خبر احتمالات الرد المصري على العدوان الإسرائيلي ..طلعت مسلم

الساعة 08:08 م|05 سبتمبر 2011

احتمالات الرد المصري على العدوان الإسرائيلي ..طلعت مسلم

رغم مضي زمن محدود بين الاشتباك الإسرائيلي على الحدود المصرية وقتل وإصابة ضباط وجنود مصريين إلا أن ردود الفعل مازالت متواترة وتجري معالجة القضية من الجانبين، وتتراكم المطالب والحلول المقترحة، وتختلف التقديرات حول مدى قابلية كل اقتراح للتطبيق مما يتطلب تقديرا لكل إجراء ومدى توقع نجاحه.

 

 

عوامل الأزمة

للأزمة تاريخ يرجع إلى ما قبل يناير/ كانون الثاني 2011 وهناك عوامل ارتبطت بها، فالتوتر داخل سيناء يرتبط أكثر بانتقال السلطة في سيناء بعد جلاء القوات الإسرائيلية عنها عام 1983 إلى الشرطة المصرية، وكانت قبل الاحتلال الإسرائيلي إحدى محافظات الحدود وفقا للنظام الإداري السابق في مصر منذ الاحتلال البريطاني، حيث إن خبرة إدارة قوات الحدود لسيناء لم تنتقل بالكامل للشرطة.

 

كذلك أدت الإجراءات، التي اتخذت حتى لا تباع أراض في سيناء لمن يمكنه نقل ملكية الأراضي إلى أيد أجنبية وإسرائيلية بشكل خاص، إلى تذمر لدى سكان سيناء خاصة بعض مشروعات التنمية في سيناء والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الأراضي هناك.

 

وقد انعكس هذا  التوتر على الأحداث في سيناء حيث قامت جماعات من سيناء بمهاجمة مقار السلطة خاصة في العريش عاصمة محافظة سيناء الشمالية، كما جرت مواجهات بين بعض السكان والشرطة في سيناء.

 

 

كما أدى بيع الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، والذي قامت السلطة في مصر قبل يناير/ كانون الثاني 2011 بعقد طويل الأجل وبأسعار متدنية بالنسبة للأسعار العالمية، إلى احتجاجات مصرية سياسية وقضائية ومحاولات لتفجير الأنابيب الموصلة له، وقد أصدر القضاء الإداري حكما بإلغاء قرار البيع، لكن السلطة لم تنفذه ولجأت إلى ألاعيب للالتفاف حولها، وقد انعكس التوتر، الناجم عن استمرار تنفيذ عقد الغاز حتى لا تتعرض مصر لأحكام قضائية بالتعويض لإخلالها بالعقد المبرم بتزويد إسرائيل بالغاز، على الشارع المصري.

كذلك فإن تنفيذ السلطات المصرية لاتفاقية المعابر والتي تشتمل على معبر رفح اعتبره كثير من المصريين مشاركة في فرض الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، ويرى كثير من المصريين والغالبية العظمى من العرب، وعلى رأسهم سكان قطاع غزة، أن على مصر فتح معبر رفح بلا قيود بين مصر وقطاع غزة، بينما تلتزم الحكومة بالاتفاقية رغم أنها ليست موقعة عليها.

 

وقد أدى هذا إلى نشاط حركة تهريب المواد والبضائع من سيناء إلى غزة وبالعكس، وهو ما واجه أعمال مكافحة التهريب المصرية بما فيها إقامة سور من الصلب على الحدود بين مصر والقطاع. وقد أدى هذا إلى انضمام عناصر فلسطينية ومصرية إلى تنظيمات تصف نفسها بالجهادية لتصحيح هذا الوضع تدفعها دوافع مبدئية من جهة، والرغبة في الربح من جهة أخرى.

 

ساعد على المشكلة الأمنية في سيناء أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل قد حدت بشدة من وجود القوات المصرية في الجزء الشرقي من سيناء (شرق الحائط الغربي لسيناء) مما أدى إلى وجود فراغ أمني في منطقة شاسعة بدون قيود مما سهل على العناصر الخارجة عن القانون سواء لأسباب أمنية أو سياسية العمل بعيدا عن السلطات، وكان وجود القوات البرية والجوية يساعد بشكل غير مباشر على ضبط الأمن في سيناء وأصبحت قدرات قوات الشرطة محدودة في هذا المجال.

 

بعد أحداث يناير/ كانون الثاني 2011 حدث انفلات أمني ناجم عن انهيار قوات الشرطة مما انعكس على أوضاع قوات الأمن في سيناء وأصبحت سيناء ممرا للهاربين الذين انطلقوا من السجون، وانكمشت عناصر الشرطة داخل مقراتها وأصبحت أقل جرأة واستعدادا لمواجهة مسلحة مع العناصر الخارجة عن القانون مما شجع هذه العناصر على العمل بحرية أكبر سواء ضد السلطة أو في التهريب أو ضد العدو الإسرائيلي، ودعا بعضها إلى إقامة إمارة إسلامية في سيناء.

 

حدثت الأزمة الحدودية الأخيرة في سيناء بعد قيام القوات المصرية بعملية مضادة للعناصر الخارجة عن القانون مما دفع هذه العناصر للتعجيل بتنفيذ خططها ويبدو أنها كانت تخطط لعمل ضد ميناء إيلات، وقد استنتجت إسرائيل أن هذه العناصر قد دخلت من سيناء، وهو احتمال قائم، كما يمكن أن يكون قد حدث من داخل فلسطين المحتلة، ولكن القوات الإسرائيلية التي طاردت هذه العناصر قد دخلت الأراضي المصرية.

 

وأكدت القوات متعددة الجنسيات ذلك، ربما بتصور أن هذه العناصر اتجهت إلى مصر هربا منها، أو أنها كانت قادمة فعلا من مصر، وهنا حدث اصطدام بالقوات المصرية المسؤولة عن الأمن في هذه المنطقة مما أدى إلى خسائر في قوات الأمن المصرية، ولا يستبعد أن تكون القوات الإسرائيلية كانت على علم بأنها دخلت الأراضي المصرية.

 

ردود الفعل المطلوبة

تصاعد الغضب الشعبي والرسمي المصري وارتفعت مطالبات باتخاذ مواقف حازمة حيال العدوان الإسرائيلي واختلفت في درجة شدتها، ولكن القاسم المشترك الأعظم في هذه المطالبات أنها لا تدرك الميزان الإستراتيجي الحالي مما يضع قيودا على القرار المصري.

 

وسنحاول مناقشة احتمالات بعض هذه المطالبات. ولابد هنا من الإشارة إلى أن مناقشة القضية وفقا للقانون تعطي مصر حقوقا كثيرة، ولكن الأمر لا يتعلق بالقانون بقدر ما يتعلق بالموازين الإستراتيجية، وأن ممارسة الحقوق القانونية الدولية في النهاية مرتبطة بالقدرة على التأثير على الأطراف الأخرى لتستجيب للمطالب المشروعة المصرية.

 

وهنا لا بد من تذكر أن بنود معاهدة السلام مع إسرائيل صممت لتكون قبولا مصريا أبديا بالسيطرة الأميركية الإسرائيلية، وأن الأوضاع خلال أكثر من ثلاثين عاما مضت كرست هذه السيطرة ليس في المجال العسكري فقط، بل في أغلب المجالات الأخرى وربما أكثر.

 

استدعاء السفير المصري في تل أبيب: هذه الخطوة ممكنة دون ردود فعل هامة وغالبا تؤدي إلى خفض لمستوى الاتصال الدبلوماسي عند إسرائيل ولا يؤدي بالضرورة إلى سحب أو استدعاء السفير الإسرائيلي في القاهرة، وهو لا يؤثر على وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، وقد سبق لمصر أن استدعت سفيرها لدى إسرائيل فترة ثم عادت فأرسلته، ولم يتغير شيء خلال فترة غياب السفير المصري عن تل أبيب، لكن سحب السفير يختلف عن استدعائه حيث يعتبر خفضا للعلاقة الدبلوماسية.

 

الاحتجاج لدى إسرائيل بالطرق الدبلوماسية والمطالبة بالاعتذار والتحقيق المشترك ومحاسبة المسؤولين عن العدوان وتعويض الضحايا، وهي جميعا مطالب مشروعة، ومن المتصور احتمال استجابة إسرائيل لها، وإن كانت إسرائيل لم تعتذر عن قتلها للمواطنين الأتراك الذين كانوا على ظهر السفينة "مرمرة" التركية، وبالتالي فإن الاستجابة الإسرائيلية غير مؤكدة.

 

ويلاحظ  هنا أن ما نشر عن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك عن تعبيره عن أسفه للحادث لا يرقى إلى مستوى الاعتذار. لكن يوضع في الاعتبار أن إسرائيل تعتبر معاهدة السلام مع مصر لها أهمية إستراتيجية كبرى مما يزيد من احتمال الاستجابة لمثل هذا الطلب إذا أبدت مصر موقفا حازما.

 

تقديم شكوى إلى مجلس الأمن: إجراء ممكن، لكنه لا ينتظر أن يؤدي إلى نتيجة عملية، حيث من المؤكد، أن الولايات المتحدة الأميركية ستستخدم حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار يدين إسرائيل أسوة بما اتبعته قبل ذلك عدة مرات حيث اتفقت الدول على مسؤولية إسرائيل لكن الولايات المتحدة نقضت القرارات.

 

طرد السفير الإسرائيلي من مصر: رغم تكرار المطالبة بهذا القرار إلا أنه يكاد يكون غير محتمل حيث لا بد في مثل هذه الأحوال من تقديم مبررات لطرد السفير أي اعتباره شخصية غير مرغوب فيها، وهذا لا يحدث إلا في حال قيامه بأعمال تعتبر خرقا للعرف الدبلوماسي.

 

هذا يعني قطع العلاقات الدبلوماسية بين الحكومتين، ويتخذ هذا الإجراء في الأزمات، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل جزء لا يتجزأ من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وبالتالي فإن قطع العلاقات الدبلوماسية يشكل إلغاء لجزء هام من معاهدة السلام المذكورة مما ينذر باستئناف القتال بين البلدين وعودة لحالة الحرب.

 

إلغاء أو تعديل المعاهدة: من الطبيعي أن تطالب مصر بتعديل أو إلغاء لمعاهدة السلام مع إسرائيل باعتبار أنها مجحفة بحقوق مصر في أكثر من مجال، أولها الملحق الأول الذي يحدد أسلوب توزيع القوات بحيث يترك سيناء بدون دفاع جوي تقريبا وبدون طائرات مقاتلة كما يترك نحو ثلثي سيناء من الشرق بقوات رمزية أو بدون قوات.

 

هذا بالإضافة إلى أن المعاهدة تعطي أسبقية لالتزاماتها على أي التزامات أخرى، كما أنها مفتوحة الزمن حيث ليست لديها نهاية، أما تعديلها فيحتاج إلى موافقة الأطراف: مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر متعذر تحقيقه فيما يتعلق بما هو مطلوب تعديله، وقد رفضت إسرائيل كل طلبات التعديل حتى تلك التي في صالحها حيث ترفض المبدأ، وتقبل بتغيرات مؤقتة في أوضاع القوات، في حين أن إلغاء المعاهدة يعني العودة إلى حالة الحرب بين مصر وإسرائيل بمساندة ودعم أميركي.

رد العدوان بمثله: إن رد العدوان بمثله يعني إطلاق النيران المصرية على أفراد إسرائيليين بالقرب من الحدود المشتركة، وهو ما يعني احتمالات الرد الإسرائيلي بحيث يمكن تصاعد الاشتباكات بما ينذر باحتمال نشوب صراع مسلح يرتفع إلى مستوى حالة الحرب بين الأطراف.

 

ولابد هنا من الإشارة إلى أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل حددت القوات والأسلحة بحيث لا تكون هناك قوات مسلحة بالقرب من الحدود وتركت منطقة لا توجد بها قوات غير قوات الشرطة المدنية وهي، مهما كانت، ذات تسليح وقدرات محدودة، مما يعني الاعتماد في هذا الاختيار على الأسلحة الصغيرة أساسا بالإضافة إلى ضرورة تقدير احتمالات التصعيد وهي شبه مؤكدة.

 

 

وهو أمر يمكن القول بأن مصر ليست مستعدة له رغم الحماس الشعبي والمطالبات باتخاذ مواقف قوية نتيجة لانشغال القوات المسلحة بكثير من المهام الداخلية، واضطراب بعض الأوضاع مثل قفل الطرق وتعطيل السكك الحديدية وتأثر مرافق عامة مثل المياه والكهرباء.

 

توصيات لمواجهة المستقبل

في ظل الظروف الحالية لابد من الإشارة إلى أن سقف التوقعات المصرية ليس عاليا، وهو ما يخلق شعورا بالعجز وهو ناجم عن تراكم آثار معاهدة السلام المذكورة والتي طالما نبه إليها المهتمون والمفكرون في الفترة السابقة والتي لم تجد تجاوبا كبيرا، وربما قام البعض بالترويج لاستمرارها لتحقيق النمو والتقدم الاقتصادي ومعالجة المشاكل المعيشية اليومية، الأمر الذي لم يحدث فاستمرت الأحوال المعيشية سيئة مع تدهور الوضع الإستراتيجي.

 

هنا لابد من الالتفات إلى بعض الإجراءات التي يمكن القيام بها والتأثير على الموقف الإستراتيجي دون أن تكون دافعا نحو الصدام المسلح، وهو العمل على مقاطعة إسرائيل شعبيا وعرقلة التطبيع معها حكوميا، وهذا يتطلب أولا الاهتمام بالتعرف على مصادر السلع والخدمات بحيث تستبعد قدر الإمكان كل ما هو إسرائيلي وأميركي حيث لا يمكن تبرير الصراع المسلح على هذا الأساس، لكن من المهم تقدير وتوقع ما ستقوم به إسرائيل والولايات المتحدة كإجراءات مضادة، ولكنها أقل من شن الحرب.

 

كذلك فلا بد من إعادة بناء نظرية الأمن القومي لمصر بحيث لا تترك أغلبية عناصره في يد الولايات المتحدة الأميركية.

 

إن العلاقات المصرية العربية ومع الدول المجاورة تستطيع أن تردع المحاولات الإسرائيلية للضغط على مصر، وهكذا فإن محاولة حشد التأييد العربي والإقليمي الأفريقي وفي الشرق الأوسط يمكن أن يقوي الموقف المصري في مطالبه العادلة.

 

يظل الأثر الممكن لإنهاء معاهدة السلام مع مصر عاملا مهما في توقع رد الفعل الإسرائيلي، لذا فإنه يمكن استخدامه ككابح لإسرائيل في مواجهة الغضب ورد الفعل المصري، لكن هذا مرتبط بالمقارنة بين خسارة المعاهدة واحتمالات الخسارة الناجمة عن رد الفعل. ولا شك أن الموقف العربي الحالي وانكفاءه على نفسه، والموقف الأميركي الضعيف والملتزم بدعم إسرائيل بلا شروط، يشجع إسرائيل على تجاهل رد الفعل المصري وعدم الاستجابة للمطالب المصرية