خبر جاء استحقاق أيلول، فماذا بعد؟../ ماجد كيالي

الساعة 02:29 م|15 سبتمبر 2011

جاء استحقاق أيلول، فماذا بعد؟ ماجد كيالي

بدأ العدّ العكسي لما سمته القيادة الفلسطينية استحقاق أيلول (سبتمبر)، والذي تتوخّى عبره انتزاع اعتراف دولي باعتبار الدولة الفلسطينية عضواً كاملاً في أسرة الأمم المتحدة. هذه الخطوة كانت محطّ خلاف، وموضع التباس، بين الفلسطينيين، فثمة من أيدها باعتبارها خطوة إلى الأمام في الصراع مع إسرائيل، وعلى أساس أن نجاحها سيعني أن الفلسطينيين حقّقوا إنجازاً سياسياً ودبلوماسياً على غاية في الأهمية، لا سيما في مواجهة إسرائيل التي ترفض قيام دولة مستقلة للفلسطينيين. وفي إطار هذه النظرة فإن التوجّه إلى الأمم المتحدة يشكّل نوعاً من التمرّد على المسار التفاوضي العقيم، والذي استطاعت إسرائيل تحويله إلى دوامة مرهقة ومهينة ولا مخرج منها بالنسبة إلى الفلسطينيين، كما أن التحول إلى دولة يمكن أن يجعل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمثابة صراع بين دولتين.

وجهة النظر الأخرى ترى في هذه الخطوة نتاجاً للمأزق التفاوضي الذي أسرت القيادة الفلسطينية نفسها فيه منذ عقدين من الزمن، ونتاجاً لضيق أفق هذه القيادة وعجزها عن التحول نحو خيارات سياسية أكثر رحابة؛ ولو أنها تبدو أكثر صعوبة. ويتخوّف أصحاب وجهة النظر هذه من أن تكون هذه خطوة أخرى في المجهول، لأنها ربما تتمخّض عن اختزال الأهداف الفلسطينية الى مجرد دولة في الضفة والقطاع، واختزال تعريف الشعب الفلسطيني بفلسطينيي الأراضي المحتلة (1967)، ما يخرج فلسطينيي 48 واللاجئين من إطار الشعب الفلسطيني، وتصفية قضية اللاجئين، وإلغاء المكانة القانونية لمنظمة التحرير، التي تعتبر بمثابة الكيان السياسي المعنوي للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.

بالطبع ليست المسألة على هذه الدرجة من التبسيط، بل إنها جدّ معقّدة، إذ إن هذه الخطوة على كل ثغراتها وإشكالياتها والتحديات التي يمكن أن تنشأ عنها، تجد معارضة عنيدة لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. فهذه إسرائيل تهدد، مثلاً، بإنهاء العمل باتفاق أوسلو (كأنها لم تنه العمل به منذ زمن!)، وبتقييد السلطة ومنع العوائد الضريبية عنها، فيما تهدد الولايات المتحدة بوقف تمويلها لموازنات السلطة. وتفسير ذلك أن إسرائيل ترى بأن أي إنجاز تحققه السلطة في المحافل الدولية (حتى لو كان ناقصاً) سيكون بالضرورة على حسابها، وعلى حساب مكانتها الدولية؛ تماماً مثلما عملت على تقويض اتفاق أوسلو رغم أنه اتفاق ناقص ومجحف ومهين بحق الفلسطينيين.

لكن الأهم من كل ما تقدم بالنسبة للفلسطينيين أن نجاح هذه الخطوة سيضعهم أمام تحديات جديدة، إذ سينقل الاعتراف الدولي من المنظمة إلى السلطة، وهذا يعني سياسياً انتهاء دور المنظمة، وحصر ولاية السلطة بالفلسطينيين الذين يقطنون في الإقليم الذي تمّ الاعتراف بسيادتها عليه (ولو كانت سيادة ناقصة).

هكذا، وبغض النظر عن بقاء المنظمة من عدمه، فماذا بشأن مصير اللاجئين؟ هل سيصبحون في مكانة جاليات للدولة التي تم الاعتراف بها للتوّ؟ هل سيمنحون تلقائياً جنسيتها؟ وفي هذه الحال ماذا بشأن حقهم في العودة؟ أما في حال أن هؤلاء سيبقون بمكانة لاجئين، في أماكن لجوئهم الحالية، فماذا سيعني ذلك بالنسبة لعلاقتهم القانونية بالدولة الناشئة؟ هل سيبقون فلسطينيين أم سيصبحون شيئاً آخر، أو ربما بمكانة شبيهة بمكانة فلسطينيي 48، أي خارج المعادلات السياسية؟ وحينها ماذا سيتبقى من مفهوم وحدة الشعب الفلسطيني؟

على ذلك، فإن نجاح هذا الخيار لا يعني البتّة نهاية القصة، أو نهاية مرحلة التحرر الوطني، وإنما هذا يتطلب إعمال التفكير بكيفية ترجمة هذا الاعتراف، وتطويره، بعدم تحويله إلى كارثة جديدة على الفلسطينيين، لأننا يجب أن نتذكر أن ثمن الاعتراف بمنظمة التحرير، في اتفاق أوسلو (1993)، كان اتفاقاً منقوصاً ومجحفاً ومهيناً بحق الفلسطينيين وحقوقهم، فضلاً عن إنهاء طابع الحركة الوطنية كحركة تحرر وتحويلها إلى مجرد سلطة محدودة السيادة، تحت الاحتلال. وكلنا يذكر أنه في أيلول (سبتمبر 1993) كان ثمن الاعتراف بالمنظمة تطيير المنظمة لصالح السلطة (الناقصة السيادة) كما كان ثمن ذلك تأجيل البت بقضايا المستوطنات وحقوق اللاجئين والقدس والحدود وعدم توضيح ماهية الحل النهائي، وحتى عدم تعريف إسرائيل باعتبارها دولة محتلة، وهي أمور ما زال الفلسطينيون يدفعون ثمنها منذ عقدين.

لكن ماذا في حال فشل هذا الخيار؟

بداية لا أعتقد أن ثمة بين الفلسطينيين الوطنيين من سيفرح في حال لم ينجح مسعى جلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأن ذلك يعدّ انجازاً جديداً لصالح إسرائيل. لكن ما يلفت الانتباه تحديداً في هذا الأمر عدم وجود أي تصور للقيادة الفلسطينية لما بعد أيلول (سبتمبر)، أو للخطة "ب" (التالية)! فبحسب الرئيس أبو مازن فإن "الخيار الأول والثاني والثالث للفلسطينيين هو المفاوضات"، وعند نبيل شعث (عضو اللجنة المركزية لفتح) فما "بعد أيلول سيأتي تشرين الأول (اكتوبر)"! ما يفيد بأن الوضع الفلسطيني سيبقى في المربع ذاته، سواء نجح مسعى القيادة الفلسطينية أم لم ينجح، في تأكيد على ضحالة العقل السياسي الفلسطيني السائد، وبالخصوص لجهة حصر خيارات الفلسطينيين في خيار واحد وحيد، وعدم الانتباه لضرورة جسر الفجوة بين الطبقة السياسية القائدة والمجتمع الفلسطيني، حيث لا إطارات شرعية وتمثيلية يمكن أن تعزز أي خيار للفلسطينيين.

وبين هذا وذاك، وحتى لا يأخذنا التفاؤل ولا يحبطنا التشاؤم، إزاء هذه الخطوة، لنتذكر أن ثمة محطات كثيرة فاتت من دون تحقيق ما أملت به القيادة الفلسطينية. ومثلاً، فلقد ذهبت المرحلة الانتقالية (بحسب اتفاق أوسلو) هباء في العام 1999، وفي العامين 2000ـ 2001 أخفقت مفاوضات كامب ديفيد وطابا، وبعدها طلع علينا الرئيس بوش (الابن) بخطة "خريطة الطريق" (2002) التي راحت بدورها أدراج الرياح، ثم جاء مسار "آنا بوليس" (2007ـ2008) الذي طواه النسيان.

معنى ذلك أنه ومهما حصل، بشأن استحقاق أيلول (سبتمبر) فإن القضية لن تنتهي هنا، والشعب الفلسطيني سيواصل نضاله من أجل حقوقه، نجح استحقاق أيلول (سبتمبر) أو لم ينجح.