خبر إضاعة فرصة اخرى- هآرتس

الساعة 08:52 ص|13 سبتمبر 2011

إضاعة فرصة اخرى- هآرتس

بقلم: ايلي فوده

(المضمون: تلتزم اسرائيل كما يرى الكاتب منذ زمن بعيد ما يسميه "الحل السياسي المؤجل" بحيث لا تبادر الى انتهاز الفرص لتغيير الواقع ثم يتبين لها متأخرة انها لو انتهزت الفرصة لكان ذلك أفضل لها - المصدر).

        إن عدم رد الحكومة على التغييرات التي تحدث في العالم العربي وعلى الاعتراف القريب بالدولة الفلسطينية في الامم المتحدة ليس مفاجئا من جهة التاريخ. فالفحص عن سياسة اسرائيل في الصراع الاسرائيلي العربي على مدى السنين يكشف، بتعميم قاس، عن أعراض يمكن أن نسميها "الحل السياسي المؤجل": فحينما تواجه اسرائيل تغييرات جهازية لا تسارع الى قراءة الخريطة واستخلاص النتائج والأخذ بسياسة تحاول مواجهة التغييرات. واليكم عددا من الامثلة.

        في شباط 1971 عرض أنور السادات مبادرة سياسية بعيدة المدى كانت استعدادا للتوقيع على اتفاق سلام مقابل انسحاب اسرائيلي كامل من سيناء. ورفضت حكومة غولدا مئير التي نظرت باستخفاف الى الرئيس الجديد الذي حل محل عبد الناصر، رفضت الاقتراح من غير أن تخصص له انتباها ملائما. وبعد النتائج المؤسفة لحرب يوم الغفران فقط بدأ تغيير ما في التفكير الاسرائيلي لم يفض حتى ذلك الوقت الى اتفاق سلام بل الى توقيع على اتفاقات فصل القوات. واحتيج الى مبادرة اخرى من السادات – زيارة القدس – لاحداث التغيير المبدئي في التفكير الذي كان يمكن أن يحدث قبل ذلك بست سنوات لو أن اسرائيل كانت مصغية الى الاصوات من الجانب المصري.

        والمثال الثاني هو رد اسرائيل على تغيير موقف م.ت.ف في نهاية 1988 بعد نشوب الانتفاضة الاولى. وقد وافق عرفات من اجل ان يقطف ثمرات الانتفاضة على قبول الشروط الثلاثة التي عُرضت عليه للاندماج في المسيرة السياسية وهي: الاعتراف بدولة اسرائيل وقبول القرار 242 والتخلي عن الارهاب. وقد كان قبول هذه الشروط أساسا لبدء الحوار بين الولايات المتحدة وم.ت.ف. وسارع الاردن ايضا الى استخلاص استنتاجاته من الانتفاضة وفك ارتباطه مع الضفة الغربية.

        لكن برغم كل ذلك استمرت اسرائيل على معارضة التفاوض مع م.ت.ف؛ وعرضت مبادرة سلام اسحق شمير التي عُرضت في أيار 1989 حلا لم يكن ذا صلة من جهة سياسية وهو: انتخابات في المناطق دون مشاركة م.ت.ف وانشاء وفد اردني فلسطيني ليس اعضاؤه من م.ت.ف. بعد ذلك باربع سنين فقط في 1993، وقعت حكومة رابين – شمعون بيرس على اتفاقات اوسلو التي اعترفت بـ م.ت.ف.

        والمثال الثالث هو نشر مبادرة السلام العربية في آذار 2002 التي اشتملت على اقتراح من جميع الدول العربية أن تعترف باسرائيل وأن توقع على اتفاق سلام شامل مقابل انسحاب كامل من المناطق. كان الحديث عن تغيير مبدئي في التفكير العربي ناقض مناقضة مطلقة قرارات مؤتمر الخرطوم في 1967 (لا سلام ولا اعتراف ولا تفاوض مع اسرائيل).

        لم ترد حكومة اريئيل شارون التي لم تفهم (أو لم تشأ أن تفهم) عمق التغيير على المبادرة ألبتة. وأسهمت الولايات المتحدة تحت حكم بوش ايضا بنصيبها في التجاهل حينما نشرت خطة "خريطة الطريق" في 2003. بعد حرب لبنان الثانية فقط، مع نتائجها المريرة، رأى اهود اولمرت فجأة المبادرة العربية أداة واعدة لتقديم السلام وتقديم مصالح اسرائيل في المنطقة. لكن النهاية غير المتوقعة لمدة ولايته أضرت بقدرته على تحقيق التغيير.

        الآن ايضا، كما في الماضي، يبدو ان حكومة اسرائيل مصابة بأعراض "الحل السياسي المؤجل". فبرغم التغييرات الجوهرية التي تحدث في العالم العربي نتيجة الثورات والاعلان المتوقع في الامم المتحدة، وبازاء عزلة اسرائيل التي أخذت تزداد في المنطقة وفي العالم، لا تحاول اسرائيل أن تقرأ الخريطة وأن تستنتج الاستنتاجات المطلوبة وأن تأخذ بسياسة مناسبة تواجه الواقع الجديد. إن عدم فعل متخذي القرارات يُمكّنهم في ظاهر الامر من التمسك بالوضع الراهن لكن معناه في الحقيقة هو الجمود والنكوص.

        كتب المؤرخ البريطاني ليدل هارت كتابا عنوانه "لماذا لا نتعلم من التاريخ؟" والجواب كامن في الأساس في المستوى النفسي: فنحن نخاف لأننا لا نعلم ماذا سيلد اليوم. لكن بحثا مقارنا لسلوك اسرائيل يمكن أن يزيل المخاوف قليلا وأن يظهر ان طريقة "الحل السياسي المؤجل" لم تُجد عليها. والبديل عن ذلك مبادرة سياسية بعيدة المدى تأخذ اسرائيل الى مكان ستبلغه في المستقبل غير البعيد وفي ظروف أقل حُسنا.