خبر سفير بلا سفارة -يديعوت

الساعة 09:04 ص|14 سبتمبر 2011

سفير بلا سفارة -يديعوت

مقابلة مع سفير اسرائيل في مصر اسحق لفنون

أجرت المقابلة: سمدار بيري

        (المضمون: بعد اربعة ايام من اجلاء الدبلوماسيين الاسرائيليين عن مصر، يتحدث السفير الاسرائيلي اسحق لفنون عن لحظات الخوف وعن نظرائه المصريين الذين أرسلوا اليه رسائل نصية اعتذارية وعن قرار العودة الى القاهرة – المصدر).

مع أول شعاع ضوء من آخر سبت، في الخامسة والنصف صباحا بالضبط، هبطت في اسرائيل طائرة سلاح الجو التي أعادت من مصر سفير اسرائيل، والدبلوماسيين وابناء عائلاتهم. "أجلوني أولا عن البيت في حي المعادي باجراء عاجل"، يروي السفير اسحق لفنون. "حدث الامر سريعا جدا بحيث لم استطع حتى حزم أدويتي لعلاج الكوليسترول".

        - هل تذكر اللحظة الدقيقة التي أبلغوك فيها أنك ستترك مصر؟

        "لا. فلم أنظر بسبب التوتر في الساعة حتى الخامسة والنصف من صباح السبت، عندما هبطنا في مكان آمن".

        كان هذا الاجلاء نهاية مسار امتد على مدى 15 ساعة دراماتية، بدأت قُبيل ظهر يوم الجمعة حينما تدفق آلاف من المتظاهرين على ميدان التحرير من اجل "يوم تصحيح مسار الثورة". وحينما أبعدتهم قوات الامن، انقسم المتظاهرون في مسيرتي احتجاج توجهت واحدة منهما الى وزارة الداخلية في حي الجيزة، وأحرق المشاركون فيها سيارات وحاولوا الاختراق الى المبنى، وجاءت مسيرة أكبر الى مبنى السفارة، فاستُلت فؤوس ومطارق وفي غضون اربع ساعات ومن غير أن يتدخل أحد من عناصر الامن المحلي – حُطم سور الامن ودخل المتظاهرون الى داخل المبنى فسلبوا وطرحوا وثائق في الشارع، على صوت هتاف الجمهور.

        "هل تريدين الحقيقة؟ كانت لحظة ما خفت فيها"، يعترف لفنون. "جلست في البيت أشاهد قناة "الجزيرة" المباشرة التي أبلغت عما يحدث في مبنى السفارة، حينما أبلغوني فجأة في صراخ أنهم نجحوا في الاختراق الى الطبقة الـ 16 من المبنى وهي احدى طبقاتنا. آنئذ أدركت أننا دخلنا وضعا جديدا خطرا. وعلمت انه يوجد هناك اصدقاء لنا، وأن الجمهور في الخارج غاضب وأن ما بثوه في "الجزيرة" أجج الغرائز أكثر. وقد خفت جدا ويدي على قلبي على ناسنا".

 

        صدمة شعورية مضاعفة

        هذه هي المرة الثانية التي يُتخذ فيها في القدس قرار على اجلاء عائلات العاملين في السفارة الاسرائيلية في القاهرة. ففي كانون الثاني عندما بدأت الاحتجاجات الغاضبة على مبارك، أُعيدت النساء والاولاد وقُلص فريق السفارة. ومنذ ذلك الحين، وعلى أثر العملية الارهابية في ايلات وموت ضابط وخمس جنود مصريين اثناء تبادل النيران مع قوات الجيش الاسرائيلي – طغى التوتر. "استقر الرأي في فترة ما على أن نعمل من البيت لكن عدنا الى السفارة"، يقول لفنون، الذي التقى قبل 24 ساعة من الاحداث التي أفضت الى الاجلاء في مكتبه سفيرة الولايات المتحدة في القاهرة، آن بترسون.

        تُعرف القاهرة في وزارة الخارجية في القدس بأنها "مكان تصعب الخدمة فيه": فالامن الشخصي للدبلوماسيين الاسرائيليين، والعزلة التي يعيشون فيها، والقطيعة من قبل الاتحادات المهنية والمثقفين – كل ذلك زاد حدة وشدة منذ خُلع مبارك قبل سبعة اشهر. "أفضل أن أحتفظ بمشاعري لنفسي"، يقول لفنون حينما اسأله هل لذعت قلبه صور مبارك في قفص الاتهام في المحكمة. "لأنني أتذكره من اللقاءات والزيارات الرسمية، حينما تناولت الطعام على مائدته".

        اعتقد لفنون مثل سلفه في المنصب انه سينهي اربع سني عمل ويخرج للتقاعد بعد شهرين، وأنه سينجح في تصديع أسوار العداء. "اعتقد أن السفير يستطيع أن ينجح بصورة نسبية"، يقول. "الظروف هناك صعبة وليس هذا جديدا، لكن مع كل ذلك يمكن دائما فعل شيء ما، وقد نجحنا بفعله. والمشكلة هي انه بعد اسقاط مبارك زادت الهجمات على اسرائيل حتى من جهات رسمية. فعلى سبيل المثال لم يكف نائب رئيس الحكومة يحيى الجمل الذي عُزل في المدة الاخيرة، عن اتهامنا بأمور كثيرة، مثل الشقاق بين المسلمين والأقباط في مصر أو – كلامه الأحمق الجديد – عن المسؤولية عن الأحداث الاخيرة في السفارة".

        - أسمحت لنفسك برغم جميع التحذيرات الامنية والعزلة والقطيعة الاجتماعية بالخروج لمطعم في القاهرة أو الى مقهى؟.

        "خرجت يوم الاحد الماضي الى مقهى في المعادي، وجلست الى شخص ما من السفارة. أردنا فقط أن نتنفس شيئا من الهواء، وسلكنا بحسب القواعد، فلم نُطل المكوث هناك. منذ وقعت العملية في ايلات ثقُل الجو علينا ويجب أن نحذر. شربنا القهوة وغادرنا".

        - هل استطعت أن تظهر علنا مع شخص مصري؟

        "تعالي نقل هذا بلغة دبلوماسية: كنت في المدة الاخيرة مشغولا بالعمل".

        ومع كل ذلك تطورت الاحداث سريعا على نحو مفاجيء تقريبا. وقد سارع لفنون الى الهاتف حينما رأى الجمهور يدخل المبنى. "كنت في واقع الامر في اتصال بكل من كان مستعدا لاجابتي في الجانب المصري. يجب أن نفهم انه في وضع هش الى هذه الدرجة وحينما يكون الخطر على الحياة يغشى ناسنا – فانك لا تجري حسابات دبلوماسية، فأنت تتوجه الى كل من كُتب رقم هاتفه عندك. وتحاول أن تُشغل كل من هو مستعد للحديث".

        وفي مقابلة ذلك أعلم لفنون طوال الوقت الجهات في القدس. كان أول قرار اتُخذ في ديوان رئيس الحكومة هو اجلاء الدبلوماسيين. "في هذه المرحلة لم تكن حياتنا معرضة لخطر حقيقي"، يقول. "لكنه مع ذلك انتشرت اشاعات في القاهرة أن الجمهور ينوي الوصول الى بيتي ايضا".

        - هل يعرفون عنوانك؟

        "ليس هذا سرا قبل كل شيء. فيكفي أن يعرف واحد ليجر آخرين. وقد كانوا عندي. لكن حينما انتشرت الاشاعة عن نية مداهمة بيتي لم أكن هناك".

        دخل لفنون وحراسه الملازمون السيارات المصفحة وانطلقوا مسرعين تحت جنح الليل الى المطار الدولي في القاهرة، لا قبل أن يُبلغ لفنون كمال عمر، وهو موظف كبير في مكتب وزير الخارجية المصرية، عن المغادرة. "عبر عن أسف لما حدث وقال أنه يأمل أن نعود. بعد مرور بضع ساعات تلقيت ايضا رسائل نصية من ناس رسميين في مصر قالوا انه لا كلام عندهم عما حدث. ويجب علي ايضا أن أذكر الاسهام المتميز للسفيرة الامريكية في القاهرة آن بترسون، التي حرصت على اجراء اتصال وثيق بي حقا حتى الصعود الى الطائرة".

        - هل تحافظ منذ ذلك الحين على اتصال هاتفي بالقاهرة؟

        "بنائبي فقط، اسرائيل تيكوتشينسكي في المكان الآمن الذي يوجد فيه. وهو يُحدثني عما يفعل وكيف يعيش، وأتلقى منه تقارير يومية. لا تنسي انه مرت اربعة ايام فقط منذ هذه الواقعة الصادمة شعوريا".

        بعد أن تأكد لفنون فقط من أن الحراس الستة المحاصرين في السفارة قد أصبحوا في طريقهم الى الخارج، أقلعت الطائرة الاولى في الطريق الى البيت الى اسرائيل. بدت ساعة الطيران القصيرة الفاصلة بين القاهرة وتل ابيب طويلة على نحو خاص. والهدوء المتوتر الذي دخل فيه الدبلوماسيون الثمانون وزوجاتهم وسبعة وعشرون طفلا على الأقل – نُقض بين الفينة والاخرى بانفجارات بكاء. يقول لفنون: "كانت الصدمة الشعورية مضاعفة. لا لأن هذه كانت المرة الثانية التي نُجلى فيها بل بسبب العملية العاجلة المضغوطة في مساء السبت، كان هناك اطفال صرخوا وكان يجب اطعامهم وتسكين جأشهم. وبكى عدد من النساء ايضا لكثرة التوتر".

        لكن في هذه الحال المضغوطة خاصة ظهرت قوة خاصة. "ساعد بعضنا بعضا قبل الطيران وفي اثنائه. وعندما جلسنا قبل الاقلاع كان الجو جامدا. فأنت تفكر من جهة قائلا: "الحمد لله أصبحنا آخر الامر في مكان آمن"، ومن جهة ثانية ما تزال هذه تجربة شعورية صعبة جدا. كان هناك شعور ثقيل".

        بعد الاقلاع مشى السفير يتجول بين المقاعد: "مع الصمت في الأساس"، يعترف. دُفعنا الى وضع انساني صعب ومعقد جدا ولم يكن الكثير مما نفعل سوى كلمات التشجيع والتفهم، واستطعت أن اؤكد فقط أن الطائرة في طريقها الى البيت".

        العودة في أسرع وقت ممكن

        بعد يوم من الاحداث لاح في وسائل الاعلام المصرية ندم معلن وجلد للذات. ولم يوفر أصحاب أعمدة أجلاء في القاهرة وناس حياة عامة وجهات رسمية ومنافسون في الرئاسة ومجلس الشعب، لم يوفروا التنديدات. يقول لفنون: "استوعبوا ما حدث. وليس هذا أمرا سهلا عندهم ايضا فهو يخالف جميع المعايير الدولية. فلكل دولة ذات سيادة ومنها مصر بالطبع، التزام الحفاظ على السفارات. ان الصور التي رأيناها جميعا في التلفاز لا تُطري مصر. بدأت هناك مسيرة استيعاب أن ما حدث لم يكن يجوز أن يحدث".

        - قد أعلن نتنياهو وليبرمان أنهما ينويان اعادة الدبلوماسيين الى القاهرة "في أسرع وقت ممكن". ما رأيك في هذا؟

        "أعتقد أن هذا قرار ذكي. ليت هذه الحادثة الصعبة الخطيرة تفضي ايضا الى تحول في العلاقة معنا والصلات مع اسرائيل".

        - هل ستعود الى المبنى الذي تم اختراقه؟

        "لا استطيع الجواب، فلست أعلم ما هي حاله بعد الاختراق العنيف. أعلم فقط انه توجد نية اعادتي في أسرع وقت ممكن".