خبر صالح النعامي يكتب : إسرائيل بعد انهيار حدود « السلام »

الساعة 06:30 م|02 سبتمبر 2011

صالح النعامي يكتب : إسرائيل بعد انهيار حدود " السلام "

لقد جاءت عملية "إيلات" في خِضَمِّ نقاشٍ يجري داخل أَرْوِقَة صُنْعِ القرار السياسي وبمشاركة قادة الجيش والأجهزة الاستخبارية حول الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه مصر بعد الثورة. وقد اعتبر الكثيرون داخل إسرائيل أنَّ وقوع هذه العملية يبرِّر المطالبة بإدخال تغييرات بنيوية شاملة وجِذْرِيّة على مبنَى الجيش الإسرائيلي، بحيث يتمّ إعادة الاعتبار للجبهة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي لتُصْبِحَ الجبهة الأهمَّ في الترتيب الميداني الجغرافي، إلى جانب التوسُّع في إقامة المزيد من ألوية المشاه المختارة، وتركيزها في الجنوب، وتوسيع سلاح الجو وإقامة المزيد من المطارات الحربية. ومن الواضح أنَّ الاستجابة لهذه المطالب يضع إسرائيل أمام مشكلتين هامتين، وهما:

 

أولاً: محدودية الموارد البشرية المتاحة للجيش في ظلِّ تدنِّي الدافعية للخدمة العسكرية في أوساط العلمانيين، وهو ما يعني زيادة العبء على شرائح اجتماعية محددة.

 

ثانيًا: الأعباء المالية الباهظة التي يَتطلّبها تنفيذ هذه التغييرات البنيوية، في وقتٍ تُواجِه الحكومة الإسرائيلية موجهةَ احتجاجاتٍ جماهيرية بسبب الغلاء. وإذا أخذنا بالاعتبار أنَّ إسرائيل تقيم حاليًا جدارًا على طول الحدود مع مصر يُكلّف ملياري دولار، فإنّ فاتورة القيام بكل هذه التحولات ستكون باهظة جدًا.

 

الاستلاب للنظام الرسمي العربي

 

هناك دلالة واضحة لنجاح منفذِّي عملية "إيلات" من اقتحام مساحات واسعة من صحراء النقب، جزء منها تصنف على أنها مناطق ذات قيمة استراتيجية كبيرة بسبب تواجُد مرافق أمنية هامة فيها، فهذا يدلِّل على أنَّ قدرة إسرائيل على حماية نفسها مرتبطة في كثير من الأحيان بحسن نية النظام الرسمي العربي. ويمكن للمرء أن يتخيَّل فقط المأزق الإسرائيلي في حال تمكّنت المقاومة من تنفيذ عمليات مماثلة عبر الحدود مع دول عربية أخرَى، لاسيما الأردن، التي تُعْتَبَر حدودها الأقرب للتجمُّعات السكانية الصهيونية. فإنْ كان وزير الحرب الصهيوني إيهود براك قد نَجَا من الموت بأعجوبة في عملية "إيلات"، وهو مُحاطٌ بعدد كبير من جنرالاته وقواته، فإنَّ قدرة إسرائيل على مواجهة عمليات تسلُّل على نطاق واسع في مناطق أخرى ستكون محدودة، علاوةً على أنَّ هذا النوع من العمليات سيعمل على استنزاف القوة العسكرية الإسرائيلية.

 

مأزق واستفزاز

 

لا خلاف في إسرائيل على أنَّ اتفاقيات السلام بينها وبين مصر تُمثِّل أبرز مركبات الأمن القومي في العقود الثلاثة الأخيرة؛ إذ إنَّ هذه الاتفاقيات ضمنت ليس فقط تحييد أكبر دولة عربية في الصراع بين إسرائيل وبقية الأطراف العربية، بل إنّها أسّست التعاون الأمني بين الجانبين، وهو ما ثبت نجاعته على مدى أكثر من ثلاثين عامًا. فعلى مدى هذه الفترة الطويلة تقاسمت مصر وإسرائيل عبء الحفاظ على أمن الحدود المشتركة، وهو ما سمح للجيش الإسرائيلي بالالتزام بعقيدة قتالية على هذه الحدود تقوم على توظيف مبدأ "القوة الدفاعية المركّزة"، وهو ما سمح عمليًا للجيش الإسرائيلي بتقليص قواته على طول الحدود المشتركة التي تَمتَدّ لأكثر من 240 كلم، بعضها حدود جبلية وعرة، حيث تَمّ الدفع بالقوات التي تَمّ الاستغناء عنها لتعزيز وجود الجيش الإسرائيلي على جبهات أخرى، سواء على الحدود مع لبنان أو مع قطاع غزة. ومما زاد الأمور تعقيدًا مقتل عددٍ من الجنود المصريين، الأمر الذي أثار حفيظة الشارع المصري بشكل كبير، وهو ما وجد تعبيره في المظاهرات التي نُظِّمَت أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة للمطالبة بإغلاقها وطرد السفير الإسرائيلي. وبخلاف سوابق الماضي التي تَمّت أثناء عهد حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، فإنّ الحكم الجديد في مصر، المتأثِّر بضغط الشارع والنخبة السياسية سارع إلى اتخاذ إجراءات أكثر شِدّةً– ولو على المستوى الإعلامي– ضد إسرائيل.

 

صحيح أنَّ الحكم الجديد في مصر غير مَعْنِيّ بالمطلق بأن تتحوّل سيناء إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل لدواعٍ كثيرة، إلا أنّ حكام مصر بعد الثورة لا يمكن أن يوافقوا على أي طلب إسرائيلي يمسّ بالسيادة المصرية. من هنا لقد شكلت عملية "إيلات" أول اختبار للمخاوف الإسرائيلية الكثيرة من تداعيات الثورة المصرية على اتفاقية السلام بين الجانبين؛ حيث بات في حكم المؤكّد أنّ العلاقات بين مصر وإسرائيل قبل العملية ستَخْتلِف عما كانت قبلها.

 

وهذا ما دفع ببعض النخب في إسرائيل لحثّ حكومة نتنياهو على مطالبة المجلس العسكري الأعلى في مصر بالسماح للجيش الإسرائيلي بالعمل عسكريًا داخل سيناء لتعقُّب الجهات المسؤولة عن تنفيذ العملية، وفي حال رفضت مصر الطلب الإسرائيلي، فإنّ هذه النخب ترى أنّه يتوجب عدم التردُّد في التوجه للولايات المتحدة، ومطالبتها بتوظيف كل أوراق الضغط لديها على قادة العسكر في القاهرة لإرغامهم على الموافقة على الطلب الإسرائيلي. إن مثل هذه الدعوات المستفزّة التي لا يوجد أي فرصة لأن يتمّ الاستجابة لها من قبل المصريين تعكس بدرجةٍ أساسيةٍ عمق الأزمة الاستراتيجية التي تعيشها إسرائيل في أعقاب الثورات العربية.

 

محاولة تصفية الثورة الاجتماعية

 

لقد جاءت عملية إيلات في غمرة احتجاجاتٍ اجتماعيةٍ غير مسبوقة في تاريخ الكيان الصهيوني؛ حيث تظاهر مئات الآلاف من الصهاينة ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية لحكومة نتنياهو، والتي أسفرت بشكلٍ واضحٍ عن ارتفاع الأسعار وتفاقم مشكلة السكن وتآكل الأجور. ولأول مرة في تاريخ إسرائيل تُقدّم حركة احتجاج جماهيرية لائحةَ اتهامٍ ضد المشروع الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية والقدس والجولان؛ حيث إنّ المتظاهرين اعتبروا أنّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها إسرائيل هي في الواقع نتاج الاستثمار في الاستيطان في الضفة الغربية، وطالبوا بإعادة بلورة "جدول الأولويات الوطني" على أسس مختلفة تمامًا. من هنا فقد كان من مصلحة نتنياهو واليمين الإسرائيلي من خلفه أن تحدث تطورات أمنية تُقلِّص الاهتمام بحركة الاحتجاج الاجتماعي، من هنا فقد وجد نتنياهو ضالتَه في عملية "إيلات"، وبالتالي فهو مَعْنِيٌّ باستغلالها حتى تنفض هذه الحركة التي هدّدت مصير حكومته، علاوة على أنها أظهرت تهاوي خطاب اليمين الإسرائيلي.

 

ويتضح مما تقدّم أنه إزاء مظاهر الأزمة الكثيرة التي وقفت أمامها إسرائيل في أعقاب العملية، فإنّ صُنّاع القرار في تل أبيب يسعون في المقابل إلى محاولة تقليص الأضرار الاستراتيجية الناجمة عن هذه العملية عبر تحقيق إنجازات أخرى. مما لا شكَّ فيه أنّ هذا الواقع يفرض على حركة حماس والفصائل الفلسطينية التنسيق بشكل كاملٍ مع الحكومة المصرية لمواجهة المخطط الإسرائيلي وإحباطه.