خبر الشرق الاوسط: لا توجد ثورات مفرحة.. اسرائيل اليوم

الساعة 05:45 م|01 سبتمبر 2011

بقلم: زلمان شوفال

(المضمون: مع كل الرغبة في الاطاحة بطغيان الاسد وغيره، يتبين أن هذا صدام ديني وقبلي وليس كفاحا في سبيل الديمقراطية الغربية  - المصدر).

لا توجد ثورات مفرحة، ولكن في الاساس تكاد لا توجد ثورات ناجحة، ولا سيما اذا قايسنا النتيجة بالنوايا الاصيلة لمحدثيها. الثورة الفرنسية لم تنتج "حرية، مساواة وأخوة"، بل ارهاب، حروب ودكتاتورية (متنورة نسبيا) لنابليون. الثورة الشيوعية في روسيا ولدت أحد الانظمة الاكثر اجراما واستعبادا في التاريخ الحديث، أما الثورة الاسلامية للخميني فجلبت نظام آيات الله وقمع كل بادرة ديمقراطية، حقوق انسان وما شابه في ايران. ومثلما كتب الفيلسوف البريطاني الايرلندي في القرن الثامن عشر ادموند براك: "الثورة تأكل أبناءها". هذا يوشك على ما يبدو أن يكون ايضا مصير الربيع العربي وثورة التحرير (الامر الذي لم يمنع، بالطبع، منظمي الاحتجاج الاجتماعي في اسرائيل من ان يرفعوا يافطة كتب عليها "من التحرير حتى روتشيلد...").

الولايات المتحدة واوروبا، اللتان هتفتا من منصة الجمهور، أرفقتا بمتظاهري ميدان التحرير تيجان فرسان الديمقراطية والحربة بروح جيفرسون ومونتسكيو. اوباما يرى في ما يجري مبررا لسياسته العاطفة تجاه العالم العربي والاسلامي. مع الاختلاف ان في هذه الاثناء صفع الواقع وجوه المتفائلين والربيع العربي آخذ بسرعة لان يصبح صيفا وثمة من يقول شتاءا، طويلا ومهددا، نتائجه قد تكون مختلفة جدا عن النتائج التي تمناها الغرب.

عناوين الصحف الغربية تتحدث اليوم عن "صيف قائظ" وعن "أزمة دولية"، وأقل بكثير عن الربيع العربي وعن المسيرة التي لا يمكن ايقافها، زعما، نحو الديمقراطية. الاحداث في سوريا وفي ليبيا أيضا لا تقلل بالضرورة من أجواء هذه الصحوة: مع كل المبرر للتطلع الى اندثار حكم عائلة الاسد في سوريا، يشحب أكثر فأكثر حين يدور الحديث هناك عن صدام ديني وقبلي وليس بالذات عن صراع في سبيل الديمقراطية الغربية. اما الحرب الاهلية في ليبيا فلم تدر بالذات انطلاقا من التطلع نحو الديمقراطية، بل اساس على السيطرة على مصادر النفط (أفلم تسألوا أنفسكم لماذا قرر الناتو التدخل في ليبيا الغنية بالسائل الاسود، وليس في سوريا؟).

ولكن للتطورات في مصر، مثلما رأينا في الاونة الاخيرة قد تكون آثار استثنائية من ناحية دولية، ولا سيما من ناحية اسرائيل. الاحتمال في أن يتمكن النظام الانتقالي الحالي في مصر، او ذاك الذي سيقوم هناك بعد الانتخابات من التصدي بنجاح لمشاكل مصر الاساسية، يقترب من الصفر. فاعالة 85 مليون نسمة هي مهمة شبه مستحيلة، ومثلما كتبت "الايكونومست" فان 700 الف شاب مصري ينضمون كل سنة الى سوق العمل. اذا لم يجدوا رزقا فمن شأن الامر أن ينتهي باضطراب واسع. كما أن من يحاولون التقليص من خطورة الوضع يعترفون بانه في معظم الاحتمالات سيصبح الاسلاميون على أنواعهم الجهة السياسية الرائدة في مصر. وهؤلاء يواسون أنفسهم بالامل في الا يقلب الاسلاميون رأسا على عقب قواعد الديمقراطية "كونهم عانوا بأنفسهم من الحكم الدكتاتوري في الماضي".

ولكن سواء المراقبين الاكثر تفاؤلا أم المتشائمين لا يختلفون في انه سواء نبع الامر من انعدام الوسيلة لحل المشاكل الحقيقية أم لاسباب سياسية ودينية تنغرس عميقا في قلوب الجماهير العربية، العداء لامريكا ولاسرائيل والتأييد للفلسطينيين سرعان ما يصبحان قاسما مشتركا للربيع العربي. كما أن ردود الفعل المتطرفة الاولى على الحادثة العنيفة على حدود سيناء، المظاهرات ضد اسرائيل والتصريحات حادة اللهجة للمرشحين للرئاسة في مصر تدل على ذلك. ومثلما قال محمد بسيوني، السفير المصري السابق في اسرائيل والرجل الذي يؤيد السلام، فان "ردود الفعل كانت نتيجة السياسة الجديدة في مصر والتي تعكس الرأي العام هناك".

لقد تصرفت اسرائيل إذن بحكمة وبمسؤولية في خطواتها السياسية في أعقاب الحادثة. ولكن واضح أنه يكاد لا يكون هناك احتمال في أن تعود العلاقات بيننا وبين القاهرة الى سابق عهدها في المستقبل المنظور، هذا إذا عادت على الاطلاق. هذا الواقع الجديد يستوجب بالتأكيد مراجعة استراتيجية متواصلة من جانبنا. كان يمكن ان نأمل في أن تستخلص المخيمات الصيفية الاحتجاجية، في ضوء ما يجري ويعتمل في محيطنا الاستنتاجات وتعود الى أرض الواقع. في هذه الاثناء هذا لم يحصل، وخسارة.