خبر أنقرة تمسك بورقة ناتو ضد تل أبيب

الساعة 06:55 ص|08 سبتمبر 2011

أنقرة تمسك بورقة ناتو ضد تل أبيب

فلسطين اليوم- وكالات

في أعقاب تقرير الأمم المتحدة المشكوك فيه الذي برأ إسرائيل من الهجوم الذي شنته على سفينة "مرمرة" التركية في 31 مايو 2010، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين أتراك وتركي-أميركي واحد، قامت تركيا بتخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وعلقت تعاونها العسكري معها.

 

وكانت الخيارات المطروحة أمام أنقرة محدودة جداً في هذه القضية، فالهجوم الإسرائيلي كان صارخا، وحصل في المياه الدولية ضد سفينة مدنية غير مسلحة، وقد جرى دفاعا عن سياسة بربرية غير قانونية تمارس العقاب الجماعي ضد مليون فلسطيني محاصرين في غزة من قبل إسرائيل.

 

ومن جهتها، تفيد المزاعم الإسرائيلية بأن الإسرائيليين قد اقترفوا جريمة القتل بحق الأتراك على السفينة "مرمرة" دفاعا عن النفس. واختيار كلمات دفاع عن النفس وجريمة، الواحدة بجانب الأخرى هنا، هو عمل مقصود، لأن ركاب السفينة الأتراك كانوا يدافعون عن أنفسهم ضد هجوم عنيف عندما تم اطلاق النار عليهم من قبل جنود إسرائيليين يصفون عملهم الآن على أنه دفاع عن النفس.

 

وهذا السيناريو هو محاكاة مأساوية لمئة عام من الممارسات الصهيونية في الشرق الأوسط. فمنذ أن أتى الإسرائيليون إلى هذه المنطقة على قطار أمتعة تابع لقوة احتلال إمبريالي، وهي بريطانيا العظمى، ونجحوا في تكريس أنفسهم من خلال طرد السكان الأصليين، وهو المسار الذي لا زال جاريا إلى الآن، وهم يصفون كل فعل مقاوم لعدوانهم بأنه هجوم يتطلب دفاعا عن النفس.

 

وحادثة السفينة "مرمرة" تلائم جيدا هذا العالم الصهيوني ذي المنطق الخاص، والإسرائيليون بهذا المعنى يقلبون العالم رأسا على عقب.

 

والحكومة التركية لن ترضى بهذا المنطق، وقد طالبت الإسرائيليين بحد أدنى من اللياقة عبر الاعتذار والتعويض، والأتراك بطرح مطالبهم يمارسون سلوكا متحضرا، وفي المقابل، يرفض الإسرائيليون تقديم الاعتذار، والحال أنه عندما ينقلب العالم رأسا على عقب على النحو الموصوف أعلاه، فإن أي اعتراف بوجود انحراف بسيط في منطق التطلعات، يشكل تهديدا لانهيار هذا العالم كبناء من ورق.

 

بالتالي، ماذا يمكن لأنقرة القيام به؟ إن بمقدورها النأي بنفسها عن هؤلاء المجانين ورفض أي تحالف عسكري معهم، وهذا ما فعلته. فلماذا تقدم أنقرة مساعدة عسكرية لمقترفي الجرائم بحق مواطنيها؟

 

ويمكن رؤية التأثير المنحرف في الطريقة التي جرى بها تشويه تقرير الأمم المتحدة الخاص بالهجوم على السفينة "مرمرة"، والتلاعب به. وعلى الرغم من أن جيفري بالمر كان على رأس التحقيق، وهو محام من نيوزيلندا وسياسي يتمتع بسمعة تتسم بالنزاهة والأمانة، إلا ان مشاركة الرئيس الكولومبي السابق ألفارو اوريبى، له في التحقيق قد أسفرت عن تطويقه، حيث ان هذا الأخير هو من الاتباع المخلصين للخط الإسرائيلي وحليف لواشنطن. أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي يتعرض لهجوم من قبل مكتب الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة، لإضعافه النزاهة الأخلاقية للمنظمة، فقد انحنى أيضا أمام الضغوط الأميركية والإسرائيلية.

 

وكانت النتيجة أن قصرت لجنة التحقيق نفسها "بمراجعة التقارير الآتية من إسرائيل وتركيا، وتهربت من جمع إثباتات ودلائل تتمتع بالاستقلالية أو الاستماع إلى شهادات شهود عيان". ولقد اصر بان كي مون على عدم إصدار أي تقرير إلى ان يتوصل بالمر وأوروبي إلى إجماع، الأمر الذي ضمن لمنطق إسرائيل المنحرف والمقلوب رأسا على عقب، المساواة في التقرير.

 

هكذا فإن افضل ما استطاع التحقيق القيام به هو الخروج بتقرير بنوعية حكاية "أليس في بلاد العجائب"، ومفاده أن الجنود الإسرائيليين المعتدين عملوا في اطار الدفاع عن النفس ضد المدنيين، على الرغم من استخدامهم القوة المفرطة التي تقارب الذبح والتشويه. وكان يفترض أن يكون مسار التحقيق "شفافا" لتجنب هذا النوع من الفساد، لكن بان كي مون رفض هذا الأمر.

 

وتركيا، طبعا، رفضت تقرير الأمم المتحدة، ويمكن القول الآن ان كل هذا الرفض سيذهب سدى. فنفوذ إسرائيل في مواقع السلطة داخل أميركا وأوروبا هو من العظمة بحيث لن يعدو الموقف التركي أن يكون موقفا رمزيا. لكن لا يمكن التكهن بالأمر. فللأتراك أيضا نفوذهم. وتحلم إسرائيل بذاك اليوم التي يمكنها الانضمام فيه رسميا إلى " ناتو".

 

وتركيا هي عضو في "ناتو"، ولديها ثاني أقوى قوة عسكرية في هذا الحلف وقريبا سوف تستضيف أنظمة التحذير المبكرة للمنظمة. وفي ظل الظروف الحالية، فإن جهنم سوف تتجمد قبل أن تصبح إسرائيل عضوا كاملا في "ناتو".

 

ولسوء الحظ، فإنه في ظل هذا العالم الصهيوني من انعدام المنطق، سيعزز موقف تركيا نرجسية إسرائيل، وإحساسها بأنها الضحية. وقد قال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يوماً إن إسرائيل تتصرف "كطفل كبير" قاتل، وكان على حق.

 

فوق القانون

 

لاحظ وزير الخارجية التركي أحمد أوغلو في تصريحه أن الإسرائيليين فيما يبدو يرون "أنفسهم فوق القانون الدولي والضمير الإنساني"، وفي الواقع، فإن هذا لا يمثل إلا نصف الحقيقة. فالإسرائيليون الذين لا يقيمون أي اعتبار للقانون الدولي، سواء في أعالي البحار أو في احتفاظهم بالغيتو المعيب في غزة، أو في فرضهم الاستيطان في الضفة الغربية، يبذلون جهودا أيضا لإغراء الآخرين بدعم سلوكهم الإجرامي في أي مكان يوجد لهم نفوذ.

 

وحيثما توجهوا فإنهم يأخذون مظهر الضحايا المساكين الذي يحتاجون إلى تفويض مطلق لحماية انفسهم، وهم الضحايا الذي يقتلون الآخرين باسم الدفاع عن النفس. وبهذا المنطق، فإن إسرائيل تدفعنا جميعا إلى الحالة البدائية المتوحشة