خبر يُحرق النادي..إسرائيل اليوم

الساعة 09:04 ص|09 سبتمبر 2011

بقلم: د. رؤوفين باركو

ليس رجب طيب اردوغان اوسكار وايلد. فلم يكن الأديب الامريكي المعروف مستعدا ليكون عضوا في ناد يقبل في صفوفه شخصا مثله. وقد ضغط اردوغان خاصة ليتم قبوله في النادي الفخم للاتحاد الاوروبي برغم رفضهم قبوله.

        كان رد الزعيم التركي متطرفا – فقد عاد الى البيت وأقال الجنرالات وجعل تركيا حكما دينيا اسلاميا في نماء ونفذ تقديرا للوضع من جديد. وهكذا تبينت له عدة تفصيلات مُحدّثة في المنطقة وخارجها: فايران تحلم بنهضة الامبراطورية الفارسية وهو يحلم بنهضة الامبراطورية العثمانية.

        إن دور تركيا الاقليمي باعتبارها حاجزا ومنزلا للقواعد العسكرية والانذارية الامريكية وبخاصة إزاء التهديد الايراني المتزايد، أصبح كنزا حتى بالنسبة لحلف شمال الاطلسي ولأمن اوروبا والمنطقة كلها. فالآن يجب على الغرب المستكبر، كما يرى اردوغان، أن يدفع ثمنا عن ذلك. واردوغان يعتقد انه يستطيع إزاء الضعف الامريكي والاوروبي أن يفتتح ناديا استعماريا خاصا به وأن يُحرق النادي القديم الذي رفض قبوله. واردوغان يفحص عن الحدود ويبدأ باسرائيل.

        في الظروف الحالية يُقدر اردوغان انه لما كانت تركيا تلعب دورا مهما جدا في مواجهة ايران في منطقتنا المتضعضعة فانه يمكن تكبيل يدي الولايات المتحدة التي تطرق باب الاتراك وضرب اسرائيل جيدا. ستضطر امريكا الآن الى ان تختار بين مصالحها الاستراتيجية في تركيا في مواجهة ايران وبين أمن اسرائيل "الوقحة" والهامشية. في هذه الظروف أرسل اردوغان قافلة "مرمرة" ويهدد الآن اسرائيل في الحوض الشرقي للبحر المتوسط ويقصد بذلك سفنها وطوافات التنقيب عن مصادر الطاقة. وذلك بعد أن طرد هذا الاسبوع في إهانة الحلقة الدبلوماسية الاسرائيلية من بلاده.

        يطمح اردوغان الى ضرب اسرائيل عن طريق تأييد الارهاب الاسلامي المتطرف مع تحييد الغرب والولايات المتحدة. وبهذا يقصد اردوغان الى تعظيم دوره الاقليمي باعتباره السلطان العثماني المستقبلي. ويمكن أن نُقدر أن هذا الاجراء اذا نجح سيقيم آخر الامر في المنطقة امبراطورية عثمانية اسلامية متطرفة تكون عدوا شديدا خطرا للغرب في المستقبل.

        مع ذلك، وفي مباحثة فكرية تمت في شبكة "الجزيرة" مؤخرا، تبين أن العرب برغم التأييد التركي للفلسطينيين غير متحمسين ألبتة لامكانية أن تعاود الامبراطورية العثمانية حكمهم كما كانت الحال في الماضي. وقد بين المتباحثون عن نظرة مشابهة الى الامبراطورية الفارسية ومطامحها في المنطقة برغم مساعدتها حماس. واتفق المتباحثون على سؤال ما الذي يدعو العرب الى العودة الى تلك الايام المظلمة من حكم الامبراطورية العثمانية أو الفارسية لهم بعد أن تحرروا من نير هذه السلطة الاجنبية.

        العنقاء والسلطان

        يبدو ان رئيس حكومة تركيا يعرف شيئا ما لا يعرفه كثيرون في اسرائيل وفي العالم حتى الآن. فهو يُقدر بحسب سلوكه انه مع انقضاء "ربيع الشعوب العربي" سيأتي الى منطقتنا "شتاء عربي اسلامي" متطرف طويل. وبحسب "علامات شاهدة" في سلوكه يمكن أن نُخمن أن مقامرة اردوغان هي ان تتبلور في منطقتنا نظم حكم اسلامية مسلحة غير ديمقراطية جدا، على طرازه هو نفسه على الأقل. وبحسب هذه العلامات، يحرك اردوغان مسارات في المنطقة لتقديم هذا الاتجاه. وفي حين يعمل في تسرع سياسي، يرمي في الحقيقة الى السيطرة على الثورات في العالم العربي مثل العنقاء الاسطورية التي تطير نحو تجديد الحكم الاسلامي وايام الدولة العثمانية مع الصفة التقليدية القديمة للسلطان وهي أنه "ظل الله على الارض".

        بحسب خطوات اردوغان في المنطقة أصبح يتصرف الآن وكأنه الله لا ظله. فهو يعمل مثل لاعب فرد غير متوقع في منطقتنا يُعد التغيير القريب: فهو يستضيف المعارضة التي تقود الثورة السورية الاسلامية في تركيا ويؤيد اجراءاتها مع التنكر والتهديد بالهجوم على حليفه بالأمس بشار الاسد (الذي أعلن ردا على ذلك الغاء التجارة الحرة مع تركيا).

        والى ذلك يعمل اردوغان على انشاء علاقات استراتيجية مع مصر ودول شمال افريقيا، ويخطط لزيارة الى ارض حماس مع تأييد معلن عملي للمنظمة الارهابية، ويؤيد جهود أبو مازن الذي يقصد الى اعلان دولة فلسطينية هذا الشهر مخالفا ارادة اسرائيل. وفي هذا السياق، ليست القافلة البحرية التركية سوى مشهد بائس في نطاق اجراءات اردوغان المتوقعة لاحداث ازمة متعمدة وتصعيدية مع اسرائيل في المستقبل ايضا.

        من السهل أن نُخمن أي صراخ كان سيصدر عن الاتراك لو أن اسرائيل ارسلت الى كردستان مجموعة من "مُحدثي المشكلات المتخصصين" من قواتها (ويوجد عندنا اثنان أو ثلاثة من هؤلاء) لمساعدة جهود الجبهة السرية الكردية الموجهة عليهم. ان الازمة التي تعمدها اردوغان كانت ترمي منذ البداية الى جعل علاقات تركيا مع اسرائيل تنحرف عن مسارها وأن يطرح بذلك عظام تشجيع وبلورة للاسلام النامي في المنطقة. وليس لهذا المسار أية صلة ببيرس أو باولمرت أو بعملية "الرصاص المصبوب" أو ليبرمان أو ايلون أو الكرسي المنخفض. لا يجب أن نبالغ في قدرة عدد من اليهود المحليين على اغضاب اردوغان حقا.

        وللتذكرة فقط نقول ان الاتراك رفضوا كل صيغة اسرائيلية لغوية للتعبير عن الاسف والتعويض. طلبوا كسر الحصار من اجل حماس، ودفع تعويضات الى عائلات القتلى والاعتذار. والاعتذار، بخلاف التعبير عن الاسف، يكمن فيه وعد بألا نمنع مرة اخرى كسر الحصار. والطموح التركي هو الى ان تستطيع حماس تهريب السلاح كما تشاء. ان استعمال القافلة البحرية خدم اردوغان باعتبارها أداة يضرب بها اليهود ويجمع فيها نقاطا في العالم الاسلامي الناهض الذي يرغب في قيادته.

        ان الشيفرة الاخلاقية للسلطان التركي الجديد قديمة تنذر بالسوء. على أثر العملية في ايلات خاصة التي بينت مبلغ كون ارهاب حماس فتاكا، ظهر تقرير بالمر الذي قضى بأن الحصار حق وان اسرائيل قد عملت كما ينبغي في قضية "مرمرة"، واردوغان فضلا عن انه لم يعتذر لتأييده الارهاب في غزة، قلب في هذا الوقت المائدة مع اسرائيل. ان هذه الشيفرة الاخلاقية تلائم دولة ظلامية عندها هياكل عظمية ارمنية في الخزانة، وتغزو قبرص وتقصف وتقتل مدنيين أكرادا في مراكزهم السكانية شمالي العراق، وتستعمل ارهابا استخباريا داخليا داخل تركيا لكنها تتجرأ على توجيه ادعاءات على أخلاقية اسرائيل.

        يبدو مع ذلك انه بقي قليل من الردع الامريكي في المنطقة، فلولا ذلك، بحسب تصريحات اردوغان، لأطلق الاتراك منذ زمن النار علينا من سفنهم وطائراتهم. وكان يمكن ان يكون هذا خطرا لأن الحديث عن سلاح جرى عليه تحويل في اسرائيل.

        بالنسبة لكل مخرج مبتديء في سينما الاخوان المسلمين، يستطيع سيناريو من هذا القبيل لاردوغان ان يكون في الوقت الحالي درجة لمسرح التاريخ باعتباره مخلص الاسلام ومنقذه. غير ان سيناريو "مرمرة" والازمة على أثرها مبتذلان وفعل هواة بصورة كبيرة في مستوى مخرج مسرح مبتديء حقا. ان الشيفرة الاخلاقية التي أخذ بها اردوغان تستعمل كما هي العادة دائما كراهية اليهود باعتبارها عامل تماثل سلبيا. ويوميء اردوغان باجراءاته المضادة لاسرائيل، الى المسلمين الثوار في الشرق الاوسط بأنه مخلصهم. وهو يُهين اسرائيل ويضر بأمنها ويحاول تركيعها للاعتذار ويطرد ناسها من بلاده ويُذل ضيوف دولته اليهود.

        ان اردوغان الذي تربى على تعاليم معاداة السامية في "بروتوكولات حكماء صهيون" توقع حتى المدة الاخيرة أن يُدخله اليهود الذين يُدبرون امور العالم بمؤامراتهم حسب رأيه، أن يُدخلوه الى الاتحاد الاوروبي ويصلوه جيدا بالغرب، وخاب أمله. وكان يحل له باعتباره مسلما متطرفا ان يقطع مع اسرائيل مسافة ويعقد صفقة ويُحسن سلاحه ويُعلم أبناء اسماعيل استعمال القوس. والآن في ضوء هدفه المجدد بصفته سلطانا عثمانيا، أو صلاح الدين الجديد على الأقل، لم يعد يلائمه السير مع اليهود، فهذا الامر يسيء اليه في العالم الاسلامي.

        ولما كان الامر كذلك، فلا يحل لأحد في اسرائيل أن يعاني أعراض الشعور اليهودي بالذنب وأن يخشى غضب الطاغية أو يندم على صد "مرمرة" وعدم الاعتذار، فما كان هذا ليساعد بل كان يزيد المشكلة حدة ويوحي بضعف اسرائيلي وتعرض في المستقبل لضغوط وابتزاز. وكي نزيل الشك نقول ان عدم الاعتذار كان موقفا صحيحا لأنه نبع من سياسة واقعية لا من شعور خلاصي بالفخر القومي وسائر أنواع الحماقات. قال بعض الاسرائيليين: "لا تعتذر أبدا، ولا تفسر أبدا، ولا تشكُ أبدا"... يا ليبرمان ليس هذا الامر هذه المرة بسببك.

        مثل عيدي أمين

        ان تركيا اليوم ذات نظام حكم ديني شمولي بعيد عن حلم أتاتورك الذي رسخ الجيش باعتباره معادلا للنظام التركي الهش. وفي ربيع الشعوب التركي اليوم يطير الجنرالات الى السجن أو البيت بل قد اختفى وهم الديمقراطية التركي. ويُسأل الآن سؤال هل يمكن اصلاح الازمة؟ وهل ستؤثر الازمة في الاقتصاد وفي العلاقة بين الشعبين الاسرائيلي والتركي؟ وما هو ضرر انتقال تكنولوجيا عسكرية الى أيدي أعداء اسرائيل؟ أما كان يفترض إزاء الحالة الايرانية أن نتعلم شيئا ما عن تقلبات نظم الحكم الاسلامية ونكون أكثر حذرا؟ وبأي قدر سيتجرأ اردوغان على المس بمصالح اسرائيلية دون أن يدفع ثمنا عن ذلك بواسطة الغرب وامريكا؟.

        ان اسرائيل هي حاملة طائرات موثوق بها. ومن حسن حظ اوروبا انه سيُقرر في منطقتنا مصير الصراع بين وكلاء الله الهاذين ومباديء الحرية والديمقراطية المحرمة بحسب شريعة الاسلام. وكلما سارع الغرب الى تعديل مسار توجيه اردوغان الفاشل سيحسن الأمر أكثر.

        اختار اردوغان ان يؤدي الدور السياسي لرئيس الدولة المجنونة، وتتميز سياسته بـ "المضي حتى النهاية". وهو يتصرف في عنف وعلى نحو غير متوقع. خدمت هذه الحيلة عيدي أمين بنجاح مشكوك فيه مسافة ما الى أن انقضى ذلك. ويفترض أن تثير صورة السلوك هذه الرعب في دول تتصل بالولايات المتحدة وقد تفضي الى تصعيد وخطر كبير على مستقبل المنطقة.

        ان تهديد اردوغان لاسرائيل في حوض البحر المتوسط الشرقي وخطواته الوقحة إزاءها اشارة وفحص عن الحدود وتحدٍ لاسرائيل واوروبا وامريكا وصبر رئيسها. وكل ضبط غربي للنفس يزيد الضعف عمقا ويزيد الوقاحة التركية في المقابل. ينوي اردوغان الآن أن يهز اوروبا والولايات المتحدة وكأنهما ذيل لا العكس. فاذا توقحتا فسيرميهما من تركيا ايضا. أحقا؟ لنرَ من يضعف أولا. فهل تدفع اسرائيل في خلال ذلك عن ضعف الردع الامريكي؟.