأمر وأياً كان ما ينطوي عليه من كوارث.

2 ـ أو جاهل بمعنى ومبنى ومدى أن يتم ذلك الأمر، وبما ينطوي عليه وينتج عنه ويرافقه من تدمير وتقتيل ومخاطر قريبة وبعيدة على الوطن والشعب.

3 ـ أو مقهور مظلوم يطلب حقاً وعتقاً ممن حبسه في قمقم وأفسد عليه حياته، وكتم أنفاسه، وضيق عليه في قفص، وسامه سوء العذاب وألحق به أكثر من فادح المصاب، وهو يشكو فلا يُسمع له، ويهان فلا يُكترث بشيء من أبسط حقوقه في الحياة والمواطنة والكرامة.. فأراد تحرراً من قيوده وثأراً من خصومه ورداً للمظالم عن نفسه، فأعياه الأمر وأعجزه الطلب، فأعمى ذلك بصره وبصيرته، وصمم على أن يصل إلى حاجاته بأية وسيلة، وغُمَّ عليه حتى لم يعد يميز الخير من الشر، الصالح من الطالح، الخطأ من الصواب.. وغاب عنه، أولم يعد يكترث بما يلحق به وبسواه من جراء تسليم قياده للأعداء التاريخيين لوطنه وأمته، ولم يعد يرى بوضوح العقل والبصيرة ما هو واضح لغيره من الأخطاء والأخطار والجرائم الكبار المترتبة على ما يقوم به.. بينما صفحات الحاضر، في أكثر من بلد عربي وإسلامي، مفتوحة أمامه تدعوه للقراءة والتبصر وتمطره بالمعرفة والمعلومات.. ولكن... 

4 ـ أو موتور حاقد صاحب شهوة لسلطة ومال وجاه ومنصب، يريد أن ينتزع ما يراه حقاً له من يد من يغلبه على أمره ويغالبه في شأنه ويستأثر بالأمر من دونه، ويشهر عليه سلاحاً يفل سلاحه.. فرغب عن كل عقل وفعل وحكمة لا توصله إلى أهدافه بأية وسيلة، ورأى رأي من قال بأن الغاية تبرر الوسيلة، فقرر الاستعانة بالآخرين، أياً كان الآخرون،  على خصم له من جلده يريد قهره، ولا فرق عنده من يحقق له مطلبه ذاك، ولا يعنيه الثمن الذي يدفعه في سبيل الوصول إلى غايته تلك ولا من يدفع ذلك الثمن.

ومن يسدون عليهم الطريق ليمضوا في طريق مفتوحة تفضي إلى التهلكة، ويواجهونهم بما يجعلهم يمضون فيها، قد يكونون من الأصناف نفسها ولكنهم في المكان المغاير.. إنهم يملكون ولا يدركون أن البشر لا يُملَكون إلى الأبد، ويظلمون ولا يدركون أن للظلم نهاية، ويأخذون على عاتقهم مسؤولية كل شيء ولا يدركون أن مواطنيهم شركاء في السراء والضراء والأمر والنهي، وأن المواطنين كما يدفعون دمهم دفاعاً عن الوطن يحق لهم أن يشاركوا في تسيير شؤون الوطن والإحساس بالأمن والأمان والكرامة والمواطَنة فيه، وعلى قدم المساواة مع الآخرين.. وأن الناس سواسية كأسنان المشط. 

ولا نريد أن ننسى، في هذا المجال والمقاربة، أن تلك كلها من طبائع الإنسان، وأن العرب عرفوها منذ الجاهلية، ليس في تحالف القبائل بعضها مع بعض أو ضد بعض لتحقيق نصر على بعضها بعضاً، ولكن في لجوئها إلى الأجنبي تتحالف معه لتقوى به على بعض قومها أو لتنتصر عليهم، فتشفي بذلك غليلاً، وترفع به رأساً، وتدخله دارة الحسب والنسب فيسجله الشعر مدحاً وهجاء والتاريخ في أيامها ووقائعها، مما هو معروف لنا.. لا سيما لدى الغساسنة حلفاء الروم والمناذرة حلفاء الفرس وما دار بينهما من حروب وما سُجلت بينهما من وقائع.. كانت نتائجها لمصلحة الموحين بها والآمرين والمتصارعين الكبار في ذلك الزمان، زمان الفرس والروم..!! وليس ببعيد عن ذلك ما قرأناه وعرفناه من سفر أمير كندة امرئ القيس إلى قيصر الروم يستعين به ليأخذ ثأراً من بني أسد، قتلة أبيه حجر، وطلبه الملْكَ من بعده:

وَلَو شاءَ كانَ الغَزوُ مِن أَرضِ حِميَرٍ       وَلَكِنَّهُ عَمداً إِلى الرومِ أَنفَرا

وهو يقول:

بَكى صاحِبي لَمّا رَأى الدَربَ دونَهُ       وَأَيقَنَ أَنّا لاحِقانِ بِقَيصَرا

فَقُلتُ لَهُ لا تَبكِ عَينُكَ إِنَّما       نُحاوِلُ مُلكاً أَو نَموتَ فَنُعذَرا

وَإِنّي زَعيمٌ إِن رَجِعتُ مُمَلَّكاً       بِسَيرٍ تَرى مِنهُ الفُرانِقَ أَزوَرا

ولكن لو تمعَّن ذلك الملك الضليل جيداً في ما خلف قوله:

وَنَشرَبُ حَتّى نَحسِبَ الخَيلَ حَولَنا    نِقاداً وَحَتّى نَحسِبَ الجَونَ أَشقَرا

لعرف امرؤ القيس أنه في الخُمار، وأن داره غير تلك الدار، ومطالبه إنما تُبلغ بغير تلك الوسائل، وأنه لا يجوز له أن يعاني ويترك صحبه معه يعانون من أجل ذلك كله تلك المعاناة..!! ولعرف من يتمعنون في ذلك ممن يغوصون اليوم هذا النوع من الخُمار السياسي على جانبي الشارع السوري أنهم يغرقون ويغرقون شعبهم وبلدهم في المصائب. أيها السوريون لا ينفعكم أن تهالكوا على المهالك، ويجمل بكم أن تنقذوا أنفسكم ووطنكم من مصير أسود ينتظر الجميع، إن أصر فريق أو أكثر منكم على الخوض في العنف والدم إلى أن يصل مفارق الفتنة ويغوص في متاهاتها ويجر غيره إليها ليطحنه رحاها.. إن التهالك على المهالك سمة من سمات هذه المرحلة من مراحل الصراع فاجتنبوه وثوبوا إلى الرشد وحكِّموا المنطق والعقل، واعرفوا أن هناك من الشعب الذي تتكلمون باسمه وتريقون الدم باسمه من لا يوافقكم ولا يقبل منكم ما أنتم فيه، ولم يعد يطيق هذا ولا يقبله منكم على أي وجه لا بأية صورة من الصور.. وأن لأولئك الحق مثل ما يدعيه كل منكم من الحق في أن ينطق باسم المصلحة العامة والشعب والوطن.. وتداركوا ما أنتم في قبل فوات الأوان.

                                              دمشق في 16/9/2011

                                              علي عقلة عرسان