خبر حكاية الاستشهادي عز الدين المصري.. نموذج للفراسة الأمنية

الساعة 07:02 ص|12 سبتمبر 2011

حكاية الاستشهادي عز الدين المصري.. نموذج للفراسة الأمنية

فلسطين اليوم- غزة

لم يكن الاستشهادي عز الدين المصري رجلا عادياً, بل كان أمنياً من الطراز الأول منذ نعومة اظافره , فالملكة الأمنية تجلت فيه في ظل اشتداد العمل الاستخباري الصهيوني, حيث برزت ذروة فراسته في اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ عمليته الفدائية, والتي دفعت العدو بالاعتراف بقدرته الأمنية العالية في التخفي والتمويه.

انتمي الشهيد عز الدين للحركة الإسلامية بطريقة سرية, ومن ثم التحق بجناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام, فالتزامه وتربيته الإيمانية وسكونه الدائم دفعه ليكون في مقدمة المرشحين لتنفيذ عملية فدائية.

فقد عرف عن الشهيد المجاهد سكونه وهدوءه الدائم, فكانت أسراره حبيسة صدره لا يخرجها من طرف صدره الأيمن للأيسر, ما جعله في دائرته المحيطة محل ثقة وفي عيون قادة العمل العسكري الفلسطيني عملة نادرة لا يمكن الحصول عليها بسهولة.

عُرف عن عز الدين بعلاقته الوثيقة مع أهل مدينته "جنين"  وحبه لهم واهتمامه بهم إلا أنه لم يكن ليشعر أحد أو ممن يختلط بهم بأنه انضم للمقاومة العسكرية.

 

رصد ومتابعة

ويقول أبو محمد أحد قادة العمل الأمني للمقاومة في مدينة جنين يقول:" عندما كان الشهيد عز الدين في السوق ويرسل الطلبات بدقة وأمانة وبصمت في أغلب الأحيان بات محل للأنظار في ظل التزامه الديني والأخلاقي الذي يشهد الجميع له بذلك, هذا كله دفعنا للتفكير الجدي في دمجه للعمل السري الداعم للمجاهدين, لكن وقع الاختيار عليه ليكون ضمن قوافل الاستشهاديين".

وأضاف :"الصمت والحس الأمني العالي كانا سببا رئيسياً في ترشيحه لتنفيذ عملية ضخمة تهز دولة الاحتلال التي ارتكبت جريمة بشعة بحق قيادات الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم الشهيدين الجمالين: جمال اسليم وحمال منصور".

وتابع :" من خلال عمل الشهيد في السوق كلف الأخوة أحد الشبان المقربين منه المنضمين إلى العمل الأمني الجهادي لمتابعته وإيصال كافة التفاصيل عنه للقيادة, فكانت جميع الأخبار التي تصل عنه أنه خير الشباب العابد والزاهد والكتوم والمحب للعمل و الجهاد".

ومع اشتعال الانتفاضة الأخيرة وتصاعد لهيبها ضد المحتل،  سقط الكثير من محبي عز الدين بين شهيد وجريح وأسير، ومع وكل حدث تحمله الانتفاضة يزيد عز الدين إصرارا على الوفاء لدماء الشهداء وآهات الثكالى والجرحى، ووتعالى في قلبه فكرة الدفاع عن أبناء شعبه بسبب القتل والتشريد الممارس بشكل منظم.

 

وعي أمني

وفي ظل العمل الاستخباري الصهيوني المتواصل قبل انتفاضة الأقصى وخلالها كان للشهيد جولات مع المخابرات الصهيونية التي حاولت ابتزازه بأهله ومدخل العائلة وأن يعمل لصالحها .

وخلال العام 1999 أرسلت المخابرات له كتاب تبليغ للمقابلة في معسكر سالم القريب من جنين, فتوجه للمقابلة بثقة واطمئنان ووعي كامل حيث قابل ضابط المخابرات الذي استخدم معه أسلوب التهديد والوعيد واتهمه بالانتماء لحركة حماس دون إبداء أية أدلة حقيقية.

وقد مكنت الثقة التي يتمتع بها عز الدين من مواجهة رجل المخابرات بثبات ورفض الابتزاز الترهيب والترغيب الذي مورس ضده  طيلة 12 ساعات متواصلة من الانتظار والتحقيق.

وخلال التحقيق كان الاتهام واضحاً له بأنه عضو في حركة حماس ويقوم بنشاطات معادية للكيان، فما كان منه إلا أن أنكر ذلك بثقة كبيرة .. وبدأت عمليات الترهيب والترغيب،  ولكن البطل الحر لم يأبه بذلك أبداً، بل بدا كالجبل الشامخ الأشم.

وبعد رفضه للتهديد والوعيد تعرض لجولات أخرى من الترغيب، فقدمت أمامه الإغراءات  والوعود بزيادة دخله الشهري وتمكينه من فتح محل خاص به،  إلا أن ذلك  لم يغير من مواقفه الراسخة والتي تمثلت في قوله:"والله لو أعطيتني مال الدنيا كله على أن أتعامل معكم، ما فعلت وما حلمتم بذلك أبداً، فافعلوا ما شئتم فلن أكون خائنا لديني وأمتي أبدا بإذن الله تعالى ", وبعدها خرج شامخاً دون أن تنال منه المخابرات لينًا أو وهنًا.

وبعد مدة ليست ببعيدة تم تجنيد الشهيد عز الدين المصري في صفوف كتائب القسام على يد القائد في الكتائب المهندس قيس عدوان أبو جبل, وبدأ العمل بسرية تامة, وقد تم تجهيزه لتنفيذ عمليه استشهادية كبيرة في دولة الكيان.

وبالفعل تم إعداد عز الدين جيداً وتوجه بعد ظهر يوم الخميس 11/8/2001 بمساعدة الأسيرة القسامية أحلام التميمي –التي تقضي حكماً بالجسن 16 مؤبداً- إلى مطعم "سبارو" في شارع يافا بالقدس المحتلة حيث كان مزدحماً وقت الغذاء.

 

صورة أمنية

وفي صورة أمنية جميلة يروى أحد الشهود في يوم تنفيذ العملية عن هدوء وطمأنينة الشهيد عز الدين حيث يقول :"من بين الذين كان يتدافعون لدخول المطعم كان هناك شاب يرتدي تي شيرت أبيض اللون وبدلة رياضية غامقة، وكان يضع حول وسطه محفظة مثل أكياس الكاميرات".

ويضيف الشاهد الصهيوني "وحين دخل المطعم بدأ ينظر إلى قائمة الطعام المضيئة والمعلقة على الحائط وعلى الألواح الرخامية الحمراء والخضراء والبيضاء، كما لو أنه يستكشف المنطقة المحيطة به لكن دون أن يشعر به أحد".

وتابع :" ثم سأل الشاب موظف المطعم كم يستغرق الوقت لإعداد طبق من الاسباجيتي (المعكرونة) لأخذه خارج المطعم، وبينما كان الموظف يرد فيه على سؤاله مد الشاب الفلسطيني يده داخل محفظته وفجر نفسه" ليرتقي شهيدًا بإذن الله، وأدت العملية إلى مقتل 20 و100 مصابًا من المغتصبين الصهاينة.