خبر أغلاف غزة؟ غلاف اسرائيل -هآرتس

الساعة 09:13 ص|07 سبتمبر 2011

أغلاف غزة؟ غلاف اسرائيل -هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: تعزز الحكومة الشعور بالحصار لأنها بذلك تقوي الروح الوطنية وتسقط الاعتراضات على سياستها - المصدر).

        ليس "غلاف غزة" مصطلحا جغرافيا أو خط حدود وهميا فقط يرسم مناطق التهديد لمجموعة من البلدات في الجنوب، انه وضع سياسي يجب من اجل الدقة أن نستبدل مع غزة باسرائيل. فغزة هي التي تغلف اسرائيل لا العكس. فاذا كان الحصار أو الاغلاق هما مقياس "الغلاف" الخانق فان اسرائيل هي التي أخذت تُخنق بفعل يديها كثيرا وبفعل غزة قليلا.

        إن الازمة مع تركيا هي المثال الاخير فقط على قدرة غزة، من داخل الجدار الذي يحيط بها، على إحداث ضرر سياسي كبير باسرائيل. وفي مصر التي كانت حليفة توأما تشبه تركيا، يثير الجمهور في النظر من جديد اتفاقات كامب ديفيد بعد عملية تفجيرية كانت غزة مشاركة فيها. ومن الشرق، سُجنت اسرائيل في نطاق جبهة سياسية جديدة حينما سيعترفون بعد أقل من اسبوعين في الامم المتحدة بدولة فلسطينية مستقلة ستشمل غزة ايضا بالطبع.

        صحيح ان الاسرائيليين، بخلاف سكان غزة، ما يزالون يستطيعون الخروج على نحو حر من دولتهم، واستيراد سلع وتصديرها بل أن يدرسوا في جامعات في الخارج، لكن الحصار أخذ يثبت. وليس الحديث فقط عن القطيعة مع سلع من المناطق والغاء دعوات محاضرين اسرائيليين أو التوجيهات الى عدم الحديث بالعبرية في طائفة من الدول. انه الشعور بأن اسرائيل أخذت تحصر نفسها في نطاق عدالتها، وتُعظم التهديدات الحقيقية والمتوهمة، وتعاود الحديث بلغة عسكرية عن "احتمال عال" أو "منخفض" لحرب، ولم تعد مستيقنة من موقف الولايات المتحدة منها وترى أكثر دول اوروبا خصما سياسية.

        ستؤيد أكثرية كبيرة من اعضاء الامم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطينية. وستقول كثيرات منها "نعم" لا لأنها تهتم بالحقوق السياسية للفلسطينيين – ففيها دول تضطهد هي نفسها مواطنيها – بل بسبب معارضتها لاسرائيل فقط. وسيؤيد فريق منها دولة فلسطينية لأنها ضاقت ذرعا بالسياسة الاسرائيلية وبالاحتلال وبالعجرفة الاسرائيلية. وستؤيد أخريات لأنها تريد أن تدس شوكة في عين واشنطن التي دللت اسرائيل سنوات كثيرة جدا. ولن يكون داحضا أن نُخمن أن يكون التصويت في الامم المتحدة بالأساس تصويت احتجاج على اسرائيل وأن يكون جزءا من الحصار غير المعلن.

        لم تكن الامم المتحدة قط ساحة قدرت اسرائيل أهميتها. فاخفاقات المنظمة معلومة وميلها على اسرائيل غير خفي. وقراراتها – ومن ذا يعلم هذا كاسرائيل – هي في الأساس حبر على ورق. لكن الامم المتحدة ساحة خطرة ربما لا تستطيع أن تحل صراعات لكنها تعرف كيف تُعين أهدافا وتنشيء تحالفات دولية وتفرض عقوبات. وهي ساحة تضعف فيها منزلة اسرائيل ويصعب على صديقاتها القريبات ايضا أن يفهمن أي دولة بالضبط يفترض أن يحمين.

        هذا جزء من ذلك الحصار الذي يشبه كتلا من الجليد تحيط بسفينة ضالة، ربابينها على ثقة بأنهم يستطيعون المداورة بينها حتى لا تستطيع الحركة بعد ذلك. وفي حصار كهذا تنصاغ على نحو طبيعي وحدة المحاصَرين. ليس الربان الذي قاد السفينة الى جبل الجليد هو المذنب بل الحالة الجوية الفظيعة؛ وليس الحصار على غزة هو المذنب بل الاتراك الاسلاميون المؤيدون لايران هم المذنبون في هدم العلاقات؛ والمصريون ايضا الذين يكشفون عن وجوههم الحقيقية، مذنبون؛ وليس الاحتلال بالطبع مذنبا بل الفلسطينيون الذين يقاومون العيش تحته.

        ما الذي بقي لتفعله حينما يثور العالم كله عليك، وحينما تحاصرك غزة بأسمائها المختلفة؟ هذا وقت الامساك بيد الحكومة واحتضان الجيش الاسرائيلي وتقديس المستوطنات وتبني خطاب محاصَرين جديد. خطاب يقنع بأنه لا سبيل اخرى سوى التي تسير فيها الحكومة، وهو خطاب فخامة شأن وترفع يقول: "نجونا من فرعون وسننجو من هذا ايضا".

        هذه هي أعراض الحصار بالضبط. وهو نفس الكلام الذي صدر عن زعماء دول وقعت تحت عقوبات. والكارثة أنه يمكن الاعتياد على الحصار لمدة زمنية طويلة كافية على الأقل تُنسي معنى ألا تكون في حصار. لكنه لا يوجد كالحصار لتقوية "الروح القومية" – وانظروا الى غزة مثلا. ولا يوجد كالحصار ايضا دواءً مضادا لشعب بدأ يعترض على قرارات حكومته ويُظهر أو يسأل اسئلة لا حاجة اليها. الحصار جيد لنا.