خبر هل تدفع أميركا « إسرائيل » إلى الجنون؟ .. طلال عوكل

الساعة 08:50 ص|11 سبتمبر 2011

هل تدفع أميركا "إسرائيل" إلى الجنون؟ .. طلال عوكل

لم يكن رئيس اللجنة التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة في أغسطس (آب) 2010، للتحقيق في الجريمة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية على أسطول الحرية رقم (1) بتاريخ 30 مايو (أيار) من نفس العام، وأدت إلى مقتل تسعة من النشطاء المدنيين على متن سفينة مرمرة التركية، لم يكن يدرك أن تقريره الذي نشرته أول هذا الشهر صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، سيتسبب في انفجار أزمة كبيرة بين تركيا و"إسرائيل".

 

ربما كان بالمر رئيس لجنة التحقيق يتوقع أن تقريره سيخدم الحكومة الإسرائيلية، حين استخلص أن الحصار الذي تفرضه "إسرائيل" على قطاع غزة منذ أكثر من ثلاث سنوات، يعد عملاً شرعياً، وأن ما قامت به "إسرائيل" ضد سفينة مرمرة التركية، ليس أكثر من استخدام مفرط للقوة لا تستحق عليه عقاباً بقدر ما أنه يفرض على "إسرائيل" تلبية الطلب التركي بالاعتذار عن تلك الجريمة.

 

بدلاً من أن يخدم بالمر "إسرائيل"، ويغطي على جريمتها، عبر تقرير وصفه الكثير من الحقوقيين على أنه سياسي وغير مهني ومخالف لقواعد القانون الدولي، ربما يدرك الآن أنه لم يفعل سوى توريط "إسرائيل" في أزمة جديدة، تضاعف جملة الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها منذ بعض الوقت.

 

من الناحية القانونية والإجرائية، يقول مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره مدينة غزة، إن الأمين العام للأمم المتحدة، تجاوز فيما يبدو عن عمد البعثة التي شكلها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لتقصي الحقائق، وللتحقيق في انتهاكات محتملة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني إزاء ملف «جريمة مرمرة»، وكانت البعثة تضم خبراء مستقلين ومن ذوي الخبرة والسمعة الحسنة.

 

ويؤكد مركز الميزان أن المجلس في جلسته الخامسة عشر، خرج باستخلاصات مختلفة عما ورد في تقرير «بالمر»، وتعتمد على نصوص القانون الدولي التي تؤكد بدورها عدم قانونية الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وتعتبره شكلاً من أشكال العقاب الجماعي الذي ينتهك القانون الدولي.

 

هذا التحليل للجنة الدولية لحقوق الإنسان يتفق عموماً مع موقف لجنة الصليب الأحمر الدولي الذي يعتبر مرجعاً في تحليل القانون الدولي، ويتفق أيضاً مع تقرير غولدستون بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نهاية العام 2008. حتى الأمين العام للأمم المتحدة الذي كلف لجنة بالمر بالتحقيق.

 

ويشكل لها غطاء، كان قد صرح أكثر من مرة مطالباً "إسرائيل" برفع حصارها عن قطاع غزة، ما يعني أنه هو الآخر شريك في محاولة «بالمر»، لتبرير العدوان على سفينة مرمرة، وعلى قطاع غزة بشكل عام.

 

هكذا يكون السحر قد انقلب على الساحر، فتحول تقرير «بالمر» إلى الصاعق المفجر لعلاقات مأزومة بين تركيا و"إسرائيل" تعود بداياتها إلى الموقف التركي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نهاية العام 2008.

 

والواقع أنه ما كان بإمكان تركيا أو غيرها، أن تنجح في الإمساك بالعصا من الوسط، من ناحية مواصلة علاقات جيدة مع "إسرائيل" بدأتها منذ عام 1949، حين اعترفت بقيام الدولة العبرية، ومن ناحية ثانية تعزيز علاقاتها وحضورها ومصالحها مع شعوب المنطقة العربية بما في ذلك الفلسطينية.

 

الأزمة، وحتى الطلاق هي النتيجة الحتمية التي ستصل إليها علاقات أي دولة كبيرة ذات تطلعات إقليمية في المنطقة، فلقد توهم الكثير من الاستراتيجيين أن اتفاقية كامب ديفيد بين "إسرائيل" ومصر، تشكل اختراقاً استراتيجياً مستقراً، ليتضح أن "إسرائيل" فشلت في استثمار الأعوام الثلاثين السابقة، لتطبيع علاقاتها ووجودها مع الشعب المصري، ومع شعوب المنطقة عموماً.

 

لقد انتهت سنوات العسل بين "إسرائيل" ومصر كما يعترف بذلك مؤخراً أحد أقطاب السياسة الأميركية، وحيث تبدي الأوساط الإسرائيلية قلقاً شديداً إزاء ما ينتظر علاقاتها مع مصر، بعد الثورة، فيما تتسم العلاقات الإسرائيلية - الإيرانية لقطب إقليمي آخر، بالعدائية.

 

وها هي "إسرائيل" تفقد حليفاً إقليمياً آخر، هو تركيا التي لم تتوان عن اتخاذ إجراءات قاسية بدأتها بطرد السفير الإسرائيلي ونائبه من أنقرة، وتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية وتجميد كامل للعلاقات التجارية والعسكرية وفي القائمة إجراءات أخرى من غير المرجح أن يؤدي التدخل الأميركي إلى منع اتخاذها وكبح تداعياتها.

 

في هذا الشهر فقط تواجه "إسرائيل" على المستوى الدولي تحديات صعبة، فالفلسطينيون عازمون على مواصلة مساعيهم نحو الأمم المتحدة، للحصول على اعتراف أو مقعد كامل العضوية لدولتهم، وفي الوقت ذاته وبالتنسيق مع تركيا يذهب الفلسطينيون إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتقديم شكوى قانونية بشأن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة.

 

وبغض النظر عن كل ما يقال على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من أن الفلسطينيين يبحثون عن شرعية وجودهم ولا يبحثون عن نزع الشرعية عن "إسرائيل"، أو أن ذلك السعي نحو الأمم المتحدة يشكل تعزيزاً لمسار عملية السلام وخيار المفاوضات.

 

فإن هذه التوجهات نحو المؤسسات الدولية، هي موضوعياً مؤشرات نحو مغادرة مربع المفاوضات إلى مربع صراع متنوع الأشكال، فضلاً عن أنه أيضاً مؤشر على فشل آليات التفاوض التي تم اعتمادها منذ ثمانية عشر عاماً، بما في ذلك الرباعية الدولية، والاحتكار الأميركي لملف المفاوضات.

 

"إسرائيل" تكاد تختنق جراء عزلة دولية متزايدة على الصعيد الدولي، وعزلة أخرى وقطعية مع القوى الإقليمية وشعوب المنطقة، الأمر الذي يفاقم أزمتها الداخلية، التي تتصل باتساع نطاق الاحتجاجات، والإضرابات التي تجتاح الدولة العبرية على خلفية غلاء المعيشة، وتمركز الاحتكارات في يد حفنة قليلة من العائلات الثرية.

 

في هذا المقام يبدو أنه ليس بمقدور حكومة نتنياهو الاعتماد لمعالجة هذه الأزمات الكبرى، على حليفتها الولايات المتحدة، التي يعترف بعض مسؤوليها بأن بلادهم غير قادرة على منع الفلسطينيين من إحراز هدفهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والحقيقة أن الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل الأعباء المترتبة عن مواصلتها الدفاع عن حليفتها، التي لا تتوقف عن توريطها في المزيد من الأزمات والتي قد تكلف "إسرائيل" مبدئياً سقوط الحكومة اليمينية القائمة.

 

وفي ظل ربيع الثورات العربية، وما ينطوي عليه هذا الربيع من متغيرات ذات أبعاد استراتيجية، فإن الولايات المتحدة، لن تكون قادرة على «الصمود» في تثبيت سياساتها ومواقفها الداعمة كلياً ل"إسرائيل"، وسيأتي يوم يرتب عليها الاختيار، ذلك أن مواصلة الانحياز ل"إسرائيل" لا يقل ثمنه عن الإمساك بالعصا من الوسط كسياسة مآلها السقوط كما يحدث في حالة العلاقات التركية - الإسرائيلية.